الخميس - 22 مايو 2025 - الساعة 09:40 م
في مساءٍ شماليٍّ مبتور، تُقرع الطبول كمن يحاول إيقاظ ميتٍ دفنوه بأيديهم، ثم جلسوا فوق قبره يغنّون له أنشودة الميلاد. يقرعون طبول الوحدة بإيقاع أجوف، تلك الوحدة التي لم يعرفها الجنوب إلا في صيغة المرسوم والدم والاحتلال المُقَنَّع.
يحتفلون؟ نعم يحتفلون بذكرى ولادةٍ ميتة، بتاريخ لم يعرف لحظة تنفس حقيقي. يحتفلون بوحدةٍ لم تكن يوماً غير قيدٍ في يد الجنوب.
"22 مايو"... العنوان جاهز، والمناسبة محنطة في أدراج الدولة، تُبعث كل عام كما تُبعث بيانات الوزراء في حكومات تصريف اللا معنى، وتُصبغ شاشات إعلامهم بلونٍ واحد: "الوحدة المباركة".
مباركة بمَن؟ منفيّة من أين؟
وأين هي هذه الوحدة التي لم تُشاهَد على الأرض إلا على شاشات الإعلام.
لمن تُقرع الطبول؟
ألهذا الكيان الذي لا يعرف ملامحه؟ أم لذاكرةٍ تكره المرايا؟
ألقصيدةٍ وُلدت بلا لحن، أم لمولودٍ لم يصرخ لحظة قدومه؟
لقد مات اليوم قبل أن يولد، وما زالوا يقيمون له احتفالاً كل عام، كأنهم لا يجيدون الحداد إلا على ما لم يحدث.
الطبول تُقرع... لا لشيء سوى لتغطية الفراغ.
الطبول تُقرع... لعلّ الضجيج يغنيهم عن التفكير، عن التأمل في الخرائط التي تذوب، والهويات التي تتآكل، والنصوص التي تفسد في الظلام.
وحدها الأكاذيب تُحتفل بها بإتقان. وحدها الأوهام يُقام لها المهرجان تلو المهرجان.
حقًا، لمن تُقرع الطبول؟
للحقيقة المسجونة؟
أم للكذب المتنكر؟
أم لشيءٍ لم يوجد إلا كي يُحتفل به؟
من ذا الذي يحتفل؟ ومن ذا الذي يُنسى؟ وهل يمكن للاحتفال أن يحجب جرحاً لم يندمل، أو أن يطمس فصلاً منسياً من تاريخ لم يُكتب بعد؟
الجنوب اليوم لم يعد يُصغي لطبول الشمال، بل بات يطرق أبواب الأمم، ينزع الاعتراف رويداً رويداً من بين أسنان "المشروع الوحدوي الكبير" ، ويكتب اسمه في دفاتر جديدة خارج نصوص الجمهورية الواحدة وملحقاتها.
وختاماً، لعلّ السؤال لم يعد: لمن تُقرع الطبول؟ بل: متى سيسكت هذا الضجيج، ويُعلن أخيراً موت ما لم يُولد؟
أما الجنوب، اليوم لم يعد ينتظر الأجوبة، فقد صار هو السؤال... وهو الجواب.