اجتماع قيادي للمجلس الانتقالي يناقش الاجراءات اللازمة لمواجهة الازمة.. انفوجرافيك

الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية تقف أمام مستجدات الأوضاع الاقتصادية والخدمية على الساحة الجنوبية..انفوجراف

انعقاد اللقاء التنسيقي الأول بين الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي وإعلام المقاومة الوطنية اليمنية..انفوجراف



كتابات وآراء


الأحد - 15 يونيو 2025 - الساعة 09:11 م

كُتب بواسطة : علي محمد سيقلي - ارشيف الكاتب



في هذا الكوكب المزدحم بالثرثرة، ثمة كيان صغير بحجم “حبة البن اليافعي”، لكنه إن ضرب، خلّف حفرة بحجم هيبته.
كيان لا يسكنه الخوف، بل يسكن هو في قلب الخوف، يزرعه في خصومه شتلةً فشتلة، حتى يثمر رعباً استراتيجياً في عواصم لا تملك غير الخطابات، والدعاء بهلاكه في كل صلاة.
أعجبتني قدرته على تنفيذ القصاص بلا مرافعة، والرد بلا مؤتمر صحفي، والعبث بالمفاجآت كما يعبث طفل بفقاعات الصابون.
كلهم يشتمونه صباحاً، ثم ينسخون تكتيكاته ليلاً، يلعنونه جهراً، ويُرسلون له رسائل إعجاب بالخفاء.
أما أنا، فلا شتمت ولا لعنت، فقط جلست أراقب بدهشة طفل رأى قوس قزح لأول مرة، ثم تساءلت:
من أي مجرّة جاء هذا الكائن؟ ومن الذي سلّحه بالفطنة، وببرامج لا تُخترق، وبأصدقاء لا يُحسبون علينا؟
قالوا إنه كيان مؤقت. كم من عقود مرّت وهذا “المؤقت” يشيّد نفسه بالحجارة التي رُميت عليه؟ كم من مرة صفع خصمه وجلس يرتشف قهوته دون أن يتصبب عرقاً؟
في كل مرة “ينتصر”، لا أصفّق، فقط أغمض عيني وأتخيل وجوه بعض الساسة الذين لم ينجحوا حتى في ضبط توقيت صلاة الفجر، ناهيك عن توقيت الضربات الخاطفة.
قد يُقال عني ما يُقال، لا بأس، في زمن الشتم الجماعي لا تجرؤ على قول “آه” إلا إذا ضمّنتها بـ “آمين”.
وأنا لستُ بمجنون كي أصرّح بإعجابي بما لا يجوز الإعجاب به، لذا سأكتفي بالصمت . أما الإبتسامة في هذا المقام، فهي خيانة عظمى.
أحببت ما فعل، لكنني لن أقول “أحببت”. سأقول فقط: “هناك من فعل، وهناك من انفعل، وهناك من فقد صوابه”، وشتّان بين من يصنع الحدث، ومن يصنع البكاء على الأطلال.
أما أنا، فسأكتب عن أشياء لا تغضب أحداً: عن الطقس، وموسم الجهيش، وأسعار بورصة القات العالمية، وأترك ما عدا ذلك لجنود الظل الذين يفكرون نيابة عن الجميع… ويصيبون دائماً.
و سلامٌ على من لا يُخطئ التصويب
في هذا الشرق، من لا يجيد التهليل في العلن، عليه أن يتقن فنون التنهيد في السر.
كثيرون ينامون على وسائد مبللة بالنفاق، يلعنون في الصباح من يراسلونه ليلاً بكلمة: “هل فعلتها ثانية؟” وكأنهم يترقبون معجزاته كما تترقب قريتي موسم هطول المطر.
إنها المجرة التي لا يجوز ذكر اسمها، لأن ذكرها في بعض البلدان يُعتبر ذنباً وكفرا يضاهي الكفر بالله.
لكنه وبجد يعرف من أين تُؤكل الجغرافيا، ويُجيد حياكة الضربات كما تُحاك المؤامرات في بلداننا العربية.
لقد رأيته — أو بالأحرى، شعرت به — وهو يُسقط حجراً من فوق جبلٍ لم يُسمَّ، على رأس خصمٍ لم يُعلن عن اسمه، في بقعةٍ لا يُسمح لك بالاقتراب منها، ثم انسحب كأن شيئاً لم يكن، وكأن العالم كان في استراحة إعلانات.
وحدها الكيانات التي تعرف قيمة الصمت، هي من تستحق ضجيج الانتصار.
أما نحن، فعندنا فائض خطابات، وفائض عنتريات، وفائض من اللعنات…
نحن أبناء الشعارات العتيقة: “الموت لهم!”، لكن الموت يتأخر، أو يأتي إلينا قبلهم على أحر من الجمر.
كم أُعجبت — سراً طبعاً — ببراعة ذلك “اللا أحد” الذي أسقط الهيبة من فوق عمامة، وهزّ عرش المراوغة بخفة طلقةٍ لم تُرصدها رادارات العمائم.
ولأنني ابن هذا البلد العقيم الذي يعلق العداوة على الجدران، ويخيط الخوف على هيئة عباءة وطنية، لن أجرؤ على قول: أنا معه.
بل سأقول، أنا مع الدهشة، مع الذكاء، مع الذي يسبق الجميع بثلاث خطوات ويكتفي بالصمت.
نعم، لقد فرحت، لكن لا تقولوا لأحد. وإن سُئلت، سأقول: كنت أتابع مباراة في الدوري الإسباني، ولم أشاهد شيئاً.
وإن حاصروني، سأغمغم بشيء عن حياد الصحافة، وحرية التعبير، وحقوق النسوان، ثم أنسحب مثلما انسحب “هو”، بعد كل ضربة، دون أثر، ودون أسف يذكر.
إنني لا أناصره، معاذ الله، لكنني أراقبه بدهشة المنتصر
والمراقبة، يا صديقي، فعل جبان لمن يعيش في بيئة تصنّف الحب على أساس اللون، والانبهار على أساس النشيد الوطني.
أراقب كيف يزرع الهدوء في التوقيت، وكيف يُجيد رفع الكفّ لا لطلب الرحمة، بل ليصفع الهدف.
أراقب بصمته الذي يزلزل، وبساطته التي تُسقِط أبراجاً من ورق وصراخ.
هنا، حيثُ تُقاس الرجولة بعدد الصيحات في المظاهرات، لا بعدد الأهداف المُحققة، يصبح من العيب أن تقول إن هناك من خطف إعجابك… لأنك ستُتهم بالردّة، وربما بالعمالة، وربما تُلقى في سلة “المشبوهين” بجانب الكتب التي تُمنع قراءتها حتى لا ينفجر العقل فجأة.
لكن، أقولها بيني وبين نفسي:
من كان عدوّه كهذا، عليه أن يُراجع صداقاته، “أي والله”
لأنه إذا كان عدوك يبتكر، ويُفكر، ويصيب، ويحمي نفسه بقبضة من فهم، فماذا تفعل أنت؟
ترتجل؟ تُكفّر؟ تهتف؟ تُصوّر فيديوهات على فيسبوك تتوعد؟
ثم تستيقظ على نفس النشيد، ونفس النكسة، والخيبة، ونفس قائمة الشهداء المعلقة في الحارة منذ كنتَ في المرحلة الابتدائية.
آه لو تعلم كم من “أعدائنا” يتمنون لو كانوا أصدقاؤه.
وكم من “أصدقائنا” باعونا مقابل ابتسامة من أحد موظفيه في جلسة جانبية.
ثم يقولون لك: “كن مع الأمة”.
وأي أمة تلك التي لا تتقن سوى كتابة البيانات؟
أي أمةٍ تلك التي إذا اغتيل قائدها، استغرق اختيار البديل أربعين يوماً، ومشاورات في فندق من فئة خمس نكبات؟
دعني أقل لك شيئاً لم أُصرّح به من قبل، حين سمعت بالضربة، ارتجفت. لا خوفاً، بل بهجةً، وكأنني رأيت نيزكاً يسقط على سطح الكذب، فيحرقه بلا ضجيج.
لا أحب الحروب، لكنني أحب الذين يُجيدون خوضها، والذين يعرفون متى لا يخوضونها أيضاً.
لقد ضرب ثم انسحب، ولم يحتفل، ولم يُصدر بياناً، ولم يغرّد في تويتر، ولم ينكز أحدا على الفيس بوك.
وحدهم المهزومون من يحتاجون إلى سرد انتصاراتهم، بالتفصيل المملّ، ويطلبون اللايكات من العرب.
أما هو، فيعرف أن من يكتب التاريخ لا يحتاج إلى قراءة نشرة الأخبار.