4 مايو/ عبدالكريم أحمد سعيد
زيارة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي إلى موسكو في أكتوبر 2025 تمثل محطة سياسية ودبلوماسية بارزة، تعكس انتقال الجنوب إلى مستوى جديد من الحضور الدولي الفاعل. فاللقاءات التي جمعت الرئيس الزبيدي بكل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، جاءت لتؤكد أن الجنوب بات رقما صعبا في معادلة الحل باليمن، وأن تجاهل إرادة شعبه لم يعد ممكناً في أي تسوية قادمة.
تحمل الزيارة أبعاداً سياسية واستراتيجية واضحة، إذ تعكس انفتاح الجنوب على القوى الدولية وفق رؤية متوازنة، تسعى إلى بناء شراكات قائمة على المصالح المتبادلة لا على التبعية. وفي المقابل، فإن موسكو تدرك أهمية الجنوب في أمن البحر العربي وباب المندب، وتسعى لتعزيز حضورها في هذه المنطقة الحيوية بما ينسجم مع استراتيجيتها الدولية في مجالي الطاقة والممرات البحرية.
اقتصادياً، يفتح اللقاء مع الجانب الروسي آفاقا جديدة للتعاون في قطاعات الطاقة والثروة السمكية والبنية التحتية، ويمثل توجها نحو تنويع الشركاء الاستراتيجيين وتوسيع دائرة الاستثمار، في وقت يحتاج فيه الجنوب إلى إعادة بناء اقتصاده على أسس حديثة ومتوازنة. هذا الانفتاح الاقتصادي لا ينفصل عن البعد السياسي للزيارة، بل يشكل أحد أدوات ترسيخ الحضور الجنوبي في البيئة الإقليمية والدولية.
كما تبرز الزيارة بعداً سيادياً مهماً، فهي تظهر الجنوب كطرف يمتلك رؤية مستقلة في صياغة علاقاته الخارجية، دون أن يتناقض ذلك مع التزاماته ضمن الإطار التفاوضي الحالي. فالمجلس الانتقالي الجنوبي يمارس اليوم دبلوماسية مسؤولة تستند إلى الواقعية السياسية، وتسعى إلى كسب دعم دولي لقضية عادلة تتصل بحق تقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية على كامل ترابها الوطني.
ختاما، تمثل زيارة الرئيس الزبيدي إلى موسكو خطوة متقدمة في مسار بناء حضور دولي متوازن للجنوب، وتعكس نضجاً سياسياً ودبلوماسياً يؤهل الجنوب ليكون شريكا فاعلا في صياغة مستقبل المنطقة. إنها رسالة بأن لا سلام مستقر في اليمن والمنطقة دون حل عادل لقضية شعب الجنوب، يضمن تطلعاته المشروعة في الحرية والسيادة وبناء دولته المستقلة.