الثلاثاء - 30 ديسمبر 2025 - الساعة 12:32 ص
إن الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية في محافظتي حضرموت والمهرة مطلع شهر ديسمبر الجاري باجتثاث قوات النهب والفيد الجاثمة على وادي وصحراء حضرموت والمهرة منذُ غزو النظام السابق بتحالفاته المعروفة القادمة من أقصى الشمال في العام 1994؛ ليُسقِط هذا الغزو الوحدة السلمية بين دولتي اليمن الجنوبي واليمن الشمالي... هذه الانتصارات والسيطرة للقوات المسلحة الجنوبية تشكل علامةً فارقة في نضال شعب الجنوب بعد أكثرِ من ثلاثةِ عقودٍ من النهبِ المنظمِ وممارساتِ الإقصاء والتهميشِ والضمِّ والإلحاق بحق كلّما هو جنوبي.
المكاسب على الأرض.. والعلاقات مع دول التحالف العربي:
من المهم أن تحافظ القوى السياسية الجنوبية على ما تحقق من انتصاراتٍ عن طريق الثبات على الأرض، والتعامل مع الأحداث والتداعيات بعقلٍ واعٍ وقلبٍ مفتوحٍ، ورؤية سياسية ناضجة بعيدة المدى، تأخذ في الحسبان مفاعيل السياسة وتعقيداتها، وارتباط كل ذلك بالمصالح المحلية والإقليمية والدولية.
إن تقاطع المصالح للقوى المؤثرة على مستوى المنطقة والعالم وتضاربها أحيانًا، يحتّم على القوى السياسية الجنوبية وفي طليعتها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يقود هذه المرحلة الكفاحية من تاريخِ نضالِ شعبنا بحيث يبعث رسائل طمأنة إلى دول الجوار والإقليم في الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان الشقيقتين، ودول التحالف العربي جميعًا، رسائل طمأنة مفادُها أن الجنوب من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا لن يكون إلا مصدر أمنٍ وأمانٍ واطمئنان لجيرانه وأشقائه، وأننا نحترم ونثمن عاليًا أواصر القربى والقيم والتاريخ والمصير المشترك، فأمننا جزء لا يتجزأ من الأمن القومي لجيراننا وأشقائنا في المنطقة، وأن الجنوب مكون أصيل في المشروع العربي وسيبقى وفيًا لهذا المشروع كونه الضمانة الأكيدة للحفاظ على بلداننا من مخاطر قوى الشر والإرهاب المتمثلة في الجماعات المتطرفة، والمد الصفوي الإيراني (تصدير الثورة)، والإخوان المسلمين وغير ذلك من المشاريع الضالة العابرة لحدود الدول بمختلف مسمياتها سواء كانت يمينية أو يسارية.
كما أن الدبلوماسية الجنوبية مطالبة بتوجيه رسائل الطمأنة ذاتها إلى الدول الكبرى التي لها مصالح استراتيجية ويساورها قلق حيال ما قد تتعرض له مصالحها من تهديدات سواء في الممرات المائية خاصةً أن الجنوب يقع في منطقة جيوسياسية مهمة جدًا تطل شريط ساحلى كبير جدًا يمتد من باب المندب جنوب البحر الأحمر مارًا ببحر العرب والمحيط الهندي حتى محافظة المهرة التي تحد سلطنة عمان، هذا الشريط الساحلي الممتد لمئات الكيلومترات يمثل ترابط وهمزة وصل بين ثلاثة من أهم الممرات المائية للتجارة الدولية (قناة السويس- باب المندب- مضيق هرمز)...
فالجنوب يجب أن يكون شريكًا فاعلًا للمجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة لأن ذلك يحمى مصالحنا المحلية ويحمي مصالح جيراننا وأشقائنا في الخليج والمحيط العربي وأصدقائنا على مستوى العالم.
ومن قبيل الإنصاف فقد أُبليت القوات المسلحة الجنوبية بلاءً حسنًا في مكافحة الإرهاب الخ_وثي وتنظيمات القاعدة وداعش على مدى السنوات الماضية، وتعرضت هذه القوات لمئات الهجمات الإرهابية من قبل المتطرفين، واستمرت بمحاربتهم على امتداد رقعة الجنوب الجغرافية، محققةً كثيرٍ من الإنجازات وأضعفت هذه التنظيمات بشكل ملموس، ومن قبيل الإنصاف نشير إلى أن القوات المسلحلة الجنوبية تم إنشائها وتدريبها بدعمٍ كبير من قبل دول التحالف العربي ممثلة بالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والفضل لهما في تجهيزها وإعدادها وتأهيلها.
بالتأكيد لم يقتصر دعم السعودية والإمارات على المجالات العسكرية والأمنية، بل تعداه إلى مختلف الجوانب الاقتصادية والتنموية الأخرى التي أسهمت في التخفيف من معاناة شعبنا جراء الحرب التي شنتها الميليشيات التابعة لإيران على الجنوب منذُ أكثر من 10 سنوات، هذا الدعم والمواقف الأخوية الصادقة لايمكن لنا أن ننساها او نتنكر لها، وما زلنا بحاجة لأشقائنا ولن تنفك شراكتنا الاستراتيجية معهم أبدًا، فالروابط السياسية والثقافية والاقتصادية والدينية المشتركة، والتاريخ المشترك أقوى من أن تكسرها تحديات الزمن وصروف الدهر.
تغييب الحقيقة وحملات التشويه:
يتعرض الجنوب ممثلًا بالمجلس الاننتقالي الجنوبي والقوات المسلحة الجنوبية لهجمة تظليل إعلامية شرسة ربما هي الأكبر على الإطلاق، تشنها نخب الشمال السياسية والقوى المتنفذة المستفيدة من نهب الثروات بعد السيطرة على معسكرات المنطقة العسكرية الأولى في وادي وصحراء حضرموت تلك القوات المتورطة بالتهريب المنظم وشكلت شريان إمداد لميليشيات الخوثي بالسلاح، ووفرت ملاذًا آمنًا لقوى التطرفِ والإرهاب، حيث أزاحت القوات الجنوبية الستار عن العشرات من المنشآت غير القانونية التي يمارس بواستطها نهب النفط الخام، وتكريره وتهريب المشتقات النفطية لصالح المتنفذين وميليشيات إيران؛ بينما الشعب محروم من أبسط الخدمات!
فحملات التظليل والهجمة الإعلامية المسعورة التي تمارسها القوى المعادية لشعب الجنوب، وسقطت في فخ تزييف الحقائق- للأسف الشديد- بعض وسائل الإعلام العربية والدولية بنقلها أخبار مغلوطة وفبركة بعض التقارير الصحفية التي تزعم ممارسة قواتنا المسلحة الجنوبية انتهاكات لحقوق الإنسان بوادي وصحراء حضرموت، وهي أخبار وادعاءات عدمية لا أساس لها من الصحة، وتفتقر لأبسط المعايير المعمول بها في رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، ونحن بحاجة إلى أن تنزل وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية المعروفة للاطلاع على طبيعة الحياة في الأماكن التي تنتشر فيها القوات الجنوبية وقوات النخبة الحضرمية جزء لايتجزأ منها.
لا شك أن أهداف من يقفون خلف هذه الدعاية الرخيصة تتمثل في التشويه بالمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المسلحة الجنوبية وبالتالي القضية الجنوبية العادلة التي تكتسب مشروعية حقيقية، وأرضية قانونية صلبة منذُ إسقاط الوحدة بالقوة العسكرية وما تلاها من ممارسات إقصاء للشريك الجنوبي، وقمع وإرهاب للاحتجاجات السلمية على امتداد رقعة الجنوب الجغرافية خلال الثلاثين عامًا الفارطة، كما تهدف هذه الحملات إلى الإساءة لعلاقة الجنوب بأشقائه في التحالف العربي وبصورة خاصة المملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي ينبغي أن ينتبه له المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يقود اليوم دفة القضية الجنوبية نحو استعادة الدولة الجنوبية بحدودها المعروفة قبل 22 مايو 1990، فالمجلس الانتقالي الجنوبي ومن واقع مسؤولياته اليوم ومعه القوى السياسية الجنوبية يجب أن يتنبهوا لمثل هذا الأمر الخطير، وينبغي علينا التعامل بوعي سياسي متزنٍ وعقلاني يسهم في توطيد الشراكة مع أشقائنا وجيراننا، والانفتاح المقترحات الإيجابية، التي تحافظ على المكتسبات وتبدد مخاوف وقلق الأشقاء، وعدم السماح لعاصفة التحريض والتظليل أن تجر الجنوب وشعبه وقضيته إلى مجرد التفكير في الإساءة لدول التحالف العربي الذين هم سندناوعمقنا الاستراتيجي ومصدر قوتنا، فالصبر ودحض الافتراءات وتوظيف أدوات السياسة والوفاء للمشرع العربي تمثل طوق نجاةٍ لشعبنا وقضيته العادلة التي يعترف بها العالم أجمع اليوم وفي مقدمة ذلك أشقائنا في الخليج والمحيط العربي.
السيطرة على الأرض ومسار استعادة دولة الجنوب:
لاشك أن السيطرة التي تفرضها قواتنا المسلحة الجنوبية اليوم على كل أراضي الجنوب- لأول مرة منذُ اتفاقية الوحدة بين الدولتين التي تم إسقاطها في العام 1994 بالقوة العسكرية- تجعل حلم استعادة دولتنا الجنوبية على المسار الصحيح، ومنعطف مهم في التاريخ النضالي لشعب الجنوب.
لقد دفع شعبنا الجنوبيُّ الأبيُّ أثمانًا باهظةً في سبيلِ انتزاع حريته وكرامته؛ لذلك فهو اليوم يقفُ على أعتابِ مرحلةٍ مهمةٍ وجديدةٍ في مضمارِ رحلتهُ الشّاقة والمرصّعة بنياشين النضال الحر، وصفات المجد للانعتاق من دياجيرِ ظلام المركز (المقدس) شمالًا ونُخَبهِ السياسية القبلية الدينية، التي رأت في الجنوب مجرد أرض وثروة يجب مصادرتها بصكوك فتاويها التكفيرية وآلتها القمعيةِ، معتقِدةً أنها قد أخمدت روحَ ووهجَ الثورةِ والكبرياءِ في وعي وضميرِ شعب الجنوب؛ وهاهي اليوم تتبدد معتقداتها وتتهاوى الصورة المرسومة في مخيلة هذه القوى؛ ليقف شعبنا بكل عنفوانٍ صانعًا من كل عثرةٍ انتصار، ومن كل ظلمٍ عدالة، ومن كل انكسارِ عزةً وشموخ؛ ليُعيدَ كتابة التاريخ ويمضي بقوةِ الحقِ والإرادةِ لا بحقِ القوةِ والاستكبار، فإرادة الشعوب تنتصر ولو بعد حين.
وللحديث بقية...