4 مايو/ تقرير/ محمد الزبيري
على أرض الجنوب التي ارتوت بدماء الشهداء، تُكتب اليوم فصول ملحمة فريدة من نوعها، بطلها شعبٌ أبيّ وقيادةٌ صلبة ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي تحت قيادة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي.
لم يعد الصمود هنا مجرد رد فعل تكتيكي على أزمة عابرة، بل تحول إلى هوية وطنية راسخة، ودرع حقيقي يحمي قضية شعب من محاولات الطمس والتهميش الممنهجة.
منذ بزوغ فجره في الرابع من مايو 2017، لم يكن المجلس الانتقالي مجرد كيان سياسي، بل تجسيدًا حيًا لإرادة شعب تاق للحرية والسيادة، وخاض مسيرة نضالية استثنائية على كافة الجبهات السياسية والعسكرية والدبلوماسية، محققًا إنجازات نوعية أعادت للجنوب حضوره الوازن على الخارطة الإقليمية والدولية.
هذا الثبات ليس وليد الصدفة، فهو يستمد قوته من إرث طويل من التضحيات التي قدمها شهداء الجنوب الأبرار وجرحاه الأبطال، ويترجم اليوم إلى وعي شعبي عميق وإيمان مطلق بعدالة القضية. فكلما اشتدت المؤامرات وتعددت أشكالها، ازداد الجنوب صلابةً وتلاحمًا، لأن وراءه قيادة تعرف معنى قيمة الوطن وتضحيات أبنائه. يثبت المجلس الانتقالي يومًا بعد يوم أن الجنوب عصيٌ على الكسر، وأن كل محاولات الأعداء، سواء كانت عسكرية أو سياسية أو إعلامية، لإعادة احتلال أراضيه الطاهرة أو فرض الوصاية عليه، ستتحطم حتمًا على صخرة صموده الفولاذي.
يستعرض هذا التقرير الموسع الأبعاد العميقة لهذا الصمود الأسطوري، ويغوص في تفاصيل الإنجازات التي تحققت بفضله، كما يحلل أهمية وحدة الصف الجنوبي كركيزة أساسية في مواجهة التحديات، ويوجه دعوة لكل أبناء الجنوب في الداخل والخارج للتكاتف الفاعل خلف قيادتهم لاستكمال مسيرة استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة، دولة المؤسسات والعدالة والكرامة.
*عهد راسخ
يمثل صمود المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي عهدًا وطنيًا متجذرًا في تضحيات شعب الجنوب وتطلعاته، وهو أبعد ما يكون عن كونه مجرد تكتيك سياسي مؤقت. هذا الثبات الاستراتيجي هو الذي مكّن الجنوب من الحفاظ على قضيته حية في وجه محاولات التهميش الممنهجة التي استمرت لعقود.
في كل منعطف سياسي أو عسكري، أثبت المجلس أن التمسك بالمبادئ الوطنية قوة تتفوق على كافة الضغوط والتحديات، مهما كان مصدرها أو حجمها.
ما كان لهذا الصمود أن يتحقق لولا الثقة الشعبية العارمة التي يحظى بها المجلس وقيادته، والتي تمثل الدافع الحقيقي والوقود الذي لا ينضب للاستمرار في تحقيق الانتصارات على كافة الأصعدة. العلاقة بين القيادة والشعب في الجنوب ليست علاقة تبعية أو وصاية، بل هي علاقة شراكة وتكامل، وهو ما يفسر هذا التلاحم الفريد الذي أدهش العالم وأربك حسابات الخصوم.
لقد أثبتت الأحداث المتعاقبة أن المجلس الانتقالي هو حجر الزاوية في حماية هوية الجنوب ومكتسباته التي تحققت بالدم والتضحيات.
كل خطوة يخطوها المجلس في طريق النضال هي انتصار جديد لإرادة شعب الجنوب، وتأكيد على أن زمن فرض الأمر الواقع قد ولى إلى غير رجعة. يترجم هذا الصمود على الأرض وفاءً لتاريخ الجنوب النضالي وتضحياته الممتدة لأكثر من 35 عامًا، ويؤكد أن المجلس يقود معركة الإرادة والهوية بثبات لا يلين، مدركًا أن التفريط في أي من ثوابت القضية هو خيانة لدماء الشهداء وآمال الأجيال القادمة. هذا الصمود ليس مجرد شعار، بل هو ممارسة يومية تتجلى في رفض كل أشكال الابتزاز السياسي، والتمسك بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره، وبناء دولته المستقلة.
*إنجازات تتحدث عن نفسها
منذ اللحظة التاريخية لإعلانه في عدن، انطلق المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس الزُبيدي في مسيرة بناء مؤسسي وعسكري وسياسي متوازية، محققًا سلسلة من الإنجازات النوعية التي غيرت وجه الجنوب وأعادت رسم ملامح مستقبله.
على الصعيد العسكري والأمني كانت المهمة الأكثر إلحاحًا هي بناء قوة جنوبية صلبة قادرة على حماية الأرض والإنسان. نجح المجلس في وقت قياسي في هيكلة وتنظيم وتوحيد مختلف تشكيلات المقاومة الجنوبية لتنبثق منها قوات مسلحة جنوبية حديثة ومنضبطة، يتجاوز قوامها اليوم 90 ألف مقاتل. هذه القوات لم تثبت جدارتها في تحرير ما تبقى من أراضي الجنوب من سيطرة المليشيات الحوثية فحسب، بل خاضت معركة شرسة ومستمرة ضد التنظيمات الإرهابية (القاعدة وداعش)، ونجحت في تطهير محافظات أبين وشبوة ولحج من براثنها، مما أدى إلى انخفاض لافت في العمليات الإرهابية بنسبة تتجاوز 70% مقارنة بعام 2015.
هذه القوات، بعقيدتها الوطنية الواضحة التي ترتكز على حماية أرض الجنوب وتأمين استقراره، أصبحت صمام الأمان للمنطقة بأسرها، وعامل استقرار رئيسي في تأمين الملاحة الدولية في خليج عدن ومضيق باب المندب الاستراتيجي.
سياسيًا ودبلوماسيًا كانت المهمة لا تقل صعوبة. عمل المجلس على نقل القضية الجنوبية من مربع التغييب والتجاهل الذي فرض عليها لسنوات، إلى صدارة المشهد السياسي الإقليمي والدولي. عبر جهود دبلوماسية حثيثة، تم افتتاح ممثليات ومكاتب خارجية للمجلس في أكثر من 15 دولة مؤثرة حول العالم، لتصبح هذه المكاتب منصات لشرح عدالة القضية الجنوبية وكسب الدعم والتأييد لها. شكل التوقيع على اتفاق الرياض، رغم كل التحديات التي واجهت تنفيذه، اعترافًا إقليميًا ودوليًا لا يمكن إنكاره بالمجلس الانتقالي كممثل شرعي لشعب الجنوب وشريك أساسي في أي عملية سياسية قادمة.
داخليًا وعلى صعيد بناء الدولة أطلق المجلس مشروع الحوار الوطني الجنوبي، في خطوة تاريخية تهدف إلى توحيد كافة القوى والمكونات والشخصيات الجنوبية تحت مظلة وطنية واحدة. هذا الحوار، الذي جاب مختلف محافظات الجنوب والتقى بالجاليات في الخارج، توج بالتوقيع على "الميثاق الوطني الجنوبي"، الذي يعتبر وثيقة تاريخية ترسم ملامح الدولة الجنوبية المنشودة وتؤسس لشراكة وطنية حقيقية. بالتوازي مع ذلك، عمل المجلس على إعادة تفعيل مؤسسات الدولة في العاصمة عدن والمحافظات المحررة، ودعم السلطات المحلية، وبذل جهودًا جبارة في قطاع الخدمات رغم شح الإمكانيات والحرب الاقتصادية الممنهجة.
*وحدة الصف الجنوبي
تُعد وحدة الصف الجنوبي والتفاف الشعب خلف قيادته السياسية والعسكرية ممثلة بالرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، السلاح الأقوى والأكثر فتكًا في مواجهة كافة التحديات والمؤامرات التي تُحاك ضد الجنوب.
تكمن قوة الجنوب الحقيقية في صلابة جبهته الداخلية، ويتحقق انتصاره الحاسم بتمسكه بمشروعه الوطني المتمثل في استعادة دولة الجنوب كاملة السيادة. تدرك قيادة المجلس الانتقالي جيدًا أن أعداء الجنوب، على اختلاف مشاربهم، يراهنون بشكل أساسي على بث الفرقة وشق الصف بين القيادات الجنوبية من جهة، وبين القيادة والشعب من جهة أخرى، لأنهم يعلمون أن الجنوب الموحد لا يمكن هزيمته.
لهذا السبب، تعمل قيادة المجلس باستمرار على تعزيز الحوار والتوافق بين كافة المكونات الجنوبية، وتؤكد دائمًا على أن الاختلاف في وجهات النظر ظاهرة صحية، طالما بقيت تحت سقف الهدف الوطني الأسمى.
التفاف الشعب حول قيادته هو الذي يحبط كافة حملات التشويه التي يشنها إعلام العدو، ويجعل من الجبهة الداخلية حصنًا منيعًا ضد محاولات الاختراق والتضليل. هذه الوحدة ليست مجرد شعار يُرفع في المناسبات، بل هي ممارسة يومية تتجلى في التلاحم الشعبي مع القوات المسلحة والأمن في ميادين الشرف، وفي الدعم الشعبي المطلق للقرارات السيادية التي تتخذها القيادة لحماية مصالح الجنوب العليا. كل مؤامرة تستهدف الجنوب تتحطم أمام وعي أبنائه المخلصين الذين أدركوا أن مصيرهم مشترك وأن قوتهم في تكاتفهم.
*وعي شعبي يحصن الجبهة الداخلية
يواجه المجلس الانتقالي الجنوبي حربًا إعلامية شرسة وممنهجة، لا تقل ضراوة عن الحرب العسكرية، تشنها آلة إعلامية ضخمة تابعة للأعداء، سواء المليشيات الحوثية أو قوى الإخوان المسلمين، بهدف تشويه قياداته السياسية والعسكرية، وزعزعة ثقة الشعب بمشروعه الوطني.
تقوم هذه الحملات على استراتيجية واضحة: بث الشائعات والأكاذيب، تزييف الحقائق، محاولة خلق انقسامات داخلية، والتركيز على الأزمات الخدمية والاقتصادية لتحميل المجلس مسؤوليتها وتأليب الشارع ضده.
إلا أن المجلس، بوعي قيادته ويقظة شعبه، تمكن من بناء استراتيجية مضادة فعالة للتصدي لهذه الحملات وإفشال أهدافها. أدرك المجلس منذ وقت مبكر أن تحصين الجبهة الداخلية هو خط الدفاع الأول، وعمل على بناء جدار من الوعي الشعبي من خلال الشفافية وكشف الحقائق والتواصل المباشر مع الجماهير عبر مختلف المنصات. كما تبنى المجلس نهجًا قانونيًا وحضاريًا في التعامل مع الإساءات والتحريض، من خلال اللجوء إلى القضاء لمقاضاة مروجي الشائعات، مما يعكس نضجًا سياسيًا والتزامًا بسيادة القانون.
هذا السلوك يؤكد أن المجلس الانتقالي يبني دولة مؤسسات وقانون، وليس دولة ردود أفعال عاطفية، وهو ما أكسبه احترام الداخل والخارج. الوعي الشعبي الذي وصل إليه أبناء الجنوب اليوم جعلهم قادرين على تمييز الحقيقة من الزيف، وفلترة الشائعات، والوقوف سدًا منيعًا خلف قيادتهم.
*القوات المسلحة الجنوبية
تمثل القوات المسلحة والأمن الجنوبية، التي تأسست وتطورت تحت إشراف مباشر من الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، الدرع الحامي للجنوب وسيفه البتار في وجه كل التهديدات.
هذه القوات، التي نشأت من رحم المقاومة الوطنية، سطرت ملاحم بطولية خالدة في مواجهة المليشيات الحوثية والتنظيمات الإرهابية، وأثبتت للعالم أنها قوة لا تقهر، تدافع عن أرضها بعقيدة وطنية صلبة. لم تقتصر إنجازاتها على الجانب العسكري فحسب، بل امتدت لتشمل تثبيت الأمن والاستقرار في المحافظات المحررة، ومكافحة الجريمة المنظمة، وتأمين المنشآت الحيوية.
تعكس الانتصارات الميدانية التي تحققها قواتنا المسلحة، رغم الحصار الاقتصادي وقلة الإمكانيات مقارنة بما يملكه الأعداء، حجم الإيمان العميق الذي يحمله كل جندي وضابط بعدالة قضيته، وولائه المطلق للوطن وقيادته.
يولي المجلس الانتقالي اهتمامًا استثنائيًا بتطوير هذه القوات وتحديثها وتدريبها وفق أحدث المعايير العسكرية، إدراكًا منه بأن القوة العسكرية المنظمة هي الضمانة الحقيقية لحماية مكتسبات الجنوب واستكمال مسيرة التحرير وصمود هذه القوات الأسطوري هو الذي أفشل كل مخططات الأعداء لإعادة اجتياح الجنوب، وجعلهم يصطدمون في كل مرة بواقع جديد عنوانه "الجنوب مقبرة الغزاة".
*قيادة حكيمة
يقف خلف هذا الصمود وهذا النجاح المتراكم قيادة حكيمة ومحنكة، ممثلة بالرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، الذي استطاع بحنكته السياسية وصلابته الميدانية أن يقود سفينة الجنوب بأمان في خضم الأمواج العاتية والمؤامرات الدولية والإقليمية المعقدة. جسد الرئيس الزُبيدي نموذج القائد الذي يجمع بين الواقعية السياسية والمرونة التكتيكية من جهة، والتمسك المطلق بالثوابت الوطنية من جهة أخرى، مما عزز مكانة المجلس الانتقالي كممثل شرعي لا يمكن تجاوزه في أي معادلة سياسية تتعلق بالمنطقة.
ثقة شعب الجنوب المطلقة بقيادته ليست من فراغ، بل هي نتاج سنوات من العمل الدؤوب والصدق في المواقف والتضحية في الميدان، وهذه الثقة هي سر الانتصارات المتوالية، وهي التي تمنح القيادة القوة للاستمرار في النضال مهما كانت التحديات.
أثبت الرئيس الزُبيدي أنه رجل دولة من الطراز الرفيع، قادر على إدارة أعقد الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية بكفاءة واقتدار.
فمن قيادة المقاومة في الميدان، إلى بناء المؤسسات، إلى خوض المعارك الدبلوماسية الشرسة في عواصم القرار، أظهر قدرة فائقة على تحويل التحديات إلى فرص، وتحويل الضغوط إلى نقاط قوة. وجود مثل هذه القيادة على رأس المشروع الوطني الجنوبي هو الضمانة الأكيدة لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في استعادة دولة الجنوب كاملة السيادة.
*استعادة الدولة هدف لا حياد عنه
لا يمثل الصمود الذي يسجله المجلس الانتقالي الجنوبي مجرد موقف عابر، بل هو تعبير عن مشروع وطني ثابت لا يقبل المساومة أو التجزئة، هدفه الأسمى والنهائي هو استعادة دولة الجنوب كاملة السيادة على كامل أراضيها بحدودها المعترف بها دوليًا ما قبل 21 مايو 1990.
هذا المشروع ليس وليد اللحظة، بل هو تتويج لنضالات طويلة وتضحيات جسام قدمها شعب الجنوب على مدى عقود، رفضًا لنتائج حرب صيف 1994 الظالمة، وتمسكًا بحقه في الحياة الكريمة على أرضه.
وقد أكد الرئيس الزُبيدي في كل المحافل والمناسبات أن شكل الدولة القادمة وطبيعة علاقتها بجيرانها سيحدده شعب الجنوب وحده عبر استفتاء شعبي حر ونزيه بإشراف دولي، وأن أي حلول أو تسويات لا تعترف بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم ستكون مجرد حلول هشة ومؤقتة، وستبقى سببًا لعدم الاستقرار في المنطقة.
إن الاعتراف بقضية شعب الجنوب كجوهر للأزمة اليمنية، وليس كجزء منها، هو الطريق الوحيد لبناء سلام دائم ومستقبل آمن ومستقر في المنطقة. ويواصل المجلس الانتقالي العمل على كافة الأصعدة لتهيئة الظروف السياسية والميدانية المناسبة لتحقيق هذا الهدف، مدركًا أن إرادة الشعوب الحرة لا يمكن أن تقهر أبدًا.
*دعوة شعبية
تتطلب المرحلة الحالية، بكل ما تحمله من دقة وحساسية، من كافة أبناء الجنوب في الداخل والخارج، وخصوصًا النخب السياسية والإعلامية والأكاديمية ورجال الأعمال، التفاعل بقوة وفاعلية لدعم المشروع الوطني الجنوبي الذي يقوده المجلس الانتقالي.
يجب أن نكون جميعًا صوتًا واحدًا مدويًا يرفع راية الجنوب عاليًا، ويدافع عن قضيته العادلة في كل المحافل، ويشرح للعالم حقيقة ما جرى ويجري على أرض الجنوب.
تكمن قوتنا في وحدتنا، وانتصارنا النهائي مرهون بمدى تكاتفنا والتفافنا حول قيادتنا.
فلنعمل جميعًا، كل من موقعه، على تعزيز الثقة بالمجلس الانتقالي وقيادته، والتصدي الواعي لكل حملات التشويه والأكاذيب، وإبراز الإنجازات والانتصارات التي تحققت بفضل دماء الشهداء وتضحيات الأبطال. المسيرة الوطنية مستمرة، ولن تتوقف حتى تحقيق كامل أهداف شهدائنا وجرحانا في استعادة دولة جنوبية حرة، مستقلة، فيدرالية، ديمقراطية، دولة العدل والمساواة والمواطنة المتساوية والقانون. الجنوب أكبر من كل المؤامرات، وسينتصر حتمًا بصمود رجاله، وثبات قيادته، وإرادة شعبه التي لا تعرف الانكسار أو الهزيمة أو الاستسلام.