4 مايو / تقرير محمد الزبيري
في المشهد اليمني الذي تتلاطم فيه الأمواج السياسية والعسكرية، وتتشابك فيه المصالح المحلية بالإقليمية والدولية، لم يعد غريبًا أن تلجأ القوى المعادية لمشروع استعادة دولة الجنوب إلى شنّ حملات إعلامية مضللة، تقوم على اختلاق الأكاذيب وتزييف الحقائق، بهدف النيل من العاصمة عدن، وتشويه صورة المجلس الانتقالي الجنوبي وقيادته.
ففي الأيام الماضية، خرجت جماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) وميليشيا الحوثي الإرهابية بحملة جديدة ومكررة، ادعت خلالها وجود وفد إسرائيلي في مدينة عدن، محاولة تضليل الرأي العام، وخلق ذريعة لتحريض الجماهير، أو التمهيد لجرائم إرهابية تستهدف المدينة وأمنها واستقرارها.
هذه المزاعم، التي تفتقر إلى أي دليل أو منطق، تعكس حالة العجز التي يعيشها الطرفان، وتكشف حجم الارتباك الذي أصابهم بعد القرارات التاريخية للرئيس القائد عيدروس الزبيدي، الذي شرع في تمكين الكفاءات الجنوبية في مؤسسات الدولة وإعادة الاعتبار للإدارة الرشيدة.
إن استهداف عدن بهذه الطريقة لم يعد مجرد دعاية عابرة، بل أضحى نهجًا منظّمًا يهدف إلى ضرب حالة الاستقرار التي ينشدها الجنوب، وإعادة إنتاج الفوضى، خدمة لأجندات إقليمية ودولية مشبوهة.
سقوط إعلامي مدوٍ
لقد سقط إعلام الحوثي والإخوان سقوطًا مدويًا، سقوطًا أخلاقيًا ومهنيًا لم يعد بالإمكان ترميم صورته أو تلميع واجهته. فالإعلام، الذي يُفترض أن يكون صوتًا للحقيقة، ومنارة للمعرفة، وخط دفاع عن القيم المهنية والأخلاقية، تحوّل في أيديهم إلى أداة رخيصة لتسويق الأكاذيب، وإلى منبر لبث الشائعات المفبركة التي لا يصدقها حتى أولئك الذين يقفون وراء صناعتها وترويجها. هذا السقوط لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمية لسنوات من التضليل الممنهج الذي حوّل هذه المنصات إلى مجرد أبواق دعائية فاقدة للمصداقية.
أبرز ما يوضح هذا السقوط، هو أن المزاعم عن وجود وفد إسرائيلي في عدن لم تُبنَ على أي صور أو وثائق أو شهادات، بل جرى تداولها عبر منشورات مجهولة المصدر، وحسابات وهمية على شبكات التواصل الاجتماعي، قبل أن تتحول إلى مادة أساسية في قنواتهم وصحفهم.
هذا السلوك يبرهن أن الإعلام المعادي للجنوب فقد الحد الأدنى من المهنية، وبات يخضع لسلطة جماعتين تمارسان الإرهاب على الأرض والبلطجة الإعلامية في الفضاء الافتراضي.
لقد أثبتت الوقائع أن هذا الإعلام لا يعرف شيئًا عن أخلاقيات الصحافة، وأن غايته ليست التنوير أو كشف الحقائق، بل التضليل والتشويش. ومع كل حملة مضللة، يخسر الإعلام الحوثي والإخواني المزيد من رصيده لدى الجماهير، ويؤكد أنه مجرد بوق مأجور، يردد ما يُملى عليه من غرف مظلمة.
تخادم وعداء مشترك
لم يكن غريبًا أن يتقاطع الإعلام الحوثي مع الإعلام الإخواني في هذه الحملة المضللة، فالتخادم بينهما أصبح سمة ثابتة كلما تعلق الأمر باستهداف الجنوب وعدن والمجلس الانتقالي. لقد تجاوز الطرفان خلافاتهما الظاهرية، واجتمعا على هدف واحد: تشويه الجنوب وضرب استقراره.
المتابع لسير الأحداث يدرك أن هذا التخادم ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج تاريخ طويل من التحالفات الخفية، حيث يفضّل الحوثيون والإخوان ترك خلافاتهم جانبًا عندما يتعلق الأمر بالجنوب. وفي هذه المرة، جاء العويل المشترك نتيجة مباشرة للقرارات الجريئة التي اتخذها الرئيس القائد عيدروس الزبيدي، بتمكين الكفاءات الجنوبية في مؤسسات الدولة. هذه الخطوات أربكت حسابات القوى الشمالية، التي لطالما اعتبرت الجنوب ساحة مفتوحة للنهب والفساد، وحين رأت الجدية في مسار الإصلاح المؤسسي، أطلقت أبواقها الإعلامية في محاولة يائسة للتشويش.
إن التقاء الحوثيين والإخوان في الأكاذيب ذاتها يكشف عن هشاشة خطابهم، وعن حقيقة أن الطرفين يشتركان في منطلقات واحدة، تقوم على معاداة أي مشروع وطني جنوبي، وعلى محاولة تقويض حلم الدولة الجنوبية المستقلة.
الجنوب يتضامن مع المضطهدين
في مقابل هذا الانحطاط الإعلامي، يثبت شعب الجنوب أنه يقف في الضفة الأخرى، ضفة القيم والإنسانية والتضامن مع المظلومين.
على الرغم من حملات التشويه، لم ينسَ الجنوبيون أشقاءهم في الشمال الذين يعيشون تحت وطأة قمع ميليشيا الحوثي، محرومين حتى من حقهم البسيط في الاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر.
لقد منعت الميليشيا الإرهابية أي مظاهر للاحتفال، واعتقلت العشرات من النشطاء الذين حاولوا التعبير عن فرحتهم بالثورة، بينما كان الإعلام الإخواني صامتًا، يشيح بوجهه عن هذه الانتهاكات، وكأنها لا تعنيه. هذا الصمت المخزي يفضح ازدواجية الخطاب الإعلامي الشمالي، الذي يهوّل من مزاعم ملفقة ضد عدن، بينما يتجاهل الجرائم الحقيقية التي تُرتكب بحق اليمنيين في صنعاء وذمار وإب وصعدة.
الجنوب، الذي عانى عقودًا من الظلم والتهميش، يعرف جيدًا معنى القمع ومصادرة الحريات، ولهذا يقف اليوم متضامنًا مع المضطهدين في الشمال، ليؤكد أن القضية الجنوبية لا تتناقض مع التضامن الإنساني، بل تعززه.
قناة إسرائيلية تكشف المفارقة
من المفارقات التي تكشف زيف الحملة الإخوانية والحوثية، ما بثته قناة (i24news الإسرائيلية) خلال الأشهر الماضية من سلسلة حلقات متواصلة ناقشت الأوضاع في اليمن والخليج.
هذه القناة خصصت مساحة واسعة للحديث عن مخاطر الحوثيين على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، واستهدافهم للسفن التجارية وتهديدهم لأمن الطاقة العالمي.
المثير أن قيادات بارزة في حزب الإصلاح – الذي يهاجم الجنوب بذريعة إسرائيل – كانوا ضيوفًا دائمين على هذه القناة، وظهروا في برامجها بشكل متكرر، من أمثال محمد المحيميد وعبد الرقيب الهدياني. هؤلاء لم يكتفوا بالظهور الإعلامي، بل دعوا صراحة للتنسيق مع إسرائيل عسكريًا وسياسيًا لمواجهة الحوثيين وقطع النفوذ الإيراني.
هنا تتضح المفارقة: الإصلاح الذي يحرّض ضد عدن بذريعة إسرائيل، هو نفسه الحزب الذي انفتح على الإعلام الإسرائيلي، وتحدث رموزه بلغة التعاون والتحالف. هذه الازدواجية تفضح نفاق الخطاب الإخواني، وتؤكد أن حملتهم الأخيرة لم تكن سوى ورقة للاستهلاك الإعلامي، هدفها ضرب عدن لا أكثر.
ربط مشبوه بمقالات غربية*
لم يقتصر الأمر على الإعلام المحلي، بل حاول الحوثيون والإخوان استثمار مقالات نشرها باحثون غربيون، مثل مايكل روبن، الذي تساءل في مقال حديث عن علاقة رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي ومستشاره صالح المقالح بالحوثيين.
هذه المقالات – على أهميتها – جرى توظيفها بشكل مشبوه لربط الجنوب بالمزاعم الإسرائيلية، وكأن المطلوب هو صرف الأنظار عن التحالفات الحقيقية التي تُدار في صنعاء بين الحوثيين وبعض القوى الشمالية النافذة.
إن ربط الجنوب بمزاعم إسرائيلية عبر اجتزاء مقالات غربية يكشف العقلية الدعائية لهذه الجماعات، التي تبحث عن أي مصدر خارجي لتبرير أكاذيبها. لكن الحقيقة أن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يكن يومًا طرفًا في هذه الصفقات، وأن مشروعه واضح يقوم على استعادة الدولة الجنوبية، بعيدًا عن أي أجندات خارجية.
تحالف الكراهية ضد الجنوب
يزدادالمشهد وضوحًا عندما ننظر إلى قائمة الأسماء التي اجتمعت على العداء للجنوب. فمن التكفيري محمد الزنداني، إلى الكافر كما يصف نفسه علي البخيتي، مرورًا بالحوثي نصر الدين عامر، والإخوانية توكل كرمان، والعلماني الزرقة، والداعشي عادل الحسني، وحتى مهند الرديني، كلهم توحدوا في خندق واحد ضد الجنوب.
هذا التحالف الغريب يبرهن أن الاختلاف الأيديولوجي بين هؤلاء يتلاشى تمامًا حين يتعلق الأمر بالانتقالي الجنوبي. الإسلاميون المتشددون، والعلمانيون، والحوثيون، والمرتزقة، جميعهم تركوا خلافاتهم جانبًا، واجتمعوا على هدف واحد: محاربة الجنوب وتشويه مشروعه الوطني.
إن اجتماع هذه الأضداد يكشف أن الجنوب أصبح عقدة لهم جميعًا، لأنه يمثل مشروعًا وطنيًا حقيقيًا يهدد مصالحهم.
لهذا، فإن الحملات الإعلامية ليست سوى انعكاس لعداء أعمق، هدفه إعاقة مشروع الدولة الجنوبية المستقلة، الذي يلتف حوله الشعب ويزداد إصرارًا عليه كل يوم.
إن ما يجري اليوم من حملات إعلامية ضد عدن ليس سوى حلقة في مسلسل طويل من الأكاذيب التي دأبت عليها جماعة الحوثي والإخوان منذ سنوات.
غير أن هذه الحملات، مهما بلغت حدتها، لن تغير من الحقيقة شيئًا: الجنوب ماضٍ في طريقه نحو استعادة دولته، بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزبيدي، وبإرادة شعبية راسخة.
لقد أثبتت التجربة أن إعلام الأعداء، بسقوطه الأخلاقي والمهني، لا يفعل سوى تعزيز قناعة الجنوبيين بعدالة قضيتهم، ودفعهم للمزيد من الالتفاف حول مشروعهم الوطني. وهكذا، فإن الأكاذيب التي أُريد لها أن تضعف الجنوب، ستتحول إلى وقود جديد يعزز صموده، ويكشف للعالم زيف الخطاب الحوثي والإخواني.