الرئيس الزُبيدي يثمن التدخلات الإنسانية لبعثة الصليب الأحمر.. انفوجرافيك

اللجنة العليا للموارد السيادية والمحلية تبحث الوضع الاقتصادي والتدابير اللازمة لتفعيل المؤسسات الإيرادية

الرئيس الزُبيدي يطّلع على جاهزية قوات الأمن الخاصة .. انفوجراف



كتابات وآراء


الثلاثاء - 29 يوليو 2025 - الساعة 08:41 م

كُتب بواسطة : د.مريم العفيف - ارشيف الكاتب


قبرٌ لا شاهد عليه، ولا روح تسكنه، فقط رمادٌ يتطاير كلما حاول البعض نفخ الحياة فيه.
ليس كل من سكن الذاكرة استحق البقاء فيها، وبعض "الزعامات" لا تُدفن في التاريخ، بل تُحرق في وجدان الشعوب.


---

في كل مرة يُعاد فيها تدوير صورة علي عبدالله صالح كـ"زعيم تاريخي"، نتساءل: لمن يُكتب هذا المجد؟ وعلى أي ذاكرة يُبنى؟ وهل يمكن حقًا أن نغسل أيدينا من دماء السياسات القمعية والتمييزية التي مورست على شعب بأكمله تحت راية الوحدة القسرية؟

منشور قرأ على هامش زوبعة فنجان الفيلم الوثائقي، الذي وصف فيه علي عبدالله صالح بأنه شخصية "لم تصنعها السلطة بل صنعت السلطة"، يُعد – بصدق – محاولة لتجميل وجه سلطة غاشمة، وصياغة سيرة بطل على أنقاض وطن ممزق، ودولة جنوبية سُحقت مؤسساتها، وتم التنكيل بأبنائها، ليس لذنب سوى أنهم طالبوا بالكرامة والسيادة.

نحن الجنوبيين لا نقرأ التاريخ بعين المحايد، بل بعين من دُمرت عاصمته عدن عام 1994، وسُرّحت كفاءاته، ونُهبت مؤسساته، واغتيل رموزه الوطنيون واحدًا تلو الآخر. تلك ليست محطات عابرة، بل جراح لم تندمل، وحقائق لا يمكن تزييفها بعبارات عاطفية.


---

❖ صالح.. "زعيم السلطة المتوحشة"

علي عبدالله صالح لم يكن زعيمًا بمفهوم الدولة، بل كان رأس نظامٍ بنى سلطته على الولاء الشخصي، والنهب الممنهج، وشراء الذمم، واحتقار المؤسسات.
هو لم يصنع مجد اليمن، بل ساهم في تمزيقه، حين هندس وحدة "الضم والإلحاق"، ثم حكم الجنوب بالحديد والنار، وحوّل رموزه الوطنيين إلى "أهداف تصفية".

لقد استثمر صالح في تمزيق النسيج الاجتماعي، وإضعاف كل مقومات الدولة الجنوبية، لا ليبني دولة موحدة، بل ليحكم منفردًا من قصر في صنعاء، فوق حطام أحلام وطن كامل.


---

❖ الثبات لا يبرر الخراب

يقول البعض إنه لم يهرب واختار أن "يموت واقفًا"، ونقول: الثبات في وجه رصاص الحلفاء لا يُكفّر عن عقود من الخراب الداخلي.
الثبات لا يُقاس بلحظة الموت، بل بسنوات الحياة التي أنفقت في تدمير اليمنيين واستنزاف مقدراتهم، وبيع سيادة البلاد بأثمان التحالفات المسمومة.

بل إن ثباته في نهاية المطاف هو نتيجة تحالف خاطئ أدخل الذئب إلى الدار، ثم حاول طرده بعد فوات الأوان. فهل نسمي هذه "زعامات تاريخية"، أم دروسًا سياسية في سوء التقدير والاندفاع القاتل؟


---

❖ الجنوب لا ينسى

ذاكرة الجنوب ليست ورقة يمكن طيّها. وهي لا ترى صالح إلا كـ"مهندس التصفية الشاملة"، وقائد الاجتياح، ومُنظّر سلطة الإذلال.
لقد خاض الجنوبيون معارك استعادة الكرامة على مدى سنوات طويلة، ولا يمكن لأي خطاب مهما تلطف أن يعيد "الزعيم" إلى الواجهة بمنطق التقديس.

هو لم يكن زعيمًا، بل تجسيدًا صريحًا للسلطة القمعية، التي لم تقم على مشروع وطني جامع، بل على توازنات سلاح وتحالفات فساد.
من يظن أن علي عبدالله صالح سيمرّ في ذاكرة الجنوبيين كـ"رجل الدولة" فهو يتجاهل الذاكرة الجريحة التي لم تلتئم، ويتغافل عن مشروع تصفية الجنوب أرضًا وهوية، بكل ما يحمله من إرث وسيادة.
نحن الجنوبيون نعرف تمامًا من كان علي عبدالله صالح، لا من خلال الخطب ولا المقالات، بل من خلال المدافع التي دمرت مؤسسات دولتنا، ومن خلال سياسة التهميش الممنهجة، ومن خلال اغتيال كرامتنا في مؤسسات كانت رائدة، فحوّلها إلى هياكل خاوية، وخزّن في جدرانها الفساد والقمع.

إن الحديث عن مجده هو تشويه لمعنى المجد، وإن وصفه بالثبات هو نسيان أنه ثبّت نظامًا من القمع، لا من الكرامة.


---

❖ أخيرًا..

التاريخ لا يُكتب بأقلام المرتجفين ولا بشاشات الإعلام المنحاز، بل يُكتب بدماء الشهداء، وبصمود من ناضلوا من أجل هويةٍ وشعبٍ ودولة.
نحن لا نكتب التاريخ بأقلام المرتعشين، بل بصوت الأرض التي عرفت معنى الاستقلال ثم ذاقت طعم الاحتلال المقنع.

وإن كنا نترحم على الموتى، فإننا لا نُجمّل الجرائم، ولا نصنع من أضداد الحرية رموزًا للوطنية.
والتاريخ لن يغفر لا لمن خان الوطن، ولا لمن بالغ في تلميعه بعد موته.

رحم الله الشهداء.. لا من خانوا الأرض، بل من صانوا ترابها وسقطوا وهم أوفياء لها.
رحم الله من مات شريفًا..
وسحقًا لكل سلطةٍ دهست الشعوب وسرقت أحلامهم، ثم ارتدت ثوب المجد بعد فوات الوعي.