القيادة التنفيذية تقف أمام التحضيرات الجارية لانعقاد عدد من المؤتمرات الدولية والمحلية لتعزيز الاقتصاد.. انفوجرافيك

رئاسة الانتقالي تناقش ما تم إنجازه في برنامج التعافي الاقتصادي وتؤكد ضرورة التكاتف لاستدامة التحسّن.. انفوجرافيك

الرئيس الزُبيدي يلتقي وفد منظمة أطباء بلا حدود البلجيكية ويشيد بدورها الإنساني والطبي.. انفوجرافيك



اخبار وتقارير

الأحد - 17 أغسطس 2025 - الساعة 08:26 م بتوقيت عدن ،،،

4 مايو / محمد الزبيري

لم يعد ملف الإصلاح في الجنوب مجرد ورقة إدارية أو بندًا ثانويًا على جدول أعمال القيادة السياسية في المجلس الانتقالي الجنوبي ،بل أصبح بمثابة معركة مصيرية تحدد مستقبل الدولة الجنوبية المنشودة ومدى قدرة الجنوبيون على إدارتها وتحويلها إلى نموذج للدول المستقلة في التنمية المستدامة

في ظل الظروف الاقتصادية والأمنية والإنسانية المتشابكة، يبرز المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، كحامل رئيسي لمشروع إعادة بناء مؤسسات الدولة وإرساء قواعد الحوكمة الرشيدة.
هذه الإصلاحات لم تعد خيارًا مطروحًا للنقاش، بل ضرورة وطنية لا يمكن التراجع عنها. فكل تأخير في التنفيذ يعني تعميقًا للأزمات، وكل خطوة جدية تعني تقليصًا للفجوة بين الواقع والطموح.
ومن هنا، يدخل الجنوب اليوم مرحلة جديدة عنوانها الأساسي: الإصلاح الشامل والملزم.

*ضرورة لا خيار


أولى القضايا التي فرضت نفسها بقوة هي مسألة تنفيذ القرارات الإصلاحية وإعادة ضبط عجلة الاقتصاد وإيقاف السقوط الحر للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية.
إذ لم يعد مقبولًا الاكتفاء بإعلان الخطط أو إصدار التوجيهات، بل غدا التنفيذ الفعلي على الأرض هو المعيار الحقيقي لجدية المرحلة.

الرئيس الزُبيدي شدد في أكثر من اجتماع، آخرها اجتماع هيئة رئاسة المجلس الانتقالي مطلع أغسطس 2025، على أن الإصلاحات الإدارية والمالية "ليست ترفًا سياسيًا بل التزام وطني ملزم".
واعتبر أن أي تهاون في التطبيق يعادل خيانة لآمال الشعب الجنوبي الذي صبر طويلًا.

هذا الحزم في الخطاب عكس إدراك القيادة لحقيقة أن المعركة لم تعد معركة شعارات، بل معركة أفعال تتطلب قرارات جريئة وإرادة لا تتراجع أمام التحديات.


*مكافحة الفساد

من أبرز المحاور التي تتصدر أولويات الإصلاح، معركة مكافحة الفساد،فالجنوب، مثل غيره من البلدان الخارجة من الصراع، عانى لسنوات طويلة من شبكات الفساد التي التهمت مؤسسات الدولة وأفرغت الخزينة العامة، وحولت المال العام إلى غنيمة خاصة.
اليوم، يتبنى المجلس الانتقالي نهجًا يقوم على المساءلة والشفافية فقد أعلن عن حرب مفتوحة في مواجهة الفساد ونهب الإيرادات وأعلن أن مئات المؤسسات الحكومية متهمة بالتهرب الضريبي، وأن هناك العديد من الشركات والمؤسسات تلاعبت بأسعار السلع الأساسية.

أبرز مثال حديث هو الضغوط التي مورست على بعض الشركات التجارية الكبرى، التي حاولت مقاومة حملات الرقابة ورفضت خفض أسعار المواد الغذائية رغم تراجع أسعار الصرف.
في خضم هذه التحركات الاقتصادية وجّه الرئيس الزُبيدي تحذيرًا صريحًا بأن الجنوب "لن يسمح بتحويل قوت الشعب إلى أداة حرب اقتصادية"
وقال الزبيدي أن "الشعب الجنوبي قد صبر طويلاً ومجرد السكوت عن مخطط تجويعه يعد خيانة لدماء الشهداء"


*المواطن محور الإصلاح

في قلب هذه المعركة الاقتصادية يقف المواطن الجنوبي، المتأثر مباشرة بجشع بعض التجار.

لهذا أطلق المجلس الانتقالي حملات ميدانية للرقابة على الأسواق، شاركت فيها الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية، بهدف ضبط الأسعار ومنع الاحتكار.
أحد التقارير الرقابية الصادرة عن وزارة الصناعة في عدن أكد أن أكثر من 200 مخالفة تم ضبطها خلال النصف الأول من العام الجاري، تراوحت بين رفع أسعار غير مبرر واحتكار مخازن للسلع، كما اوضحت اللجان التي كلفت بمراقبة الأسعار وإعادة تحديدها وفقاً للمتغيرات الأخيرة وتعافي الريال اليمني أن العديد من المؤسسات والشركات رفضت تخفيض الأسعار أو حاولت التحايل والالتفاف على الاصلاحات الاقتصادية الأمر الذي يتطلب مزيد من الرقابة الصارمة وتنفيذ القانون والنظام بحق المخالفين.

هذه الخطوات، رغم محدوديتها، أرسلت رسالة واضحة: المواطن لن يُترك فريسة للمتلاعبين.
إن هذا الجانب الإنساني للإصلاحات يظهر بجلاء في تصريحات نائب رئيس المجلس، اللواء أحمد سعيد بن بريك، حين قال: "إن كل إصلاح لا يلمس حياة المواطن اليومية في سعر الخبز والدواء والكهرباء، يبقى ناقصًا ومجرد حبر على ورق".

*إصلاح المؤسسات


لا تكتمل مسيرة الإصلاح دون إعادة هيكلة المؤسسات الإدارية والمالية. فقد أعلن المجلس الانتقالي عن خطط لدمج بعض الهيئات المتداخلة، وإلغاء مؤسسات صورية تستنزف الموازنة دون أن تقدم أي خدمة حقيقية.
كما تم توجيه الوزارات بوضع خطط لإعادة تأهيل الكوادر الإدارية، واعتماد نظام تقييم دوري للموظفين، لضمان رفع الكفاءة وتقليص البطالة المقنّعة.

إحدى الخطوات اللافتة كانت إعادة تفعيل نشاط مصافي عدن، بعد سنوات من الجمود، كجزء من رؤية متكاملة لإحياء القطاعات الإنتاجية.
ويقول اقتصاديون إن عودة المصافي إلى العمل بكامل طاقتها ستوفر مئات فرص العمل، وتخفف الضغط عن فاتورة استيراد المشتقات النفطية.

*التحديات الاقتصادية


رغم هذه الجهود، تبقى التحديات الاقتصادية هائلة. انهيار العملة الوطنية، وتأخر صرف رواتب الموظفين والعسكريين، وانقطاع الكهرباء، كلها ملفات ملتهبة لا تحتمل التأجيل.
القيادة الجنوبية أعلنت بوضوح أن استقرار العملة سيكون على رأس أولوياتها.
وفي هذا السياق، بدأ التنسيق مع خبراء ماليين لإعداد خطة لإصلاح البنك المركزي، تشمل رقابة صارمة على حركة التحويلات والاعتمادات المستندية.

أما على مستوى الخدمات، فقد أطلقت الحكومة بالتعاون مع المجلس الانتقالي الجنوبي والسلطات المحلية في عدن حملة طوارئ لإصلاح محطات الكهرباء في محاولة لتخفيف المعاناة عن مئات الآلاف من الأسر.


*المواطن أولًا


لم تعد التحركات الاقتصادية الأخيرة التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي محصورة في الأرقام والمؤشرات المالية فحسب، بل باتت تمثل طوق نجاة للإنسان الجنوبي الذي عانى سنوات طويلة من الفقر وانهيار الخدمات وتآكل القدرة الشرائية. ففي كل قرار يتعلق بإصلاح المؤسسات أو إعادة تشغيل المصافي والموانئ، يلمس المواطن البسيط بارقة أمل في عودة الاستقرار المعيشي.
إذ تعني هذه الخطوات عودة الكهرباء بصورة أفضل، وتوفر المشتقات النفطية بأسعار معقولة، وتخفيف المعاناة اليومية للأسر التي أنهكها الغلاء.
البُعد الإنساني هنا هو المحرك الأساس، فالمواطن الجنوبي لم يعد يطالب بالرفاهية بقدر ما يتطلع إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، وهو ما تسعى هذه الإصلاحات إلى تحقيقه عبر وضع احتياجات الناس في صدارة الأولويات.


*التحديات السياسية

رغم وضوح الرؤية الإصلاحية، إلا أن الطريق محفوف بالعقبات. فشبكات النفوذ المرتبطة بمراكز قوى سابقة لا تزال تحاول تعطيل الإصلاحات.
البعض يستخدم الإعلام الموجه لخلق بلبلة، وآخرون يوظفون المال السياسي لإثارة الفوضى.
لكن المجلس الانتقالي يبدو عازمًا على المضي قدمًا، مدعومًا بقاعدة شعبية واسعة ترى في هذه الإصلاحات فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة الجنوبية على أسس جديدة.
إن معركة الإصلاح في الجنوب ليست سهلة، لكنها معركة لا مفر منها. فهي معركة ضد الفساد والفوضى والاحتكار، ومعركة من أجل بناء مؤسسات حقيقية قادرة على حماية حقوق المواطن وإعادة الثقة بين الدولة والمجتمع.
اليوم، يقف الجنوب أمام لحظة فارقة: إما أن ينجح في فرض الإصلاح كخيار وطني جامع، وإما أن يبقى أسيرًا للفوضى والتجاذبات
. والمؤشرات حتى الآن تقول إن الإرادة السياسية، ممثلة في قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، ماضية بعزم وإصرار في طريق الإصلاح، مهما كانت التضحيات.

وبينما يراقب المواطن الجنوبي هذه الخطوات، يبقى أمله معقودًا على أن تتحول القرارات إلى واقع، وأن يثمر هذا الجهد عن دولة عادلة وقوية، قادرة على حماية مستقبل الأجيال القادمة.