السبت - 13 أبريل 2019 - الساعة 06:44 م بتوقيت عدن ،،،
4 مايو / القسم السياسي
"الإخوان" يستثمرون "منظمة الإغاثة" لغايات أخرى
لماذا عمد "الإخوان" إلى تمزيق "الجنوب" عبر مشروع "الإقليم الشرقي"؟
كيف يتحرك الإخوان في اليمن والعالم العربي والأوروبي؟ وبأي مشروعية؟
ما دلالات الاستمرار في أخونة مؤسسات الدولة؟
يتحرك الإخوان في العالم العربي والأوربي وفق مشروعية قانونية، من خلال بناء شبكات ومساجد وجمعيات، والانتقال منها إلى الجاليات. وتعد منظمة الإغاثة الإسلامية من أكبر المنظمات التي أنشأتها الجماعة، وتعتبر مثالاً واضحاً على كيفية العمل التنظيمي داخل أوروبا.
شارك في تأسيس منظمة الإغاثة، عام 1984، إحسان شبيب بالإضافة إلى هاني البنا، والثاني مموِّل جمعية عيد المسلم، وقد كانت ميزانيتها، عام 2013، 126 مليون دولار أمريكي، وهي متواجدة في ثلاثين بلداً، وقد أُنشئت المنظمة في برمنغهام، برقم 2365572، وأصبح لها أفرع في 28 دولة، تترأس إدارتها مجموعة من قيادات الإخوان، على رأسهم أحمد كاظم الراوي، وهو عراقي الجنسية.
علاقة المنظمة بالجماعة
أكبر الأدلة على انتماء هذه المنظمة للتنظيم العالمي للجماعة؛ تأسيسها من قبل قيادات إخوانية لفترة طويلة، ومنهم عصام الحداد، مستشار الرئيس الإخواني المعزول في مصر، عام 2013، محمد مرسي، كما يقودها، في قطاع غزة، وبشكل أساسي، أعضاء من حماس.
الإمارات تضعها على قوائم الإرهاب
عام 2001؛ بدأت منظمة الإغاثة الإسلامية توضع تحت الأنظار، حينما علمت أجهزة أمنية عالمية أنّها قبلت شيكاً من أسامة بن لادن، بقيمة 50,000 دولار أمريكي، وقبلت ما يقارب 60,000 دولار أمريكي من جماعات أخرى تابعة لتنظيم القاعدة.
وكي يتأكد المراقب من علاقة المنظمة بشكل أكبر بالإرهاب؛ يتعين مراجعة أوراق القضية المعروفة بـ "التخابر مع حماس"؛ التي اتهم فيها الرئيس المصري الأسبق، محمد مرسي؛ ففي أوراقها ورد أنّ مستشاره، عصام الحداد، تولى إدارة "المنظمة الإسلامية للإغاثة"، أو (ISLAMIC RELIEF WORLDWIDE)، ابتداء من عام 1992 وصولاً إلى 12 تموز (يوليو) 2013، وعقب عزل الجماعة استقال منها، وتبينت في التحقيقات صلات المنظمة مع جماعات متشددة، ما دفع دولة الإمارات فيما بعد لوضعها على "قوائم المنظمات الإرهابية".
يقول د. سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات، لصحيفة "المصري اليوم": إنّ "استقالة عصام الحداد من منصبه كمدير لمنظمة الإغاثة الإسلامية عقب الإطاحة بالمعزول؛ جاءت خوفاً من تتبع أموال التنظيم، أو مصادرتها، أو مخاطبة الجهات الخارجية لتجميدها؛ فهو كان مسؤولاً عن التنسيق بين 64 جمعية في الخارج، وهذا المنصب كان يتطلب عدم الظهور على السطح، وأدار تلك الجمعيات لما له من خبرة في التنسيق بين أفرعها والجماعة بالخارج"، كاشفاً أنّه جرى التحقيق مع المنظمة في مباحث الأموال العامة عقب عزل مرسي.
وتكشف مستندات الدكتور محمد الألفي، أنّه كان هناك تعنت من جهات سيادية داخل مصر تجاه فتح فرع في مصر لمنظمة الإغاثة الإسلامية، التي تتخذ من لندن مركزاً رئيساً لها، حيث تمكنت هذه المنظمة من فتح مقر لها فعلياً في مصر، في عهد محمد مرسي.
الطريقة التي تعمل بها منظمة الإغاثة الإسلامية هي الاستراتيجية ذاتها التي تستغل العمل الاجتماعي الإنساني للتمدد، وهي نفسها التي نادى بها الإخواني جاسم سلطان، وتسمح بتطعيم البنى بشبكة تواصل صلبة، مع التخلي عن الشكل الهرمي المعتمد من قبل الإخوان (العنكبوتي سابقاً)، لصالح شكل مسمار البحر ذي الأذرع الخمسة، حتى يصعب التعرف عليها، من خلال بنيتها السرية المعزولة المحاطة دائماً، بمشاركين آخرين موّهوا صلاتهم بجماعة الإخوان حتى بات من الصعب كشفها.
إخون اليمن
يمكن تفسير سياق تطور حركة الإخوان المسلمين في اليمن في تحولهم إلى تجمعٍ فتح أبواب عضويته للعلماء التقليديين وشيوخ القبائل، وفي مقدمهم الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر، وعلى رغم أن "الإخوان" تخلوا عن الاسم القديم، فقد حافظوا على علاقات طيبة مع حركات "الإخوان المسلمين" في الدول العربية الأخرى، خصوصاً السودان؛ حيث ينظر قادة التجمع اليمني الإسلامي بإعجاب شديد إلى أفكار منظر الحركة الإسلامية السودانية حسن الترابي.
وتعاظمت الأصوات المنادية من جانب العديد من الكتل السياسية والحزبية اليمنية، بالتنديد بدور حزب التجمع اليمني للإصلاح المشبوه في اليمن، وباستمرار إخوان اليمن في عمليات الإقصاء وأخونة مؤسسات الدولة رغم الانتكاسات التي يتعرض لها تنظيم الإخوان في مصر وليبيا وتونس.
وقال مراقبون سياسيون "إن الإخوان يسقطون اليوم في كل مكان، وإخوان اليمن لم يستفيدوا مما يحدث ومستمرون في أخونة مؤسسات الدولة".
السيطرة على الجنوب
عندما اكتشفت حركة الإخوان عدم قدرتها على امتصاص الحراك الجنوبي، وعدم القدرة على فرض أجندة الحوار الدائر في صنعاء على الشارع الجنوبي، وعدم القدرة أيضاً على الاستقطاب السياسي عمدت إلى تمزيق الجنوب عبر إطلاق مشروع "الإقليم الشرقي" الذي يرعاه اللواء على محسن الأحمر ويشرف على تنفيذه من خلاله عناصر الإخوانية التي زرعوها في حضرموت، وهي أسماء مكشوفة بوضوح للمجتمع الحضرمي تخوض معركة سياسية كبرى في المكلا للإمساك بـ(مشروع الإقليم الشرقي) باكراً من خلال الاستحواذ على المناصب المفصلية فيه وذاك مخطط كبير يتبع التنظيم الدولي للإخوان.
ويعتمد ما يسمى (الإقليم الشرقي) على أساس الدولة اليمنية الاتحادية، على أن يتم تقسيم اليمن إلى عدة أقاليم منها إقليم يضم (حضرموت والمهرة وأجزاء من شبوة) أي أنه يمسك بمواقع الثروة النفطية في الجنوب، والهدف الأول هو تمكين حركة الإخوان المسلمين لبسط نفوذهم في أكبر أقاليم شبه الجزيرة العربية، والتمكن من تشكيل حزام قوي جنوب المملكة العربية السعودية، إضافة إلى اسقاط خيار انفصال الجنوب عن الشمال.
إن مرور مشروع الإقليم الشرقي يعني أن الجزء الغني بالثروات من الجنوب العربي سيدخل تحت حكم الحركة الإخوانية وسيفرض الإخوان رؤيتهم، وسيحاولون زعزعة الأمن في شبه الجزيرة العربية، وستكون اليمن حاضناً لواحدة من أكثر الأفكار المتصلبة والتي لن تعطي مستقبلاً مستقراً في شبه جزيرة العرب.
لذلك، يسعى الإخوان لسيطرة على اليمن الجنوبي من أجل استمرار مشروعها الفكري والأيديولوجي، ولكن يواجه رفضا قويا من أبناء الحراك الجنوبي والذي يختلفون أيدلوجيا وفكريا عن جماعة الإخوان المسلمين لذلك يتوقع المراقبون فشل الإخوان في احتواء الجنوبيين وفشل مشروعهم بالجنوب.
الإخوان والقاعدة
تتوالى الاتهامات من جميع القوى اليمنية والعربية إلى حزب الإصلاح المنتمي لجماعة الإخوان وعلاقاته بتنظيم القاعدة، الذين وصفوه بالجناح العسكري لجماعة الإخوان، لافتة إلى منح قطر جماعةَ الإخْوَان في الـيَـمَـن وجناحها العسكري تنظيم القاعدة بمبالغَ مالية ضخمة تزيدُ عن مليار دولار بشكل مباشر وغير مباشر خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بهدف إسقاط النظام في الـيَـمَـن وإيصال الإخْوَان إِلَـى السلطة عبر أعمال الفوضى والعُنف والتخريب وإذكاء الصراعات والأزمات.
سياسة الخيانات
تتوالى يوما بعد يوم خيانات وأكاذيب جماعة الإخوان وحزبهم في اليمن، ومراوغته للحكومة الشرعية المدعومة بدول التحالف العربي؛ حيث أن الإخوان يأكلون على كل الموائد، في محاولة لزعزعة الأمن ونشر الفوضى في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
حيث تعتمد أجندات الإخوان سياسة برجماتية تتبع التنظيم الدولي للإخوان الذي ينتمي له، بما يخدم أجندته الإرهابية، فتارة يتبني مواقف ظاهرية مؤيدة للحكومة الشرعية، وتارة ينتقدها، بينما تتوافق أهدافه مع أهداف الحوثيين فيما يتعلق بأجندتها المدعومة من إيران عسكريا واستراتيجيا.
حيث تشارك عناصر من جماعة الإخوان جنباً إلى جنب مع الحوثيين في الحديدة، وشمال محافظة الضالع وفي أغلب المحافظات التي تتواجد بها مليشيات الإخوان تحت مسمى جيش الحكومة الشرعية ضد التحالف العربي، والقوات الجنوبية والأخرى التابعة للشرعية اليمنية، بالإضافة لذلك قامت بتوفير إصدارات طائفية خاصة بميليشيات الحوثيين الموالية لطهران.
وفي يوليو 2014، أبرم الطرفان صفقة سياسية مع زعيم مليشيا الحوثي عبدالملك الحوثي، تتعلق بوقف القتال ضد الحوثيين، تحت دعاوى ظاهرية بأن هناك دول إقليمية تريد تأجيج الصراع فيما بينهم، خاصة بعد إعلان جماعة الإخوان المسلمين اليمنية تنظيما إرهابيا.
ووفق هذه الدلالات يعتمد التنظيم على الفوضى والترهيب وتبني الاغتيالات في العديد من مناطق اليمن تجاه كل من يقف أمام مشروعهم المشبوه القائم على رؤى طائفية وأجندات تخدم مصالحهم الإرهابية.
جمعيات خيرية
وجد الإسلاميون أنه لا يمكن لأفكار من القرن الماضي كان دعا إليها حسن البناء وسيد قطب، تحث الشباب على الانعزال عن المجتمع، أن تجد مكاناً في القرن الحادي والعشرين، لذلك لعبوا على استثمار الوضع الاجتماعي ليسوّقوا لأفكارهم في استقطاب الشباب عماد المستقبل.
أعاد الجدل الذي ثار في العاصمة التونسية بشأن شراكة بين وزارة الشؤون الدينية وجمعية خيرية محسوبة على حركة النهضة ذات الخلفية الإخوانية، إلى الواجهة دور الجمعيات الخيرية في اختراق النسيج الاجتماعي العربي بشكل ناعم وخدمتها لأجندات الجماعة سواء كأذرع محلية، أو كتنظيم دولي.
وقاد انكشاف اتفاق بين جمعية مرحمة للمشاريع الاجتماعية والخيرية، ومديرها التنفيذي العضو السابق في مجلس الشورى بحركة النهضة محسن الجندوبي، ووزارة الشؤون الدينية في تونس، إلى ردود فعل في وسائل إعلام مختلفة، ودعوات إلى استقالة وزير الشؤون الدينية أحمد عظّوم.
وكشف متابعون لأنشطة مرحمة أنها ساهمت في بناء مساكن اجتماعية ومدارس ومراكز صحية، وأنها تتحرك بحرية تامة، وتختار بنفسها المشاريع التي تنفذها تحت ستار العمل الخيري، فيما تغيب الرقابة الحكومية عن أغلب المشاريع بسبب تشتت جهود الدولة في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والخلافات السياسية لما بعد ثورة 2011.
ويقول المتابعون إن الجمعيات الخيرية انتشرت بكثرة مباشرة بعد الثورة، وخاصة بين سنتي 2012 و2013 فترة حكم الترويكا بزعامة حركة النهضة، لكن ليس هناك جهة سياسية أو حكومية تتبنى أياً من هذه الجمعيات التي تقول تقارير إن عددها بالآلاف، وأنها تتلقى تمويلا من جهات وكيانات موجودة في تركيا وقطر ومنظمات إسلامية عابرة للدول.
ويعتقد خبراء في الجماعات الإسلامية أن مواجهة الشبكات المتشددة التي تتولى الاستقطاب لفائدة داعش أو القاعدة لا يمكن أن تحقق نجاحا في تفكيك هذه الشبكات ما لم يتم فهم سياقات الدعوة وأوجهها المتعددة في تفكير تلك الجماعات.
ويوظف الإسلاميون الأموال التي يجمعونها بأشكال مختلفة في الدعوة والاستقطاب، وبعض هذه الأموال معروف مثل تبرعات الأعضاء، وتجميع أموال الزكاة، وتمويل جمعيات إخوانية عابرة للدول، وتبرعات رجال أعمال وتوظيفها في مشاريع ربحية، وبعضها الآخر غير معروف وسط تقارير تفيد بمتاجرة بعض الجماعات في السلاح أو المخدرات، وغسيل الأموال.
ولا يكمن خطر هذه الجمعيات في استقطاب الفقراء والمهمشين في توظيف أصواتهم خلال الانتخابات مثلما جرى في تونس 2011، فهذا أمر محدود التأثير ويمكن للأحزاب المدنية والليبرالية تداركه بسهولة، وهو ما حصل في الانتخابات الموالية، حيث نجح حزب نداء تونس في الفوز بالانتخابات، إنما يلفت خبراء في الإسلام السياسي إلى أن الجمعيات الخيرية مع مرور الوقت بدأت تأخذ مكان الدولة في المناطق المهمشة، أو ما يطلق عليه مناطق الظل التي لا تصل إليها برامج الحكومات، أو أنها توكل مهمتها لمسؤولين محليين دون أن تراقب أداءهم ليثيروا الغضب بين الناس عبر منظومة فساد قديمة نجحت في الاندماج بيسر مع المنظومة الجديدة، منظومة ما بعد الثورة، حيث تضاعفت أشكال الفساد واحتكار الموارد والدعم والإعانات الموجهة من المركز إلى هذه المناطق، وهذا الواقع موجود حاليا باليمن.
ويستفيد الإسلاميون من غياب أي تيار اجتماعي حيوي يسند دور الدولة خاصة بعد انقلاب اليسار من حركة اجتماعية تساند الطبقة المهمشة/ البروليتاريا، إلى بورجوازية صغيرة منكمشة على ذاتها داخل الطبقة الوسطى، وانحصر دور اليسار في النضال من داخل الاتحاد العام التونسي للشغل لتمكين الموظفين من زيادات وعلاوات دون أي دور عملي نضالي إلى جانب الفئات العاطلة عن العمل، أو محدودة الدخل.
ويحذر الخبراء من أن انسحاب اليسار، وضعف تأثير الدولة يحولان المناطق الفقيرة إلى أرضية خصبة لثقافة التيارات المتشددة، مشيرين إلى أن الدور الحيوي الذي لعبه السلفيون في 2012 و2013 في نجدة مناطق الشمال الغربي والوسط في تونس خلال موجة البرد والثلج عبر تكثيف الإعانات وفي وقت سريع سهّل استقطاب شباب الجهة لقيادة العمليات التي تنفذها جماعات متشددة ضد الدولة في جبال الشمال الغربي والوسط الغربي.
ويمثل شباب محافظات جندوبة والكاف والقصرين، وهي مناطق حدودية مع الجزائر، العنصر الرئيسي في كتيبة عقبة بن نافع الإرهابية التي استهدفت عملياتها قوات الجيش والحرس في سلسلة جبال الطويرف والشعانبي وسمامة ومغيلة، وقد نجحت القوات التونسية في توجيه ضربات قوية لها في الأشهر الأخيرة.
وركز المتشددون في عملية الاستقطاب على خريجي الجامعات العاطلين عن العمل مستفيدين من الغضب على أداء الدولة ما بعد الثورة في توفير مواطن العمل، فضلا عن سهولة إقناعهم بالأفكار والقيم المتشددة حيث نشطت في السنتين الأوليين بعد الثورة ظاهرة الزواج العرفي، واستهداف رموز الدولة مثل محاولات نزع العلم وتعويضه براية التنظيمات المتشددة، ومهاجمة التظاهرات الثقافية والفنانين ودور السينما.
ويعتقد متخصصون بظاهرة الإسلام السياسي أن أخطر مشاريع الجمعيات الخيرية أنها تغري الشباب بتبني الأفكار المتطرفة والتخلي عن القيم المدنية السائدة، وأنها توظف المال، الذي تحصل عليه بكل يسر، في عمليات التأثير على الشباب عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتبر أكبر عناصر الجذب للتطرف والعنف عبر نشر أشرطة الفيديو الحماسية، ونقل الفتاوى، واختلاق قصص وحكايات للترغيب في الانتماء إليها.
ويرى المتخصصون أن تجميع أموال التبرعات بمختلف الطرق صار أولوية لدى الجماعات الإسلامية المختلفة لدوره الأهم في الاستقطاب الحزبي والتنظيمي، وخاصة في جذب الشباب الغاضب للمشاركة في العمليات العسكرية والتفجيرات التي تنفذها تنظيمات مثل داعش والقاعدة في سوريا والعراق وليبيا، وأن تغيير الأولويات تم بعد أن فشل أسلوب الدعوة التقليدي الذي تتبعه هذه الجماعات في جذب شباب متأثر بالقيم الغربية التي تشيع بين الناس بتطور وسائل الإعلام، وخاصة الإعلام الاجتماعي.
ووجد الإسلاميون أنه لا يمكن لأفكار القرن الماضي التي دعا إليها حسن البنا وسيد قطب، والتي تحث الشباب على الانعزال، ومقاطعة الثقافة الاجتماعية، أن تجد مكانا في القرن الحادي والعشرين، لذلك لعبوا على استثمار الوضع الاجتماعي وحاجة الناس إلى المساعدة ليسوقوا أفكارهم.
ويهدد التغاضي الرسمي عن أنشطة هذه الجماعات في مختلف الدول العربية -وهو تغاضٍ يعود في جانب منه إلى سلبية الحكومات وحساباتها الآنية وبينها ضمان صمت اللوبي الإسلامي في مؤسساتها واستقطابه لدعمها- بأن تفقد هويتها الوطنية، خاصة أن هذه الجماعات تمتلك من الوسائل المتجددة ما يمكنها من التأثير بعيد المدى، وخلق أجيال جديدة لديها قابلية للتطرف والعيش في الماضي، والرغبة في الاتكاء على الأموال الخيرية بدل الاجتهاد في العلم والعمل، أي خلق جيل سلبي جاهز للتطرف والموت العبثي.
إن الإصلاح المرتقب بخصوص "الإحسان العمومي" يحتاج إلى توجيه وترشيد، على أساس دفع "المحسنين" إلى إعطاء الأولية لبناء المستشفيات والمدارس عوض التركيز فقط على بناء المساجد، إذا كان وجودها يفي بالغرض.
هذا التوجه يتطلب تغيير الذهنية الدينية لدى "المحسنين" وأيضاً لدى الساهرين على تدبير بناء المساجد، وأيضاً لدى المكلفين بإرشاد الناس حول فعل الخيرات؛ لأن في ديننا الحنيف هناك فقه للواقع وهناك أولويات ينبغي احترام تراتبيتها.
بناء مسجد عملاق بحي الفقراء
ومن المناظر المستفزة للشعور الإنساني إقدام "المحسنين" التابعين لمنظمة الإخوان المسلمين على بناء مسجد عملاق مزين بأرفع النقوشات والزخرفات، بالقرب من أحياء فقيرة وأكواخ مبنية بالقصدير والتراب، وبمحاذاة مناطق تعاني من الحيف الاقتصادي والهشاشة الاجتماعية، مما يعكس فهماً منحرفاً للدين وزيغاً عن مقاصده الشرعية، فيصبح بناء مسجد أمراً عظيماً في الدين عوض العناية بالإنسان الذي من أجله بعثت الرسل ونزلت الديانات، وتتحول صورة المسجد المشيد إلى جانب حي فقير إلى لوحة فنية تستفز الإحساس الجميل، وتعكس تناقضاً رهيباً بين فهم الدين والواقع، وتخلفاً كبيراً لدى "المحسنين" و"المسؤولين" المكلفين بتدبير الشأن المحلي على حد سواء. وعلى الوعاظ والمرشدين الدينيين أن يقولوا للناس إنّ من بنى مستشفى أو مدرسة أو قاعة رياضية بنى الله له أيضاً بيتاً أو بيوتاً في الجنة.
استغلال الدين
كان "فعل الخيرات" و"إطعام المساكين" يتم في غفلة عن عيون السلطات المختصة ربما كانت تغض الطرف عن مثل هذه الأعمال المرتبطة بالبر والإحسان، أخذاً بعين الاعتبار الوجدان الديني الذي لا يسمح بالاعتراض على الصدقة أو "منع الماعون".
إن "الإسلاميين" استغلوا هذه الغفلة أو هذا الشعور الديني للتخصص في العمل الاجتماعي وتكوين شبكة معقدة من العلاقات المبنية على تقديم المساعدات الاجتماعية للناس في المناسبات الدينية وغيرها، من قبيل إعذار الأطفال وتوزيع الحقائب المدرسية وتقديم وجبات الإفطار في رمضان وتوفير المساعدة للمرضى والمحتاجين إلى الخدمات الطبية.
والأخطر من ذلك هو أن هناك بنداً في ميثاق إخوان "التوحيد والإصلاح" ينص صراحة أن من وسائل تحقيق أهداف عمليات الخير والإحسان التي تقوم بها هي "إنشاء الجمعيات التي تؤطر هذا العمل وتنظمه بصفة قانونية واضحة". وهذا ما حصل بالفعل أيضاً عبر تاريخ هذه الحركة من خلال إنشاء سلسلة من الجمعيات تقوم بتنزيل هذا البند من دستورها على أرض الواقع وتفعيله على أحسن وجه.
لقد قامت الحركة باستغلال الدين واستغلال العمل الخيري في السياسة، والنتيجة، أنها سقطت في تدنيس هذه المجالات الفاضلة، وخلق الشبهات في عقول الناس حولها، بكل التبعات الميدانية لهذا التدنيس، سواء كانت تبعات اجتماعية أو ثقافية أو سياسية.
*المراجع:
� ماهر فرغلي/ كاتب وباحث مصري.
� عمر العمري/ كاتب مصري.
� المركز العربي للبحوث والدراسات.