الجنوب والإمارات..شراكة على جناح السلام

الرئيس الزُبيدي يؤكد محورية دور دول مجلس التعاون الخليجي في إعادة الاستقرار إلى بلادنا..انفوجراف

الجمعية الوطنية تشيد بتحركات الرئيس الزُبيدي لحشد الدعم لإصلاح مؤسسات الدولة..انفوجراف



كتابات وآراء


الثلاثاء - 08 يوليو 2025 - الساعة 07:07 م

كُتب بواسطة : عبدالكريم أحمد سعيد - ارشيف الكاتب


في لحظة وطنية حرجة تتعاظم فيها التحديات السياسية والمعيشية، يصبح من الضروري إعادة تعريف دور كل فرد في المشروع الوطني الجنوبي. فالجنوب اليوم لا يواجه فقط ضغوطا خارجية ومؤامرات إقليمية ودولية، بل يستنزف من الداخل بفعل موجات متنامية من جلد الذات، والنقد غير المنضبط، والتهجم الممنهج أو العفوي على القوى الوطنية، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي. ومع إدراكنا الكامل لحجم المعاناة التي يعيشها شعبنا في مختلف المجالات، إلا أن تحويل هذه المعاناة إلى منصة لهدم المنجزات، أو أداة لنزع الثقة من القيادة السياسية، يعد انزلاقا خطيرا في توقيت لا يحتمل ترف المزايدات ولا عبث الشعارات.

لقد دفع شعبنا ثمنا باهظا من التضحيات الجسيمة، ولم يكن الطريق مفروشا بالورود، بل بالدماء والمعارك السياسية والعسكرية، وتحملنا الكثير في مواجهة واقع إقليمي ودولي بالغ التعقيد. نعم، هناك أخطاء وتقصير، وهذا أمر طبيعي في أي تجربة نضالية تمر بمراحل انتقالية دقيقة. لكن الصحيح أيضا أن النقد الذي لا يقدم حلولا، ولا يحافظ على ثوابت المشروع الوطني، يتحول من أداة تصحيح إلى وسيلة تقويض بطيء للبيت الجنوبي من الداخل.

من السهل أن ننتقد، أن نحمًل طرفا بعينه أعباء المرحلة، لكن من الصعب أن نطرح البدائل، وأن نتحمّل معا مسؤولية القرار الوطني في زمن الانقسامات والضغوط المركبة. ما تتعرض له القيادة الجنوبية من هجمات مكثفة، بعضها منظم وبعضها الآخر عفوي، ليس وليد اللحظة، بل تقف خلفه مطابخ إعلامية تستغل معاناة الناس لبث رسائل التشكيك والإحباط، وزرع ثقافة جلد الذات وحرق المراحل. لكن ما يجب أن يقال بوضوح، هو أن الحفاظ على المنجزات الوطنية لم يعد مسؤولية جهة بعينها، بل واجب مشترك لكل جنوبي، مهما كانت ملاحظاته أو توجهاته.

إن المشروع الجنوبي في أمس الحاجة إلى كتلة وطنية تاريخية تعلي من قيمة الهدف، وتؤمن أن الانتصار ليس محطة سهلة المنال، بل مسار طويل يتطلب صبرا، ووعيا، وتماسكا مجتمعيا. لم يعد الوقت يسمح بمزيد من التشرذم، ولا بتضخيم الهفوات وتحويلها إلى معارك داخلية تستهلك ما تبقى من رصيد الإنجاز والأمل. ما نحتاجه اليوم هو مراجعة جماعية هادئة، تعيد ترتيب الأولويات على قاعدة الحفاظ على ما تحقق، ودعم الجبهة الداخلية، وترشيد الخطاب الإعلامي، والبحث عن آليات مسؤولة لمحاسبة الذات دون تهشيم المشروع من الداخل.

إذا كنا نؤمن أن الجنوب يستحق مستقبلا حرا وعادلا، فعلينا أن نحمي ما تحقق، ونتكئ على وعي شعبنا، ونصحح المسار بعقل جماعي، لا بانفعالات عابرة ولا بردود أفعال تغذي خصوم المشروع الوطني الجنوبي. فلنجعل من اختلافنا مصدر قوة، لا وسيلة تمزيق، ومن تنوعنا الجنوبي دافعا لبناء جبهة داخلية متماسكة تصون التضحيات وتكمل طريق الشهداء الذين سطروا بدمائهم أنبل معاني الوفاء.

الجنوب لا يحتاج اليوم إلى مزيد من التشظي أو المزايدات، بل إلى استحضار روح المسؤولية، والانطلاق من الميثاق الوطني الجنوبي الموقع في 8 مايو 2023 بعدن، كمرجعية سياسية وأخلاقية تلزم الجميع بشراكة وطنية تحترم التعدد وتحمي المشروع من الداخل. إنها لحظة تاريخية تتطلب من الجميع وقفة شجاعة، لا للتخوين ولا للتنافر، بل لإعادة ترتيب الصفوف، وتجديد الثقة، والانطلاق من الثوابت نحو المستقبل، بوحدة الجبهة الداخلية، ووعي سياسي يميز بين النقد المسؤول والتشويش الممنهج.

فالوطن أكبر من الأسماء، والمشروع الجنوبي لا ينتصر إلا بجبهة موحدة تؤمن بالميثاق، وتحسن صيانة ما تحقق، وتبني بثقة ما هو قادم، وصولا إلى الهدف المنشود؛ دولة جنوبية فدرالية، حاظنة للجميع، يسودها النظام والقانون، والعدل والمساواة، والنمو، والتعايش والسلام المجتمعي.