الثلاثاء - 10 يونيو 2025 - الساعة 12:17 ص
بينما كنتُ غارقةً في بحر أفكاري، أُصارع صخب الحياة وضجيج الهموم، هزّني صوتٌ ناعمٌ خرج من عمق الواقع وقال همسًا:
“يخالَة… اشتري مني.”
التفتُّ، فإذا به طفلٌ صغير، يحمل قنينة ماء وكأنه يحمل على كاهله عمرًا أكبر من عمره. أيقظني صوته من غفلتي، وسحبني من شرودي، لا لأعود إلى الواقع، بل لأغرق في مقبرة الأحزان.
نظرت إليه، فوجدتُ في عينيه الجميلتين قهرًا صامتًا، وفي ملامح وجهه الطفولي براءةً موجوعة، وفي صوته الناعم بُحَّةُ ألمٍ لا تُشبه الأطفال.
كان هناك بريق أملٍ صغير… لعلّني أشتري منه. لعلّ أحدًا لا يُغلق بابه في وجهه. لعلّ العالم القاسي يُقابله هذه المرة برحمة، لا بخذلان.
وقف هناك، في شارعٍ لا يرحم، وقد جعلوه مسكنه. لا دفء أمّ يحتضنه، ولا عطف أب يحميه.
وقف يحمل الماء… ويفتقد الحياة.
عيني في عينه، وعيني الأخرى تتأمل مصيره القادم.
أيُّ حلمٍ كان يحمله هذا الصغير في قلبه؟
أكان يحلم بمدرسة؟ بعلبة ألوان؟ بحضن دافئ؟
ما الذي ألقاه هنا؟
ولماذا هو هنا، بينما كان يجب أن يكون في صفٍّ دراسيّ، لا على رصيفٍ ملتهب؟
في لحظة، لم يكن مجرد طفل يبيع الماء.
كان مرآةً لهذا الوطن… لصورةٍ غابت فيها العدالة، وتكسّر فيها الأمان، وسُرقت فيها أحلام الطفولة.