كتابات وآراء


الثلاثاء - 30 ديسمبر 2025 - الساعة 10:44 م

كُتب بواسطة : بسام أحمد عبدالله - ارشيف الكاتب




في لحظة سياسية وأمنية بالغة الحساسية جاء استهداف ميناء المكلا ليكشف حجم التحديات التي يواجهها الجنوب ويضع الجميع أمام حقيقة لا يمكن إنكارها الجنوب لم يعد ساحة مفتوحة للمغامرات بل أرض لها شعب وقيادة ومؤسسات تدرك جيدا كيف تحمي مصالحها وتدافع عن سيادتها.

إن ما جرى في ميناء المكلا ليس مجرد حادث عابر بل اعتداء مباشر على الجنوب وشعبه ومقدراته الحيوية.

فالميناء منشأة مدنية تخدم ملايين المواطنين واستهدافه تحت ذرائع أمنية أو استخبارية غير مثبتة يعد تجاوزا خطيرا لكل قواعد الشراكة وتهديدا صريحا لحياة الناس وأمنهم الاقتصادي والإنساني.

الأخطر من ذلك أن هذا التصعيد جاء في سياق سياسي مضطرب تتداخل فيه الحسابات الإقليمية مع رهانات محلية ضيقة وتدار فيه الملفات السيادية بعقلية فردية لا تعبر عن إرادة الشعب ولا عن روح الشراكة.
لقد بات واضحا أن بعض الأطراف في الشرعية المؤقتة وعلى رأسهم رشاد العليمي يتصرفون خارج إطار التوافق ويصدرون قرارات انفرادية باطلة سياسيا وقانونيا تفتقر لأي سند دستوري أو وطني.

وفي هذا السياق لا يمكن تجاهل الدور السعودي الذي وإن كنا نقدر جهوده التاريخية إلا أن انقياده خلف مجموعة ضيقة فقدت مصالحها وتجاهله المتكرر لصوت الجنوب ومؤسساته يضع علامات استفهام كبيرة حول مسار الشراكة.

يبدو أن المملكة تحاول الحفاظ على خطابها التقليدي الرافض لتقسيم اليمن ليس قناعة بجدواه بل كغطاء سياسي يتيح لها التعامل مع القوى الشمالية دون أن تتهم بالتخلي عنهم بينما هي عمليا تتهيأ للقبول بالأمر الواقع.

وبمقاربة مشابهة فإن انقسام مجلس القيادة الرئاسي لم يكن مجرد نتيجة لفشل داخلي بل جاء بطريقة تخدم هذا السيناريو ذاته.
فالمجلس الذي تأسس كجسر عبور مؤقت تفكك تحت وطأة التناقضات البنيوية وأصبح غطاء هشا لقرارات فردية لا تعبر عن إجماع ولا عن شرعية.
أربعة من أصل ثمانية من أعضائه رفضوا المسار الانفرادي ما يسقط أي محاولة لتسويق تلك القرارات كإجماع وطني.

في المقابل يثبت الجنوب مجددا أنه الطرف الأكثر تماسكا وتنظيما والأكثر التزاما بمسؤولياته الوطنية والإقليمية.
فالقوات الحكومية الجنوبية بشراكتها الصادقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة تواصل خوض معركة حقيقية ضد الإرهاب نيابة عن الإقليم والعالم وتؤكد أنها القوة الوحيدة الفاعلة على الأرض القادرة على حماية الأمن والاستقرار.

إن المجلس الانتقالي الجنوبي وهو القوة السياسية والعسكرية المنظمة في الجنوب يرفض الانبطاح أو القبول بالوصاية ويتمسك بحقه الكامل في الدفاع عن أرضه وموانئه وقراره السيادي.
وهو في الوقت ذاته يمد يده لكل من يؤمن بالشراكة الحقيقية لا بالهيمنة ويؤكد أن كلفة تجاهل الجنوب ستكون أعلى بكثير من كلفة احترام إرادته.

لقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته وأن يدرك أن الصمت على هذا العبث السياسي والانفرادي هو شراكة غير مباشرة في الفوضى.
كما آن الأوان للجميع أن يعترفوا بأن قضية الجنوب ليست ملفا تفاوضيا عابرا بل قضية وجود لا تقبل الحلول المفروضة ولا تدار من غرف مغلقة أو عواصم بعيدة.

الجنوب اليوم لا يطلب شيئا سوى حقه المشروع في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة وفق إرادة شعبه وبشراكة عادلة مع الإقليم والعالم.
وهو مستعد لخوض هذا الطريق بثقة وعزيمة وإيمان بعدالة قضيته ..