الرئيس الزُبيدي: إجراءات حضرموت والمهرة لتأمين الجنوب والوجهة نحو صنعاء.. انفوجرافيك

الرئيس الزُبيدي يؤكد أهمية البيانات الإحصائية في بناء الدولة وصناعة القرار.. انفوجرافيك

الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي يطّلع على جهود تطبيع الأوضاع وتثبيت دعائم الاستقرار بالمهرة وسقطرى



كتابات وآراء


الجمعة - 19 ديسمبر 2025 - الساعة 09:08 م

كُتب بواسطة : أحمد حرمل - ارشيف الكاتب



في الشرق من عدن ، حيث تتداخل رمال الصحراء مع زرقة البحر، وحيث تتعانق حضرموت والمهرة كجناحين ممتدين على حدود المملكة وعُمان، تنبض الأرض بجدلٍ لا ينتهي بين الطموح والواقع.

هناك، لا تُقاس المعارك فقط بالمدرعات والجنود، بل تُقاس أيضاً بأحلام الدول الكبرى التي ترى في الجنوب أكثر من مجرد أرضٍ يمنية؛ إنه عقدة جغرافية، ومفتاحٌ استراتيجي، وبوابة إلى بحر العرب الذي يَعِدُ بالتحرر من قبضة مضيق هرمز.

في هذا المفترق، تتقاطع أطماع الرياض التي تبحث عن منفذٍ آمن يفتح لها أبواب التجارة والطاقة بعيداً عن المخاطر، مع أطماع أبوظبي التي ترى في الموانئ الجنوبية امتداداً لسلطتها البحرية ونفوذها الاقتصادي.

وبينهما يقف المجلس الانتقالي الجنوبي، يرفع راية "الجنوب المستقل"، فيما المواطن البسيط يراقب من بعيد، شاهداً على صراعٍ تُرسم خرائطه في العواصم، بينما تُترك حياته على الهامش.

هكذا يصبح الجنوب مسرحاً مفتوحاً لسيناريوهات متعددة، تتراوح بين تسويات هشة، ومواجهات بالوكالة، وأحلام مؤجلة، وانفجارات غير محسوبة، وكلها تدور حول سؤال واحد من يملك حق رسم المستقبل على هذه الأرض التي تنطق بالنفط والبحر؟

لم تعد حضرموت والمهرة مجرد أسماء على الخريطة، بل صارتا مسرحاً لصراع تتقاطع فيه الأحلام مع الجغرافيا.

المجلس الانتقالي الجنوبي يمد راياته على أرضٍ غنية بالنفط والغاز، وبحدود طويلة مع السعودية وعُمان، كمن يعلن أن الجنوب لم يعد فكرة بل واقعاً يتشكل بالسلاح.

رأت الرياض أن هذه الخطوة تجاوزت الخط الأحمر، فحضرموت والمهرة ليستا مجرد محافظتين، بل عمق أمني مباشر وحدود طويلة لا تحتمل المغامرة.

لكن خلف هذا الغضب تكمن رغبة أعمق فالمملكة لا تنظر إلى الجنوب فقط كجدار أمني، بل كنافذة استراتيجية نحو بحر العرب.

منفذ بحري هناك قد يفتح لها طريقاً بديلاً عن مضيق هرمز، حيث تتكدس المخاطر وتتحكم إيران بمفاتيح العبور.

هذا الطموح البحري ليس جديداً، بل ظل هاجساً يرافق الرياض منذ عقود، كحلمٍ مؤجل ينتظر لحظة مناسبة.

في المقابل، تقف الإمارات بثبات خلف المجلس الانتقالي، تمده بالمدرعات والسلاح، وتراه بوابةً لتحقيق نفوذها البحري الممتد من عدن إلى المكلا وسواحل المهرة.

اظهرت تطورات المشهد السياسي والعسكري في محافظتي حضرموت والمهرة تتقاطع الأطماع.

السعودية تريد منفذاً آمناً يربطها ببحر العرب بعيداً عن هرمز.
والإمارات تريد السيطرة على الموانئ وخطوط التجارة البحرية لتكريس دورها كقوة بحرية إقليمية.

وفي حضرموت والمهرة، تتلاقى الرغبتان وتتصادمان، كبحرين يلتقيان في نقطة واحدة لكن لا يختلطان.

الثبات والخيارات الضيقة

المجلس الانتقالي يرفض الانسحاب، ويعتبر خطواته تمهيداً لإعلان "دولة الجنوب".
السعودية ترى أن هذا الثبات يقوّض الجبهة الموحدة ضد الحوثيين، ويشعل صراعات جانبية تخدم العدو الأكبر.
لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع تجاهل أن الجنوب هو مفتاحها إلى البحر المفتوح، وأن أي تنازل هناك يعني خسارة استراتيجية لا تُعوّض.

السيناريوهات المحتملة

السيناريو الأول: إعادة تشكيل المشهد السياسي

هذا السيناريو يتمثل في الإطاحة برشاد العليمي وإعادة صياغة مجلس القيادة الرئاسي بصيغة جديدة رئيس ونائبين، أحدهما للجنوب والآخر للشمال ؛ حكومتان متوازيتان حكومة تنمية وإعمار في الجنوب، وحكومة تحرير في الشمال مع تحريك الجبهات ضد الحوثيين.

- هذا السيناريو يمنح الانتقالي اعترافاً سياسياً بمكانته، لكنه يفتح الباب أمام صدام مباشر مع الرؤية السعودية التي تتمسك بوحدة المجلس الرئاسي.

السيناريو الثاني: إصلاح سعودي جذري

المملكة تدفع باتجاه إصلاح ما هو قائم، وتوحيد مجلس القيادة الرئاسي تحت مظلة واحدة.
وإذا تعذّر التوافق، قد تلجأ الرياض إلى استبعاد جميع أعضاء المجلس وإعادة تشكيله وفق صيغة جديدة أكثر انضباطاً.

هذا السيناريو يضمن للسعودية وحدة القرار العسكري والسياسي في مواجهة الحوثيين، لكنه يثير غضب الانتقالي ويزيد من احتمالات المواجهة مع الإمارات.

السيناريو الثالث: صراع النفوذ في حضرموت

عدم حسم توزيع السيطرة بين النخبة الحضرمية وقوات الانتقالي المدعومة إماراتياً من جهة، وقوات "درع الوطن" المدعومة سعودياً من جهة أخرى.

استمرار هذا الغموض قد يحوّل حضرموت إلى ساحة تنافس مفتوح بين الرياض وأبوظبي، حيث تتقاطع الأطماع النفطية والبحرية.
وهذا السيناريو يهدد بتحويل المحافظة إلى منطقة توتر دائم، ويجعل المواطن الحضرمِي الحلقة الأضعف.

السيناريو الرابع: منفذ البحر العربي

السعودية تسعى إلى منفذ بحري في بحر العرب يجنّبها الاعتماد على مضيق هرمز.
الإمارات في المقابل تريد السيطرة على الموانئ وخطوط التجارة البحرية لتعزيز نفوذها الإقليمي.

إذا لم يتم التوصل إلى تفاهم، قد يتحول الجنوب إلى ساحة تنافس استراتيجي طويل الأمد بين الحليفين، حيث تتقاطع المصالح ولا تتطابق.

السيناريو الخامس: الانفجار غير المحسوب

استمرار رفض الانتقالي الانسحاب أو التراجع عن مشروعه السياسي قد يقود إلى تصعيد عسكري.
أي مواجهة هنا لن تكون محلية فقط، بل إقليمية، حيث تتقاطع أطماع الرياض وأبوظبي على أرض واحدة.
هذا السيناريو يحمل خطر الفوضى الشاملة، ويجعل الجنوب رهينة لمعادلات إقليمية ودولية، فيما يبقى المواطن بلا خدمات ولا استقرار.

السيناريو السادس: إعلان الدولة الجنوبية المستقبلية

ملامح السيناريو

تتخذ المملكة بعض الخطوات الاستفزازية تجاه المجلس الانتقالي، مثل الضغط الميداني أو السياسي لإجباره على الانسحاب من حضرموت والمهرة، أو محاولة إعادة تشكيل مجلس القيادة الرئاسي بشكل يتجاهل مطالب الجنوب.

أمام هذا الضغط، قد يلجأ الانتقالي إلى خيارٍ مصيري وهو إعلان استعادة دولة الجنوب بصيغتها ما قبل 22 مايو 1990، أي العودة إلى وضع "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" ولكن برؤية جديدة كـ "دولة مستقبل".

هذا الإعلان سيكون بمثابة تحدٍ مباشر للرياض، ورسالة بأن الجنوب لم يعد يقبل أن يكون مجرد ورقة تفاوضية أو هامش في معادلة إقليمية.

التداعيات المحتملة

سياسياً:

يفتح الإعلان الباب أمام اعترافات أو رفض دولي، ويضع القضية الجنوبية في واجهة المشهد كملف استقلالي لا يمكن تجاوزه.

إقليمياً:

يزيد التوتر بين السعودية والإمارات، إذ ستجد الرياض نفسها أمام مشروع انفصالي مدعوم من أبوظبي، بينما تحاول هي الحفاظ على وحدة اليمن كإطار استراتيجي لمواجهة الحوثيين.

ميدانياً:

قد يؤدي الإعلان إلى إعادة انتشار قوات الانتقالي في عدن وحضرموت والمهرة، مع تعزيز خطاب "التحرير والاستقلال"، ما يرفع احتمالات المواجهة العسكرية مع قوات "درع الوطن" المدعومة سعودياً.

• شعبياً:

يمنح هذا السيناريو زخماً عاطفياً للشارع الجنوبي الذي ظلّ يختزن في ذاكرته جراح الوحدة القسرية، ويُعيد في كل لحظة استدعاء حلم الدولة المفقودة، ذلك الشارع الذي يفيض بالغضب حين يرى ثرواته تُنهب، وأرضه تُدار من عواصم بعيدة، ومصيره يُرسم على موائد الآخرين.

إنه الشارع الذي لا يزال يرفع صوته في الساحات والميادين، يطالب بالكرامة والاعتراف، ويؤمن أن طريق الاستقلال ليس مفروشاً بالورود، بل محفوفاً بالتضحيات والآلام.

هو الشارع الذي يراقب بعيونٍ متعبة كيف تتحول قضيته من مشروع وطني عادل إلى ورقة مساومة، وكيف تُختطف أحلامه بين أطماع القوى الإقليمية والدولية.

ومع ذلك، يبقى هذا الشارع الجنوبي هو القلب النابض للقضية، والذاكرة الحية التي ترفض النسيان، والشرارة التي قد تُشعل إعلان الدولة إذا انسدت كل الطرق الأخرى.

وهكذا، بين مطرقة الأطماع الإقليمية وسندان الجغرافيا المعقدة، يبقى الجنوب ساحة مفتوحة على احتمالات لا تنتهي.

السعودية تبحث عن منفذٍ بحري يفتح لها أبواب بحر العرب بعيداً عن مضيق هرمز، والإمارات تسعى لترسيخ نفوذها البحري عبر الموانئ الجنوبية، والمجلس الانتقالي يرفع راية الاستقلال كحلم مؤجل منذ عقود.

إنه الشارع الذي لا يزال يرفع صوته في الساحات والميادين، يطالب بالكرامة والاعتراف، ويؤمن أن طريق الاستقلال ليس مفروشاً بالورود، بل محفوفاً بالتضحيات والآلام.

هو الشارع الذي يراقب بعيونٍ متعبة كيف تتحول قضيته من مشروع وطني عادل إلى ورقة مساومة، وكيف تُختطف أحلامه بين أطماع القوى الإقليمية والدولية.

ومع ذلك، يبقى هذا الشارع الجنوبي هو القلب النابض للقضية، والذاكرة الحية التي ترفض النسيان، والشرارة التي قد تُشعل إعلان الدولة إذا انسدت كل الطرق الأخرى.

هكذا، لا تُختتم الحكاية بجوابٍ نهائي، بل تُترك مفتوحة على سؤالٍ أكبر: هل يُكتب للجنوب أن يستعيد دولته، أم يبقى رهينةً لمعادلات الآخرين؟