4 مايو/ تقرير / رامي الردفاني
تشهد الساحات في كافة محافظات الجنوب العربي حراكًا شعبيا متصاعدا لم يعد ممكنًا قراءته كحدث عابر أو فعل احتجاجي مؤقت، بل كتحول تاريخي عميق يعكس وعيا شعبي تراكميا تشكّل عبر عقود من المعاناة والنضال.
ان المشهد اليوم في الجنوب العربي يتجاوز الحسابات السياسية الضيقة، ليعبّر عن إرادة شعب قرر أن يقول كلمته بوضوح .. هذا المسار لم يعد قابلًا للتراجع، وما يجري ليس مناورة تكتيكية، بل طريق مفتوح نحو استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة.
إن الزخم الذي يشهده الجنوب العربي هو امتداد طبيعي لمسار طويل من الرفض الشعبي لسياسات التهميش والإقصاء التي فُرضت منذ وحدة يمنية لم تُبنَ على الشراكة، ولم تُنتج دولة عادلة، بل كرّست واقعا مختلًا دفع الجنوب ثمنه سياسيا واقتصاديا وأمنيا. ومع تراكم التجربة، تحوّل الرفض إلى وعي، والوعي إلى فعل منظم، والفعل إلى حراك شعبي واسع يفرض نفسه على المشهد السياسي الدولي.
وما يلفت الانتباه في هذا الحراك هو شموليته غير المسبوقة إذ تلاشت الفوارق المناطقية، وسقطت كل محاولات الفرز الذي كان يزرع فتنها الاحتلال اليمني ، ولذلك سقط الرهان لتتوحد محافظات الجنوب العربي من المهرة شرقا إلى باب المندب غربا خلف راية والهوية الجنوبية ليشارك في هذا المشهد الجنوبي الشباب والنساء، والنقابات العمالية، ووجهاء المجتمع، والناشطون المدنيون والوزراء والمحافظين ومدراء المديريات ، في لوحة وطنية جامعة تنفي عمليا كل الادعاءات التي حاولت حصر القضية الجنوبية في إطار صراع نخب أو تنافس على النفوذ.
وفي قلب هذا المشهد الجنوبي المتصاعد، تتبلور استعادة الدولة بوصفها جوهر الصراع وخلاصته السياسية فاستعادة دولة الجنوب العربي لم تعد مطلبًا قابلًا للتأجيل أو مادة للتفاوض، بل تحولت إلى معركة وجود لا تقبل أنصاف الحلول ولا تُختزل في تسويات مؤقتة، لأنها التعبير الأصدق عن إرادة شعب قرر كسر قيود الوصاية وطيّ صفحة الوحدة القسرية التي جرّت على الجنوب عقودا من الإقصاء والنهب والتهميش.
إن الدولة التي يناضل من أجلها الجنوبيون ليست شعارا عاطفيا ولا حلمًا مؤجلا، بل استحقاقا وطنيًا انتُزع بالتضحيات، ومشروعا سياديا يعيد للجنوب قراره الحر، ويُنهي سياسات الإلغاء، ويؤسس لسلطة وطنية تحمي الأرض والهوية وتصون كرامة الإنسان الجنوبي، وتحوّل زخم الشارع من حالة احتجاج إلى واقع سياسي راسخ لا يمكن القفز عليه أو الالتفاف حوله
ومن هذا المنطلق، يبرز حق تقرير المصير بوصفه جوهر القضية الجنوبية ومرتكزها الأخلاقي والقانوني.
فالجنوبيون لا يطالبون بفتات حلول أو تحسينات معيشية مؤقتة بل يسعون إلى بناء دولتهم على أسس تعكس هويتهم وتضحياتهم وتطلعاتهم، دولة تُنهي الإقصاء الممنهج، وتستعيد الاعتبار للكفاءات الجنوبية، وتؤسس لمؤسسات وطنية قائمة على الشراكة والمواطنة المتساوية وسيادة القانون.
ويحذر مراقبون من أن أي محاولة لتجاهل هذه الإرادة الشعبية أو التعامل معها كعامل ثانوي في المقاربات السياسية والدولية لن تؤدي إلى الاستقرار، بل ستعيد إنتاج الأزمات بأشكال أكثر تعقيدا. فقد أثبتت التجارب السابقة أن الحلول الجزئية والتسويات الهشة لا تصنع سلاما، وأن تجاوز إرادة الشعوب لا يؤسس إلا لصراعات مؤجلة.
اليوم يقف الجنوب العربي أمام لحظة تاريخية فاصلة، تتقدم فيها الإرادة الشعبية على ما سواها، ويصبح فيها خيار استعادة الدولة حقيقة سياسية لا يمكن إنكارها أو تجاوزها وإنها معركة وعي وإرادة قبل أن تكون معركة تفاوض، ومعركة حق قبل أن تكون معركة مصالح، وفي مثل هذه اللحظات، تثبت حقيقة واحدة أن إرادة الشعوب لا تُقهر، ومن يمتلك إرادته يمتلك مستقبله.