كتابات وآراء


الخميس - 27 نوفمبر 2025 - الساعة 05:28 م

كُتب بواسطة : عبدالكريم أحمد سعيد - ارشيف الكاتب




يشهد الجنوب عموماً، وحضرموت على وجه الخصوص، مرحلة شديدة الحساسية تتقاطع فيها الحسابات الأمنية والسياسية، ما يستدعي قدراً كبيراً من الهدوء وضبط النفس. فالتوتر المتصاعد، وتنامي الحشود، وارتفاع منسوب الخطابات المتشنجة، كلها عوامل تنذر بمخاطر لا تخدم الاستقرار ولا المجتمع الذي يتطلع إلى استعادة مؤسسات الدولة وترسيخ بيئة آمنة قادرة على حماية مصالح الناس.
وفي حضرموت، تبدو التحديات أكثر وضوحاً، إذ تحاول بعض القوى استثمار حالة الانقسام لصنع نفوذ مواز خارج إطار الدولة، مستندة إلى وجود مجموعات ما تزال تتحكم بمشهد الوادي وترتبط بتاريخ ثقيل من الانفلات والتوتر. وفي المقابل، قدم نموذج الأمن القائم في الساحل (النخبة الحضرمية) تجربة ناجحة أثبتت فعاليتها في حماية المحافظة وتحصينها، ما يجعل ترسيخ إدارة أمنية مهنية هو الخيار الأكثر انسجاماً مع تطلعات المواطنين.
أما على مستوى الجنوب بشكل عام، فإن فتح جبهات داخلية أو الصدام بين المكونات لن يؤدي إلا إلى إضعاف الصف وتشتيت الجهود، في وقت تواجه فيه المنطقة خصوماً يسعون لاستثمار أي شرخ داخلي لإعادة إنتاج نفوذهم. ولذلك، فإن توحيد الصف وتعزيز الثقة المتبادلة بين القوى الجنوبية أصبح ضرورة تفرضها المرحلة، لا مجرد خيار سياسي قابل للأخذ والرد.
وفي ظل هذه التحديات، يظهر الحوار باعتباره الأداة الأكثر فعالية لمعالجة الخلافات وامتصاص التوتر ومنع انزلاق الأمور نحو مواجهات لا يحتاجها الجنوب. فالحوار لا يهدد أحداً، ولا يقصي أحداً، بل يفتح المجال لحلول تحفظ مصالح الجميع وتقطع الطريق أمام القوى التي تسعى لتغذية الفوضى وتأجيج الانقسامات.
إن المسؤولية الوطنية اليوم تتطلب خطاباً متزناً ومواقف عقلانية تنأى عن ردود الفعل وتقلبات اللحظة. فاختيار الحكمة ليس ضعفاً، بل قوة سياسية وأخلاقية تؤسس لاستقرار طويل الأمد. وما ستشهده حضرموت والجنوب في الفترة المقبلة سيعتمد بدرجة كبيرة على قدرة مختلف الأطراف على إدراك خطورة المرحلة وتغليب المصلحة العامة على أي اعتبارات أخرى.