4 مايو/ د . فائزة عبدالرقيب
في وقت يسعى فيه المبعوث الاممي هانس غروندبرغ لإنعاش مسار السلام المتعثر في اليمن، نشر قسم التحقيقات في وكالة رويترز بتاريخ 15 أكتوبر 2025 تقريرا استقصائيا بعنون:
"كيف يحكم الحوثيون اليمن: نظام السجون، عبادة الشخصية، ونهب المساعدات الغذائية".
التقرير قدّم صورة صادمة لـ“نظام مغلق” تديره جماعة الحوثي بقوة السلاح والبطش والعقيدة، حيث تُختزل الدولة في “سلطة السيد” التي تحكم بالاوامر فقط ويغيب عنها النظام المؤسسي، وينصهر فيها المقدّس في السياسي. فالسجون – كما كشفت رويترز – لم تعد أماكن احتجاز بل ادوات لكسر الخصوم وتطويعهم، من خلال مراكز سرّية تُمارس فيها صنوف التعذيب الجسدي والنفسي خارج اي اشراف قضائي او انساني.
الى جانب ذلك، يوظّف الحوثيون التعليم والاعلام والخطاب الديني لترسيخ فكرة “القائد المقدس” وفرض الولاء المطلق لعبدالملك الحوثي، في مشهد يكرّس هيمنة فكرية تعيد تشكيل الوعي الجمعي على اسس عقائدية مغلقة.
ويضيف التقرير ان شبكة فساد داخل الجماعة تتربح من بيع المساعدات الاغاثية في الاسواق المحلية، فيما تُوجَّه عائداتها الى تمويل المجهود الحربي. وهذه الصورة تتقاطع مع تقارير اممية وثّقت الاف المعتقلين والمخفيين قسرا، وانتهاكات ممنهجة ضد الصحفيين والناشطين، الى جانب تقييد العمل الانساني وحرية التنقل في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، تحت شعارات “الحق الالهي” و“المقاومة”.
غير أن ما كشفه التحقيق يتجاوز حدود الانتهاك الانساني ليغوص في عمق الصراع، باعتباره معركة على الوعي قبل أن يكون على السلطة. فالحوثية – كما تقول رويترز – لا تكتفي بالسيطرة على الجسد، بل تسعى لاحتلال العقول، وصناعة جيل يرى في العبودية خلاصا وفي الطاعة فضيلة.
ويرى محللون أن مضمون التقرير يوجّه ضربة موجعة لجهود الامم المتحدة، إذ يكشف واقعا يناقض فكرة “السلام المستدام”. فبينما تواصل الأمم المتحدة محاولاتها لاعادة الاطراف الى طاولة الحوار، تمضي الجماعة في تعزيز قبضتها الامنية واغلاق المجال العام واعادة هندسة المجتمع حول فكرة “الاصطفاء الالهي”.
وبحسب مراقبين، فإن تحقيق رويترز يشكّل وثيقة دولية مهمة تضع المجتمع الدولي امام سؤال جوهري: هل يمكن بناء سلام حقيقي في ظل مشروع فكري يشرعن الاستبداد باسم القداسة؟ فالمشكلة لا تكمن فقط في غياب الثقة السياسية، بل في جوهر المشروع ذاته الذي يجعل اي تسوية سياسية هشة ومؤقتة ما لم تُعالَج جذور الأزمة.
إن تقرير رويترز ليس مجرد تحقيق صحفي، بل انذار سياسي يكشف أن السلام في اليمن لن يتحقق بالبيانات ولا بالمجاملات الدبلوماسية، ولا بالعمل على اغلاق الملف على عواهنه، بل بتفكيك مشروع الحرب من اساسه. إذ لا يمكن الحديث عن سلام بينما تُحكم البلاد بعقلية ميليشيا مغلقة تُهندس العقيدة وتُقدّس القائد.
ولعلّ الرسالة الاهم التي يبعثها هذا التحقيق للعالم هي أن السلام لا يُنتزع من بين أنياب من جعلوا الحرب عقيدةً والمعاناة سلطةً فهي قد اصبحت قضية وجودية بالنسبة لهم وليست قضية مطالب حقوقية وشراكة، بل انها تذهب نحو ابعد واعمق من ذلك نحو حاكمية وسلطة المقدس الاوحد.
فهل يستطيع المجلس الرئاسي والحكومة العمل باستيعابهم هذا الامر وتوحيد صفوفهم وجعله الهدف الاول والسعي في جعل المجتمع الدولي يقتنع بما ورد في تقرير رويترز ويتخذ ما هو مناسب قبل فوات الاوان ام سيظل الصراع البيني يعبث بالمشهد السياسي ممهدا لسقوط الدولة بيد الحوثيين؟