4مايو/تحليل: د . يحيى شايف ناشر الجوبعي
أ- المقدمة :
١-الأهمية :
تنبع أهمية هذه الدراسة من كونها تتناول إحدى أخطر القضايا المرتبطة بالأمن القومي الجنوبي والخليجي والعربي والمتمثلة في الدعوات المطالبة بسحب القوات المسلحة الجنوبية من الجنوب وما تحمله هذه الدعوات من أبعاد سياسية وأمنية تهدد استقرار الجنوب والمنطقة والعالم .
٢-الأهداف :
تهدف الدراسة إلى كشف الخلفيات الحقيقية لمسرحية الانسحاب وتحليل طبيعة الصراع الجنوبي - الشمالي وبيان دور القوات المسلحة الجنوبية في حماية الجنوب من الإرهاب .
٣-أسباب اختيار الموضوع .
جاء اختيار الموضوع نتيجة تصاعد الخطاب السياسي الموجه ضد القوات المسلحة الجنوبية بقيادة الأخ الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي والقائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي ولمحاولات إعادة إنتاج الهيمنة الشمالية اليمنية بأدوات سياسية-إعلامية.
٤-المشكلة.
تتمثل مشكلة البحث في فهم طبيعة الدعوات المطالِبة بانسحاب القوات المسلحة الجنوبية وهل تمثل مطلبا وطنيا مشروعا أم أداة لإعادة الاحتلال اليمني بصيغة جديدة
٥- الفرضيات :
تنطلق الدراسة من فرضية مفادها أن هذه الدعوات تمثل غطاء سياسيا لقوى شمالية معادية للجنوب وتسعى لتفكيك منجزاته العسكرية والأمنية .
٦- المنهج :
تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي مع الاستفادة من روح المناهج كلها.
ب- المدخل :
تنطلق هذه الدراسة من فرضية أساسية مفادها أن المطالبة بسحب القوات المسلحة الجنوبية من حضرموت والمهرة لا تمثل مطلبا سياديا مشروعا ، بل تعكس محاولة لإعادة فتح مسارات كانت تستخدم سابقا في تهريب الأسلحة والمخدرات والأموال إلى صنعاء مما مكن جماعة الحوثي بدعم مباشر أو غير مباشر من جماعة الإخوان من تعزيز قدراتها العسكرية وتهديد أمن الجنوب العربي والخليج والأقليم والملاحة الدولية .
ج- تحليل نقاط الدراسة:
أولًا : مسرحية انسحاب القوات الجنوبية من الجنوب .
من منظور نظريات الأمن يعد الانسحاب إجراء يطلب من قوة غير شرعية أو قوة احتلال غير أن القوات المسلحة الجنوبية التي حررت محافظتي حضرموت والمهرة الجنوبيتين جاءت عقب عمليات تحرير أمنية أنهت وجود التنظيمات الإرهابية الإخوانية والحوثية وأغلقت مساحات كانت تدار خارج سلطة المجتمع المحلي الجنوبي .
ولهذا فإن توصيف مطلب الانسحاب هو بمثابة مسرحية هزلية لانه لا ينطبق على شروط الانسحاب المفاهيمية، بل يستخدم كأداة سياسية لإفراغ المحافظتين من قوة جنوبية محلية فاعلة وإعادة إخضاعهما لنفوذ قوى احتلال شمالية فقدت السيطرة بفعل النجاحات الأمنية للقوات المسلحة الجنوبية وهو ما اتضح جليا للرأي العام في محافظتي حضرموت والمهرة خاصة والجنوب عامة كما أن ذلك الأمر أصبح مكشوفا لدى حلفائنا في دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة ودولة الإمارات العربية الشقيقة ٠
ثانيًا: حضرموت والمهرة في استراتيجية الإرهاب الإخواني والحوثي:
مثلت حضرموت والمهرة خلال مراحل سابقة بيئة رخوة استغلتها التنظيمات الإرهابية الإخوانية والحوثية لأغراض متعددة من أبرزها :
١-الاستغلال الغير قانوني للثروات النفطية والموارد الاقتصادية.
٢-استخدام المنافذ البرية والبحرية في تهريب الأسلحة والمخدرات.
٣-تحويل حضرموت والمهرة إلى ممرات خلفية لتغذية الحرب في صنعاء .
٤-بناء شبكات نفوذ أمنية واقتصادية موازية للدولة والمجتمع.
ولذلك فقد أسهم هذا الواقع في تمكين الحوثيين من توسيع عملياتهم العسكرية لاستهداف الجنوب العربي ودول الخليج وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر العربي وخليج عدن .
ثالثًا : دور القوات المسلحة الجنوبية في المحافظتين الجنوبيتين
شكل انتشار القوات المسلحة الجنوبية في حضرموت والمهرة نقطة تحول أمنية ومفصلية تمثلت في الآتي :
١- تفكيك البنى الإرهابية الإخوانية والحوثية التي نشطت بالمحافظتين
٢-تجفيف مصادر التمويل الناتجة عن التهريب والاقتصاد غير المشروع.
٣-إغلاق الممرات الحدودية والداخلية المستخدمة في نقل السلاح والمخدرات٠
٤-تعزيز السيطرة الأمنية على السواحل والمنافذ الاستراتيجية٠
٥-حماية الثروات المحلية من النهب وعدم توظيفها في الصراع .
وبذلك تجاوز الدور الأمني للقوات الجنوبية البعد المحلي الجنوبي ليصبح عنصرًا فاعلًا في منظومة الأمن الخليجي والإقليمي والدولي .
رابعًا: الأبعاد الإقليمية والدولية لاستهداف القوات الجنوبية.
إن محاولات قوى الإرهاب الإخوانية والحوثية الهادفة إلى إضعاف الوجود الأمني الجنوبي في حضرموت والمهرة لا يهدد الجنوب وحده بل يفتح المجال أمام الخيارات الآتية :
١-إعادة تمكين الحوثيين من مصادر دعم لوجستي
٢-تصاعد التهديد الأمني لدول الخليج العربي.
٣-تعطيل الملاحة الدولية في أحد أهم الممرات البحرية العالمية.
٤-الإضرار بالمصالح الاقتصادية والطاقة العالمية برمتها.
ولهذا نلحظ بأن كل هذه الخيارات تتناقض مع أولويات الأمن الخليجي والإقليمي ومع الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
خامسًا: قراءة نقدية للمطالبات الصادرة عبر الشرعية.
تظهر هذه الدراسة أن الخطاب الصادر عبر ما يُسمّى بالشرعية لا يستند إلى تقييم أمني موضوعي بل يعكس محاولة لإعادة تدوير النفوذ الإخواني- الحوثي في محافظات الجنوب المحرر ٠
ولهذا فالمطالبة بسحب القوات المسلحة الجنوبية من الجنوب بعد أن أثبتت فاعليتها في تحرير المحافظتين من قوى الإرهاب الحوثية والإخوانية لا يعني سوى الدعوة لعودة قوى الشمال اليمني الإرهابية لتحل محل قوى الجنوب العربي الداعية للسلام وهو ما يتنافى مع مبادئ بناء السلام الإقليمي والدولي أو إدارة المراحل الانتقالية ٠
د- النتائج :
وصلت الدراسة إلى عدة نتائج أبرزها الآتي :
١-تبين أن حضرموت والمهرة كانتا قبل التحرير بمثابة جزءا من منظومة دعم الإرهاب الإخواني الحوثي .
٢-أثبتت القوات المسلحة الجنوبية قدرتها على إغلاق مسارات التهريب والإرهاب.
٣-كشفت الدراسة أن مطالب الانسحاب تخدم مصالح قوى الإرهاب في شمال اليمن .
٤-أكدت النتائج أن الأمن الجنوبي يشكل ركيزة للأمن الخليجي والعربي والإقليمي والدولي.
٥-خلصت الدراسة إلى أن أي انسحاب للقوات المسلحة الجنوبية سيعيد إنتاج التهديدات السابقة بشكل انتقامي أكثر ضراوة وفتكا بالمصالح الخليجية والإقليمية والدولية٠
ه- التوصيات :
خلصت هذه الدراسة إلى العديد من التوصيات أبرزها الآتي :
١-رفض مسرحية انسحاب القوات المسلحة الجنوبية من حضرموت والمهرة لأن البديل هو الإرهاب بدليل عدم قدرة أي قوة أخرى في تحرير حضرموت والمهرة من الإرهاب الحوثي والإخواني في مراحل ما قبل تحريرهما من قبل القوات الجنوبية .
٢-ضرورة تعزيز الوجود الأمني الجنوبي في المنافذ البرية والبحرية.
٣-دعم التعاون الإقليمي والدولي في مكافحة التهريب والإرهاب.
٤-حماية الثروات المحلية وعدم تركها للعابثين ٠
٥-فضح شبكات التهريب المرتبطة بالإخوان والحوثيين.
٦-ربط أي تسوية سياسية بحق الجنوب في تقرير مصيره السيادي .
٧-تشجيع الدراسات المتخصصة في أمن الممرات الاستراتيجية.
٨-ربط أمن محافظات الجنوب المحرر ولاسيما محافظتي حضرموت والمهرة وكل محافظات الجنوب المحرر بمنظومة الأمن الخليجي والعربي والإقليمي والدولي .
٩-تعزيز دور القوات المسلحة الجنوبية
١٠-تحصين الخطاب الجنوبي من التضليل.
١١-تعزيز الشراكات مع الدول الخليجية والإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب .
١٢-تطوير العقيدة العسكرية الجنوبية.
و- الخاتمة :
تؤكد هذه الدراسة أن المطالبة بسحب القوات المسلحة الجنوبية من حضرموت والمهرة ليست مطلبًا بريئا أو إداريا بل تمثل محاولة لإعادة فتح خطوط الإرهاب والتهريب التي ألحقت أضرارا جسيمة بالجنوب والخليج والإقليم والعالم
وعليه فإن الحفاظ على الوجود الأمني الجنوبي يعد ضرورة استراتيجية لا غنى عنها لحماية الاستقرار الخليجي والعربي والإقليمي والمصالح الدولية بشكل عام .
* باحث أكاديمي ومحلل سياسي