الأحد - 10 أغسطس 2025 - الساعة 07:50 م
في المجتمعات التي تسعى للنهضة، وفي الأوطان التي تتطلع لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا، لا بد من أن يكون معيار الكفاءة هو المعيار الأسمى في تعيين القيادات، وتوزيع الأدوار، وتحمل المسؤوليات. فالكفاءة ليست مهارة فحسب، ولا شهادة أو لقبًا، بل هي مزيج من العلم والخبرة والنزاهة وحسن الإدارة واتخاذ القرار في الوقت المناسب.
وحين يغيب هذا المعيار وتتقدم المحاباة على الجدارة، فإن النتيجة الحتمية هي الانحدار المؤسسي، وضياع الفرص، واختلال التوازن، وربما الفشل الكامل في إدارة الشأن العام. تصبح المؤسسات آنذاك مشلولة، عاجزة، يعتليها من لا يستحق، بينما يُقصى أصحاب الكفاءة الحقيقيون، الذين بإمكانهم أن يصنعوا الفرق.
وهنا، لا بد أن تكون الرسالة واضحة إلى القيادة العليا: من يتصدر المشهد، في أي موقع كان، لا بد أن يكون من أولي العزم، ومن ذوي الكفاءة العالية، لا ممن يتقنون التقرّب، أو يجيدون فنون التملّق والمجاملة.
إن المحاباة في تقسيم العمل والمهن ناقوس خطر حقيقي، لأنها تمس جوهر العدالة في توزيع الفرص، وتُضعف الأداء، وتكسر الروح المعنوية لدى الفئة الأكثر قدرة على العطاء، وخاصة فئة الشباب. فالوصول إلى بر الأمان يتطلب معادلة دقيقة في مدخلاتها؛ حينها فقط يمكن أن نحصل على مخرجات صحيحة تتفوق على النصف الممتلئ من الكأس، وتدفعنا خطوة نحو التوازن والاستقرار.
ولعلّ الأخطر من ذلك، أن نرى الكفاءات الشبابية تُقصى وتُهمّش، لا لقصور في قدراتها، بل لأنها لا تجيد لعبة "التقرب من فلان وعلان". هؤلاء الشباب، الذين يحملون الحس الوطني الصادق، والعلم، والخبرة، تُسحب منهم الفرص لأنهم لا يعرفون من يعرف، في حين تُمنح المناصب لمن لا يملكون إلا قربهم من دوائر القرار.
عندما نتحدث عن إشراك الشباب في إدارة البلاد أو أي عمل مؤسسي، فإننا لا نقصد التجميل ولا الترضية، بل نعني التمكين الحقيقي، المبني على الكفاءة والاستحقاق، لا على المجاملة والانتماء الاجتماعي.
وفي نهاية المطاف، يبقى الأمل معقودًا على صانعي القرار بأن يُعيدوا النظر في آليات التمكين والاختيار، وأن يُمنح الاعتبار الحقيقي لأصحاب الكفاءة والخبرة، لا سيما من فئة الشباب الذين يحملون طاقة حقيقية للنهوض بالمجتمع.
إن إعادة ضبط البوصلة نحو الكفاءات، وتبني معايير واضحة في إسناد المسؤوليات، هو ما سيُحدث الفرق الحقيقي على الأرض. فالوطن يستحق أن تُمنح له العقول القادرة، والكوادر المؤهلة، وأن تُفسح لهم المساحة للمشاركة الفاعلة في صناعة مستقبله.
ولعل المرحلة القادمة، بما تحمله من تحديات وتطلعات، تكون فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، بحيث يكون الاختيار على أساس ما يُقدمه الفرد من قيمة، لا على أساس ما يملكه من علاقات.