كتابات وآراء


الإثنين - 20 أكتوبر 2025 - الساعة 10:42 م

كُتب بواسطة : وضاح علي ناشر - ارشيف الكاتب





في القضايا الوطنية الكبرى، يظل الاختلاف في الرأي من مظاهر النضج السياسي، ودليلًا على حيوية المجتمع وتعدّد الرؤى داخله. ولا أحد يرفض النقد حين يكون بنّاءً وصادقًا، يستهدف التصحيح والبناء لا الهدم والتشويه.
وقد أتفهم انتقاد بعض الجنوبيين للمجلس الانتقالي الجنوبي، سواء من منطلق الرأي السياسي المختلف، أو بدافع الحرص الصادق على الوصول إلى الأفضل، فهذا حق مشروع ومن صميم الممارسة السياسية المسؤولة.

لكن ما لا يمكن تفهمه — بل ويثير كثيرًا من علامات الاستفهام والريبة — هو إصرار البعض على التحريض الممنهج ضد المجلس الانتقالي وقياداته، حتى بلغ الأمر بالبعض إلى تحميل القيادات الجنوبية مسؤولية العمليات الإرهابية التي استهدفت الجنوب ومؤسساته، في الوقت الذي اعترف فيه المنفذون والداعمون بوضوح بتورطهم فيها!
وتحت شعار “النقد البنّاء” و“الحرص على الجنوب”، تُساق الاتهامات جزافًا، ويُراد من خلالها ضرب الثقة الشعبية بالمجلس وقيادته، في واحدة من أخطر حملات تزييف الوعي وتشويه الحقائق التي تستهدف القضية الجنوبية من الداخل.

إن الاختلاف في الرأي يظل ظاهرة صحية ما دام في إطار الأخلاق والمسؤولية الوطنية، لكنه يتحوّل إلى أداة هدم عندما يُستغل للتحريض وإثارة الشكوك، خصوصًا في مرحلة تتسم بالتعقيد السياسي والاقتصادي والأمني، وتتشابك فيها الأطراف الداخلية والخارجية، وتنعكس آثارها على الملفين الاقتصادي والخدماتي اللذين يعيشان ضغطًا هائلًا نتيجة التحديات والتدخلات المستمرة.

إن تحميل طرف جنوبي واحد مسؤولية كل ما يجري في الجنوب، مع تجاهل العوامل المتعددة والمتشابكة التي أنتجت هذه الأزمات، ليس نقدًا، بل تبسيطٌ مخلّ وتشويهٌ متعمد للواقع.
فالقضية الجنوبية تمر بمرحلة دقيقة تتطلب من الجميع الوعي والحكمة وتغليب مصلحة الجنوب على الخلافات الشخصية أو السياسية .

إن النقد أمانة ومسؤولية، والاختلاف شرفٌ حين يكون في خدمة القضية لا على حسابها،
أما تزييف الوعي وتشويه الحقائق، فهما خيانة لدماء الشهداء ولجوهر المشروع الجنوبي التحرري، الذي دفع أبناء الجنوب في سبيله أثمن التضحيات.

وعليه، فإن الواجب الوطني يقتضي أن نرتقي بخطابنا، وأن نحافظ على وحدة الصف الجنوبي، فالنقد البناء لا يعني هدم الجسور ولا الطعن في الرموز، بل يعني تقويم المسار بحكمة ومسؤولية.
فالجنوب أكبر من الجميع، ومصلحته فوق الجميع، والتاريخ لا يرحم من يقف في صف الفوضى حين يحتاج الوطن إلى وعيٍ وتماسك.