4 مايو/ البيان/ ياسر قاسم
منذ انقلاب 30 يونيو 1989، دخل السودان حقبة سياسية مُظلمة تحت حكم "الإخوان" أو "الكيزان" كما يسميهم الشعب السوداني ، وعلى مدى ثلاثة عقود، أعاد نظام عمر البشير تشكيل الدولة وفق مشروع أيديولوجي مغلق، قائم على تسييس الجيش، وتفكيك المؤسسات المدنية، وتمكين شبكات اقتصادية وأمنية مرتبطة بـ "الإخوان".
تحوّل السودان في تلك الفترة إلى دولة محاصرة دولياً، ممزقة بالحروب الداخلية، ومسرحاً لشبكات التطرف وتهريب السلاح.
سقط البشير في أبريل 2019 بعد ثورة ديسمبر 2018، لكن نظام الإنقاذ لم يسقط فعلياً؛ إذ بقيت شبكة "الإخوان" متغلغلة في الجيش والأمن والاقتصاد، ما جعل مسار الانتقال السياسي هشّاً، ومهد الطريق لانفجارات لاحقة.
مجزرة 3 يونيو… انكشف فيها الصراع الحقيقي
بعد أشهر من الثورة، شكّل اعتصام القيادة العامة رمزاً لتحول تاريخي. لكن في 3 يونيو 2019، تم فض الاعتصام بعنف مروّع، قُتل فيه المئات من المتظاهرين السلميين.
اتُّهمت قوى داخل المؤسسة العسكرية والأمنية المرتبطة بـ "الإخوان" بتدبير العملية بهدف إجهاض التحول المدني ومنع انتقال السلطة إلى قوى الثورة.
كانت المجزرة نقطة تحول مفصلية، إذ كشفت أن معركة السودانيين ليست مع شخص البشير، بل مع منظومة كاملة بُنيت خلال 30 عاماً.
انقلاب أكتوبر 2021… عودة الدولة الموازية
في 25 أكتوبر 2021، نفّذ عبد الفتاح البرهان انقلاباً أطاح بالشراكة الانتقالية.
انقلابٌ اعتبره مراقبون محاولة واضحة لإعادة تمكين رموز النظام السابق، مع عودة وجوه "الإخوان" إلى الواجهة وتمدّد نفوذ ضباط محسوبين عليهم داخل الجيش.
أدرك نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أن الانقلاب استُخدم لإعادة إنتاج حكم "الإخوان" بنسخة جديدة، وهنا بدأت التناقضات داخل السلطة العسكرية تتسع.
حرب أبريل 2023… انفجار إرث "الإخوان"
في أبريل 2023، اندلعت الحرب بين الجيش والدعم السريع، لتدخل البلاد أخطر مراحلها.
ورغم تعدد التفسيرات، يتفق كثيرون على أن جذور الحرب مرتبطة بمحاولة "الإخوان" استعادة السيطرة عبر الجيش، ورفض قوى مسلحة أخرى لهذا المسار، النتيجة كانت كارثية:
دمار واسع في الخرطوم وولايات أخرى، ونزوح ملايين السكان، وانهيار مؤسسات الدولة.
"الإخوان".. الحاضر الغائب في كل أزمة
ورغم تبدل المشهد السياسي، لا تزال شبكة "الإخوان" تمتلك:
• نفوذاً داخل الجيش والأمن
• شبكات مالية ضخمة
• مراكز إعلامية مؤثرة
• علاقات إقليمية ممتدة
ويحاول "الإخوان" اليوم استغلال الحرب لإعادة تدوير أنفسهم سياسياً، وتقديم خطاب يربط بين “حماية الدولة” و”عودة الجيش إلى السلطة”، رغم أن التجربة أثبتت أن معظم الانقسامات الراهنة هي نتاج هيمنتهم على المؤسسات لثلاثة عقود.
منعطف خطير يهدد السودان
يقف السودان اليوم أمام مفترق طرق تاريخي: إما الخروج من دائرة الانقلابات وحكم الشبكات الأيديولوجية وتحقيق حكومة مدنية تلبي طموحات الشعب بعيدا عن حكم العسكر ، وإما البقاء في براثين العنف ودفع الشعب فاتورة الحرب، فأي عملية سياسية لا تُنهي نفوذ "الإخوان" وألاعيبهم ستعيد إنتاج المأساة.