السبت - 09 أغسطس 2025 - الساعة 09:56 م
في الوقت الذي تتطلع فيه الشعوب إلى بناء أوطان يسودها القانون ويحكمها العقل والحوار، تطل بيانات عسكرية بلغة التهديد والوعيد، تحمل في طياتها نبرة استعلاء على الإنسان، وتغفل عن أبسط مبادئ الشرعية الدولية وحقوق الإنسان. إن صدور تعميم من قيادة المنطقة العسكرية الأولى يتوعد المواطن بالقتل المباشر لمجرد تواجده أو تحركه في أرضه، يمثل تجاوزاً خطيراً لكل القيم والأعراف التي تحكم علاقة السلطة بالشعب.
المؤسف أن هذا الخطاب يعكس عقلية القوة الغاشمة التي ترى في المواطن خصماً لا شريكاً، وفي السلاح أداة إدارة بدلاً من القانون والعدالة. إن التهديد باستخدام "كافة أنواع الأسلحة" ضد المدنيين في تريم ليس فقط إسقاطاً لمبدأ حماية المدنيين، بل هو رسالة صريحة بأن حياة الإنسان تختزل في قرار عسكري لحظة ضغط الزناد.
حضرموت خصوصاً والجنوب بشكل عام لا يحتاجان اليوم لمزيد من العسكرة، بل لمسار حقيقي يضمن حق المواطن في التنقل والعمل والتعبير عن رأيه دون خوف أو ترويع. فالمناطق التي تدار بالتهديد تتحول سريعاً إلى بؤر للغضب الشعبي، لأن الكرامة لا تقمع بالقوة، والحق لا يسقط ببيان عسكري.
والواقع أن هذه القوات، التي تتحدث بلسان الشرعية، ليست سوى بقايا منظومة عسكرية ارتبطت بالنظام السابق وتحالفت في الخفاء مع المشروع الحوثي، لتظل متمركزة في أرض لا تنتمي إليها. إن بقاءها في وادي حضرموت يشكل عائقاً أمام تطلعات أبنائه في الأمن والاستقرار، ويعمق فجوة الثقة بين المواطن والسلطة.
الحل العادل والضروري اليوم هو رحيل هذه القوات وعودتها من حيث أتت، وتسليم إدارة وحماية المنطقة للنخبة الحضرمية التي أثبتت ولاءها وانتماءها لأرضها، وقدرتها على صون أمنها بعيداً عن أي أجندات. فحضرموت تستحق أن تدار بإرادة أبنائها، لا بقبضة غرباء يفرضون وجودهم بالقوة، ويستبدلون لغة الشراكة والكرامة بلغة الرصاص.