الرئيس الزُبيدي: إجراءات حضرموت والمهرة لتأمين الجنوب والوجهة نحو صنعاء.. انفوجرافيك

الرئيس الزُبيدي يؤكد أهمية البيانات الإحصائية في بناء الدولة وصناعة القرار.. انفوجرافيك

الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي يطّلع على جهود تطبيع الأوضاع وتثبيت دعائم الاستقرار بالمهرة وسقطرى



كتابات وآراء


الجمعة - 19 ديسمبر 2025 - الساعة 09:13 م

كُتب بواسطة : حافظ الشجيفي - ارشيف الكاتب



في قراءة متأنية للمشهد، وبينما نحن نرقب حركة التاريخ في هذه المنطقة الحساسة من العالم، يبدو جليا اننا نقف امام لحظة استثنائية من الصراع بين ارادة الشعوب وبين ثبات المعادلات الدولية التي لا تتحرك الا بحسابات دقيقة وتوازنات معقدة، والحقيقة التي لا مراء فيها انني حين انظر الى تفاعلات القوى الاقليمية والدولية تجاه ما يجري في الجنوب، اجد نفسي مدفوعا الى استنتاج يفرض نفسه بقوة المنطق، وهو ان الموقف العام لم يتزحزح عن مداراته التقليدية الا بقدر ما فرضته الوقائع الجديدة على الارض، فالمجتمع الدولي بتركيبته الراهنة لا يتحرك بوحي من العواطف او نداءات الحق المجرد، بل ينطلق من منظومة مصالح متشابكة تتقاطع فيها الابعاد الاقتصادية مع الحسابات الامنية، وتتداخل فيها معادلات الداخل في الجنوب مع تعقيدات المشهد في الشمال، لتشكل في مجملها جدارا من الحذر السياسي الذي يحاول استيعاب المتغيرات دون الانزلاق الى تغييرات جذرية قد لا يحمد عقباها من وجهة نظرهم، ومع ذلك فاننا لا نستطيع ان نغفل ان الانتصارات العسكرية الحاسمة والحراك الشعبي المتدفق في الجنوب قد احدثا هزة في تلك المياه الراكدة، حيث نجحت هذه القوة المادية والمعنوية في تسليط الاضواء العالمية على عدالة القضية الجنوبية، مما شكل ضغطا سياسيا لا يستهان به في دفع القوى الكبرى الى اعادة النظر في كيفية ادارة الازمة اليمنية ككل، والبحث عن تسوية تبدو في تصورهم قادرة على لجم الصراعات الساخنة واستيعاب كافة المعادلات القائمة بما يخدم اولوية السلام التي ينشدونها كاطار يحمي مصالحهم الاستراتيجية والابعاد الانسانية المرتبطة بها.
فالمتابع لمسارات السياسة الدولية يدرك ان القوى الفاعلة ترى في استقلال الجنوب هدفا يمر بالضرورة عبر محطات تمهيدية ومخاضات عسيرة، اذ انها لا تعزل القضية الجنوبية عن السياق اليمني العام، بل تقف من جميع الاطراف على مسافة واحدة، محكومة ببراغماتية مفرطة تبحث دائما عن الحلول الوسطية الممكنة التي تجنب المنطقة هزات غير محسومة العواقب، وهنا تحديدا تتضح اهمية الفعل السياسي الجنوبي، اذ ان تغيير هذه المواقف الدولية ليس امرا مستحيلا، ولكنه مرهون بمدى براعة المحاور الجنوبي وقدرته على استثمار الزخم الشعبي والعسكري ليقدم نفسه كقوة مسؤولة وموثوقة قادرة على نيل اعتراف العالم، وهذا يقودنا بالضرورة الى تساؤل جوهري حول الخيارات المتاحة امامنا كجنوبيين اذا ما طرح المجتمع الدولي حلولا لا تتضمن الاستقلال الفوري في المرحلة الراهنة، فالمصارحة تقتضي القول اننا لسنا في وضع يسمح لنا بمواجهة العالم منفردا بقرار احادي قبل ان نؤدي واجبنا الكامل في اقناع هذا المجتمع الدولي واثبات ان استقلالنا هو صمام امان للمنطقة وليس مصدرا للقلق، وهذا المسار الشاق يتطلب تناغما كاملا مع القيادة السياسية المتمثلة في المجلس الانتقالي، التي تملك من معطيات الرؤية وحسابات الموقع ما قد لا يتوفر لغيرها، مما يجعل الثقة في خطواتها ضرورة وطنية تفرضها طبيعة المرحلة التي نسير فيها خلفها لايماننا العميق بانها تدرك ابعاد الخطوات ومآلات القرارات.
واذا كان استقلال الجنوب حقيقة قائمة فعليا على الارض اليوم، وان الارض باتت تحت تصرف ابنائها، فان هذه الحقيقة هي الورقة الرابحة والثقل النوعي الذي يرجح كفة الميزان في اي مفاوضات قادمة، غير ان تحويل هذا الواقع الملموس الى كيان سياسي معترف به رسميا يظل بحاجة الى غطاء دولي لا ياتي الا بالصبر الاستراتيجي والدهاء السياسي، فالمشهد العام وردود الافعال التي تتسم بالصمت او الضبابية لا يمكن تفسيرها في كل الاحوال لصالحنا، بل هي نداء صريح يدعونا الى اليقظة والعمل الدؤوب لسد الفجوة بين الواقع المفروض وبين الاعتراف المنشود، فنحن امام اختبار حقيقي للارادة والذكاء، حيث التاريخ لا يعترف الا بالاقوياء الذين يعرفون كيف يحولون انتصارات الميدان الى مكاسب فوق طاولة السياسة، وحيث لا مكان للاماني الا بقدر ما يسندها من فعل منظم وقراءة دقيقة لواقع عالمي لا يقبل الا لغة المصالح المتوازنة، وهو ما يفرض علينا ان نكون اكثر تماسكا واكثر وعيا بتعقيدات اللحظة الراهنة لكي نعبر بالسفينة نحو شاطئ الاعتراف الكامل الذي يستحقه هذا الشعب وتضحياته الجسيمة.