اخبار وتقارير

الإثنين - 13 أكتوبر 2025 - الساعة 11:19 م بتوقيت عدن ،،،

4 مايو/ د. أمين العلياني



في فَجْرٍ يَتَلألأُ في الأُفُق، حَيْثُ تَتَنَفَّسُ الأرضُ ذِكْرَى مَجِيدَةً، وتَتَّقِدُ الذَّاكِرَةُ بِنَارٍ لَمْ تَنْطَفِئْ مُنْذُ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ عَامًا، انْطَلَقْتُ مَعَ رَكْبِ الحُلمِ بِالحُرِّيَّةِ نَحْوَ الضَّالِع، فِي صُبْحِ باكرًا انطلقت من مديرية تَبْن لحج بَلْقِيسَ الحَجَرِ وَالتُّرَابِ، عِنْدَ الخَامِسَةِ وَنِصْفٍ صَبَاحًا، لَمْ تَكُنِ انْطِلاقَةَ مَرْكَبَاتٍ، بَلْ كَانَتْ انْطِلاقَةَ رُوحٍ جَمَاعِيَّةٍ تُعَانِقُ التَّارِيخَ فِي مَحَطَّتِهِ الأثِيرَة.

مِنْ لَحْج.. حَيْثُ تَبْدَأُ الحِكَايَة

كَانَ الطَّرِيقُ مِنْ تَبْنَ إلَى الحوطةِ، ثُمَّ إلَى رَدْفَانَ، فَحَالِمِينْ - تِلْكَ الأسْمَاءُ الَّتِي تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا عَبَقَ المُقَاوَمَةِ وَكَرَامَةَ الرَّفْضِ - مَدْرَسَةً مُتَنَقِّلَةً فِي جُغْرَافِيَا العِزِّ، كُلُّ مُنْعَطَفٍ يَرْوِي حِكَايَةً، وَكُلُّ تَلَّةٍ تُهَامِسُ بِأُسْطُورَةٍ، لَمْ تَكُنِ الحُشُودُ أَرْقَامًا فَحَسْبُ، بَلْ كَانَتْ بَحْرًا مُتَلَاطِمًا مِنَ الإرَادَاتِ الحَدِيدِيَّةِ، تَعلُوهَا الأَعْلَامُ كَالنُّجُومِ تَرْسُمُ مَصِيرَ شعب آمن بالحرية ودفع ثمن كبير لقيمتها واستعادة مكانتها على أرض طاهرة كأرض الجنوب، سَيَّارَاتٌ خَاصَّةٌ وَعَامَّةٌ، كَسَاهَا الغُبَارُ وَكَلَّلَهَا العَرَقُ؛ لَكِنَّهَا حَمَلَتْ فِي صُدُورِهَا قُلُوبًا أَشَدُّ صَلَابَةً مِنَ الجِبَالِ، لَقَدْ صَرَخَ الجَمِيعُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْطِقُوا بِكَلِمَةٍ: إِنَّ الحُرِّيَّةَ لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ، وَلَكِنَّ ثَمَنَهَا الحُضُورُ حَيْثُ تُرْوَى الأَرْضُ بِدِمَاءِ الشُّهَدَاءِ.

زَبِيد.. مَسْقِطُ رَأْسِ الرَّئِيسِ وَمَعْقِلُ الكِبْرِيَاء

وَعِنْدَمَا دَخَلْنَا زَبِيدَ، مَسْقِطَ رَأْسِ الرَّئِيسِ عَيْدَرُوسَ الزُّبَيْدِيِّ، امْتَزَجَتْ مَشَاعِرُ الفَخْرِ بِالتَّارِيخِ العَرِيق؛ حيث رَأَيْتُ الجُنُودَ صُفُوفًا مُنْتَظِمَةً، كَالسُّورِ المَنِيعِ، يَرْفَعُونَ تَحِيَّاتِ الوَفَاءِ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ فَحَسْبُ، بَلْ بِنَظَرَاتِهِمْ الثَّابِتَةِ الَّتِي تَقُولُ: "هُنَا نَحْمِي الحُلْمَ"، وَرَأَيْتُ المُوَاطِنِينَ، رِجَالًا وشبابًا، يُقَدِّمُونَ قَنِّيْنَاتِ المَاءِ البَارِدِ لِلْوُفُودِ، كَأَنَّهُمْ يَرْوُونَ عَطَشَ الأَجْسَادِ رَمْزِيًَّا لِعَطَشِ الرُّوحِ لِلْحُرِّيَّةِ، وكأنَّ المَاءَ عُرْبُونَ مَحَبَّةٍ، وَالتَّحِيَّةَ عَهْدٌ عمد بِالدَّمِ.

الضَّالِع.. حَيْثُ يَتَجَسَّدُ الوَعْدُ

وَعَلَى أَبْوَابِ الضَّالِعِ، اسْتَقْبَلَتْنَا لَوْحَةُ الوَفَاءِ لِأُسْرَةِ الشَّهِيدِ يَحْيَى الشُّوبَجِيِّ، تَذْكِيرًا بِأَنَّ المَسِيرَةَ لَمْ تَبْدَأِ الْيَوْمَ، بَلْ هِيَ امْتِدَادٌ لِسِلْسِلَةٍ مِنَ التَّضْحِيَاتِ لَمْ تَنْقَطِعْ، وَالأَطْفَال.. نَعَمِ الأَطْفَالُ! كَانُوا يَحْمِلُونَ الأَعْلَامَ كَأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ مُسْتَقْبَلَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ الصَّغِيرَةِ، بل رَايَاتٌ تُرَفْرِفُ، وَقُلُوبٌ تُرَفْرِفُ بِسَعَادَةٍ تَفُوقُ الوَصْفَ، كَأَنَّمَا تَقُولُ لِلقادمين والمشاركين: هَا نَحْنُ أَبْنَاءُ هَذَا التُّرَاثِ، وَرَثَةُ هَذَا المَجْدِ.

مَيْدَانُ الاحْتِفَالِ الأُكْتُوبَرِيّ.. حَيْثُ يَلْتَقِي المَاضِي بِالمُسْتَقْبَلِ

وَعِنْدَ مَكَانِ الاحْتِفَالِ، لَمْ يَكُنِ المُرُورُ مُمْكِنًا مِنْ كَثَافَةِ الحُشُودِ، كَانَ البَحْرُ البَشَرِيُّ يَتَلاَطَمُ بِهَتافَاتٍ وَاحِدَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ، كَأَنَّهَا أُنْشُودَةُ القَدَرِ: "يَا عَيْدَرُوسْ سِيرْ بِنَا سِير.. إلَى تَحْقِيقِ المَسِير"، لَمْ تَكُنْ مَجَرَّدَ هَتافَاتٍ، بَلْ كَانَتْ تَجْدِيدًا لِلْعَهْدِ، وَتَوْكِيلاً وتفويضًا جَدِيدًا لِقِيَادَةٍ تَقُودُ إلَى بَرِّ الأَمَانِ، لَقَدْ أَرَادت الجُمْاهير أَنْ يتقُولَ: نَحْنُ مَعَكَ حَتَّى تَسْتَعِيدَ دَوْلَةَ الجَنُوبِ كَامِلَةَ السِّيَادَةِ، حَتَّى يَعُودَ المَجْدُ كَمَا كَانَ وأنت نعم القائد ونعم الرئيس الوفي العظيم.

كَلِمَاتُ الرَّئِيسِ عَيْدَرُوسَ الزُّبَيْدِيّ.. حِينَما يَتَكَلَّمُ التَّارِيخُ

ثُمَّ صَدَحَ صَوْتُ الرَّئِيسِ الزُّبَيْدِيِّ، قَوِيًّا وَاضِحًا، كَصَوْتِ الحَقِّ الَّذِي لَا يَرْتَجِفُ: "ارْفَعُوا أَعْلَامَكُمْ وَمَطَالِبَكُمْ العَادِلَةَ.. فَهَذِهِ أَرْضُكُمْ، وَهِيَ عِزُّكُمْ وَمَجْدُكُمْ وَخُلُودُ شُهَدَائِكُمْ وَأَنِينُ جَرْحَاكُمْ"، ولقد كَانَتْ كَلِمَاتٍ كَالْمَطَرِ عَلَى أَرْضٍ ظَمْأَى، أَعْطَتِ الجُمُوعَ جُرْعَةَ ثِقَةٍ، وَجَدَّدَتِ التَّفْوِيضَ، وذَكَّرَتهمْ بِأَنَّ القَضِيَّةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ سِيَاسَةٍ، بَلْ هِيَ هَوِيَّةٌ وَشَرَفٌ وَأَمَانَةٌ فِي الأَعْنَاقِ ولا يحملها الإ الأوفياء الصامدين على درب الشهداء وإصرار وعزيمة هذا الشعب الصامد.

الخَاتِمَة.. مِنَ الضَّالِعِ إلَى حَضْرَمَوْتَ وَإِلَى كُلِّ الجَنُوبِ

هَا هِيَ الضَّالِعُ، قَدْ أَصْبَحَتْ مِنْبَرًا لِلْحُرِّيَّةِ، تُذَكِّرُنَا بِأَنَّ ثَوْرَةَ أُكْتُوبَرَ لَمْ تَكُنْ حَدَثًا عَابِرًا، بَلْ هِيَ رُوحٌ مُسْتَمِرَّةٌ، وَنَارٌ لَا تَنْطَفِئُ، هَا هُمْ أَبْنَاءُ الجَنُوبِ، يُثَبِّتُونَ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ ثُوَّارٍ، وَأَنَّ دِمَاءَ الشُّهَدَاءِ لَمْ تُسْفَكْ سُدًى، وَأن الرَّئِيسُ الزُّبَيْدِيُّ، بِمَوْقِفِهِ وَكَلِمَاتِهِ، يُؤَكِّدُ أَنَّهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ قَائِدٍ سِيَاسِيٍّ، بَلْ هُوَ حَامِلُ لِوَاءٍ وَوَارِثُ عَهْدٍ فُوْضَ مِنْ شَعْبٍ، وَقَالَ كَلِمَةَ الوَفَاءِ لِهَذَا العَهْدِ.

فِي الذِّكْرَى الثَّانِيَةِ وَالسِّتِّينَ لِأُكْتُوبَرَ، نَقُولُ: إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَكُونُ طَوِيلًا، وَلَكِنِ النِّهَايَةَ مَحْتُومَةٌ، لِأَنَّ أَيَّ شَعْبٍ يَرْفُضُ أَنْ يَمُوتَ، لَا بُدَّ أَنْ يَحْيَا، وَسَيَظَلُّ الجَنُوبُ، مِنَ الضَّالِعِ إلَى المَهْرَةِ إلَى بَابِ المَنْدَبِ، شَاهِدًا عَلَى أَنَّ إرَادَةَ الشُّعُوبِ أَقْوَى مِنْ كُلِّ الطُّغَاةِ، وَأَنَّ دَمَ الشُّهَدَاءِ هُوَ وَقُودُ الحُرِّيَّةِ، وَشَمْسُهَا الَّتِي لَا تَغِيبُ.