الجمعة - 01 مارس 2019 - الساعة 04:13 م
علي صالح عباد (مقبل) الذي عاش بكرامته التي لا يقبل التفريط بها، عاش واقفا كالطود، بمبادئه التي نختلف أو نتفق معها، لكنه فضل متمسكا بها وقابضا عليها، دون ان يلتفت لمغريات البذخ، ودون ان يمد يده لأيا كان. رافضا وساخرا من كل الأزمات المدمرة، ونائيا نفسه عنها.
كنا صغارا نسمع خطبه الثورية الحزبية بحماس الطفولة وعنفوان الشباب، كنا نراها نواة لرفض الظلم والضيم كله، وحين كبرنا كنا نتسأل عنه، وحينها لا نعرف مجريات السياسة وما تأول اليه من مجريات قذرة، لكننا صرنا ندرك ولو جزئيات من إرثها الخبيث وما عملته في شعبنا الجنوبي وما سببته من مآسي، وفي كل مراحلها لم نسمع يوماً ان لـ(مقبل) ارتباطات بما حصل من عفن وانزلاقات نزغة.
لم يسعفني حظي بالتعرف الي المناضل الكبير (مقبل) عن قرب على الرغم انني قابلته مرة واحدة في حياتي، وذلك في النصف الثاني من عام 2010م في منزله المتهالك في خورمكسر، وكنت حينها قد خرجت من زنازين سجون الأمن السياسي في صنعاء، وكان اللقاء بحضور العم علي منصر والعم حسن البيشي وبعض الاخوة من اقاربهم وآخرين، كان الحديث غالبيته، لنا نحن الشباب وكنا في حماس منقطع التظير وكان نقاشنا يتوجه صوب المناضل علي منصر، فيما كان (مقبل) يستمع بهدوء تام، عدى بعض تعليقاته العابرة والتي لا تخلوا من الحكمة، حقيقة لا ندري أي انطباع خرجه به من حديثنا. ولكن ! تعليقاته كانت ترمي الى اننا متحمسين حماس الشباب وعنفوانه، وكان يؤكد لنا ان نضالنا شريف وصادق. ولكن حماس الشباب لا يكفي في ظل تعنت النظام وقمعه.
كنت يومها انظر الى جسده النحيل واتذكر الهيبة التي رافقت نضاله وسمعته، وتواضعه الإنساني، وعدم تكبره، في الوقت الذي كنا نرى فطاحلة سلطة "عفاش" ومواكب التفحيط التي كانت تفحطنا فقرا، وتسحقنا تجبرا وطغيانا، فيما تواضع (مقبل) وقوة شخصيته، كنا نراها - يومها - صورة للدولة الشعبية للجنوب الجمهوري الديمقراطي، بشخوص مسؤلييه الذين لا غرابة ان تجمعك بهم الصدفة، وتسلم عليهم في أي زاوية، او بلدة، او ركن، او مرفق، او شارع من شوارع مدن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
رحم الله الفقيد علي صالح عباد (مقبل) الذي عاش واقفا، ومات واقفا، لم يتنازل يوما عن مبادئه، ولم يمد يده لأي كائن ما كان، بل انه رفض ان يتم استخدام أسمه وشخصيته ليكون مساند او مؤيد لطرف من (أطراف) الأزمة والحرب، وفضل ان يكون بمنأى عن نتائجها الكارثية بكل معنى الكلمة.