الخميس - 04 سبتمبر 2025 - الساعة 03:50 م بتوقيت عدن ،،،
4 مايو / محمد الزبيري
في زمنٍ تتقاذفه الأزمات وتتعدد فيه التحديات، يبقى الاستثمار في الإنسان هو الرهان الحقيقي لأي شعب يسعى للنهوض والخروج من دوامة الصراعات والركود.
وفي الجنوب الذي عانى لعقود طويلة من الحرمان الممنهج والتهميش المتعمد، يشرق اليوم فجر جديد يضع التعليم في صدارة الأولويات الوطنية، بوصفه حجر الأساس في مشروع الدولة الجنوبية الحديثة.
الأربعاء الموافق ٣ سبتمبر، لم يكن يومًا عاديًا في وجدان الجنوبيين، بل تحول إلى موعد تاريخي يؤرخ لانطلاقة دفعة جديدة من أوائل طلاب الثانوية العامة نحو فضاءات العلم والمعرفة، عبر بوابة المنح الدراسية التي قدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة.
في نظر الشعب الجنوبي هذه المنح ليست مجرد تذاكر سفر نحو جامعات مرموقة، بل هي جسور أمل تمتد من شواطئ عدن والمكلا والمهرة ولحج وأبين إلى مدرجات الجامعات الإماراتية، حيث تلتقي الطموحات الفردية بالرؤية الوطنية.
برعاية الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، تتأكد حقيقة أن التعليم هو المعركة المصيرية التي يخوضها الجنوب من أجل مستقبله، جنبًا إلى جنب مع معركة الدفاع عن الأرض والهوية حيث يشدد الرئيس على أهمية التعليم ومحوريته في بناء دولة جنوبية حديثة ومستدامة.
*الإمارات شريك الجنوب في التنمية البشرية
تُظهر خطوة ابتعاث مئة طالب وطالبة من مختلف محافظات الجنوب إلى دولة الإمارات، مدى إدراك القيادة السياسية الجنوبية وحلفائها الاستراتيجيين لقيمة الاستثمار في الإنسان كأعلى أشكال الاستثمار.
فهؤلاء الطلاب الذين تم اختيارهم بعناية ليكونوا من الأوائل والمتفوقين، يمثلون اللبنة الأولى في مشروع علمي وتنموي متكامل، حيث سيعودون بعد سنوات من التحصيل الأكاديمي وهم يحملون خبرات ومعارف تخصصية في مجالات حيوية كالطب والهندسة والتقنية الحديثة والإدارة والعلوم الإنسانية.
هذه الكفاءات المنتظرة لن تقتصر أدوارها على العمل في المؤسسات المحلية، بل ستكون القوة المحركة لأي مشروع إصلاحي وتنموي في الجنوب. ومن خلال هذه الخطوة، تعيد الإمارات تجسيد التزامها الثابت تجاه الشعب الجنوبي، ليس فقط بالدعم الميداني والإغاثي، بل عبر تأسيس نهضة تعليمية حقيقية تعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تدرك أن الأمم لا تُبنى بالموارد المادية فقط، بل بالعقول المتعلمة والطاقات البشرية المؤهلة.
وهو ما يجعل هذه المبادرة التعليمية استمرارًا لسلسلة طويلة من الدعم الإماراتي الذي شمل البنية التحتية، الصحة، الخدمات، والأمن، لتأتي اليوم مرحلة التعليم كأهم استثمار يضمن استدامة الإنجازات.
*صناعة قادة مستقبل الجنوب
إن مغادرة هذه الكوكبة من الطلاب الجنوبيين نحو الإمارات لا يمكن قراءتها فقط كحدث تعليمي، بل هي أيضًا مؤشر على بداية تحول استراتيجي في بنية المجتمع الجنوبي، من مجتمع كان ضحية للتهميش والإقصاء لعقود طويلة إلى مجتمع يعيد تشكيل ذاته عبر أبنائه المتعلمين.
كل طالب من هؤلاء هو مشروع قائد في مجاله، ورافعة معرفية تساهم في صياغة مستقبل وطن بأكمله.
كما أن هذه المنح التعليمية تحمل أبعادًا إنسانية وثقافية عميقة، إذ تشكل جسور تواصل حضاري بين الشعبين الجنوبي والإماراتي، وتؤسس لعلاقات تتجاوز السياسة لتصل إلى مستوى التلاحم الإنساني والثقافي. وهو ما يرسخ قيم الأخوة الحقيقية ويعيد صياغة مفهوم الشراكة ليصبح شراكة في بناء العقول، لا في تبادل المصالح فقط.
وبإشراف مباشر من الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، يتضح أن هذه الخطوة ليست حدثًا عابرًا، بل هي جزء من استراتيجية أشمل تستهدف تمكين الشباب وإعدادهم ليكونوا عماد الدولة الجنوبية القادمة، ومهندسي مشروعها الوطني الكبير.
*بعد سياسي يعزز الشراكة الاستراتيجية
لا يمكن فصل هذا الحدث التعليمي عن السياق السياسي العام، فالعلاقات الجنوبية – الإماراتية لم تتشكل في فراغ، بل جاءت نتيجة تحالف استراتيجي أثبت نجاحه في مختلف الميادين.
الدعم التعليمي اليوم هو امتداد طبيعي لذلك التحالف الذي بدأ عسكريًا وأمنيًا، ثم تحول إلى شراكة سياسية وتنموية.
إن المنح الدراسية تعكس رؤية الإمارات في تعزيز استقرار الجنوب عبر تمكين شبابه بالعلم والمعرفة، وهي رسالة واضحة بأن أبوظبي تنظر إلى الجنوب كشريك مستقبلي قادر على النهوض بدوره الإقليمي.
ومن جانب آخر، يؤكد الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي من خلال رعايته المباشرة لهذه الخطوة أن مشروعه السياسي لا يقتصر على إدارة الحاضر فحسب، بل يتعداه إلى بناء قاعدة مستقبلية متينة قائمة على الشباب المؤهل علميًا. وهذا ما يعطي للحدث بعدًا سياسيًا يتجاوز اللحظة الآنية ليشكل لبنة في مشروع الدولة الجنوبية المنشودة.
*بعد إنساني وتنموي
البعد الإنساني لهذه المنح الدراسية يكمن في إعادة الاعتبار لشباب الجنوب الذين طالما حُرموا من فرص التعليم النوعي في ظل عقود من التهميش والإقصاء.
فاليوم، يجد هؤلاء الطلاب أنفسهم أمام أبواب مفتوحة لجامعات مرموقة، في فرصة تساوي في قيمتها حياة جديدة على الصعيدين الشخصي والمجتمعي.
أما على المستوى التنموي، فإن هذه المبادرة تمثل نقطة انطلاق لمسار جديد من التنمية البشرية، حيث تترجم الإمارات دعمها للجنوب ليس فقط من خلال مشاريع الطرق والكهرباء والمستشفيات، بل عبر بناء الإنسان الذي سيقود هذه المشاريع ويضمن استدامتها. وهكذا، يصبح التعليم أداة لتحرير المجتمع الجنوبي من قيود الفقر والجهل، ووسيلة لتمكين الشباب ليكونوا فاعلين أساسيين في معركة البناء والتنمية.
*الإمارات.. رائدة بناء الإنسان
أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة أنها شريك حقيقي للجنوب ليس فقط في ميادين الإغاثة أو إعادة الإعمار، بل في ميادين أكثر عمقًا واستدامة تتعلق بالإنسان نفسه، وعلى رأسها التعليم.
ومن خلال المنح الدراسية النوعية التي تقدمها لأوائل طلاب الثانوية العامة في الجنوب، تفتح الإمارات أبوابًا واسعة أمام الشباب الجنوبي للانطلاق نحو آفاق معرفية وعلمية متقدمة، بما يعكس إدراكها لأهمية بناء الكوادر البشرية المؤهلة كشرط أساسي لتحقيق النهضة والتنمية.
هذه المبادرات لم تكن مجرد مساعدات آنية أو خطوات بروتوكولية، بل هي رؤية استراتيجية تؤسس لمسار جديد يضع العقول الجنوبية في موقع القوة والتأثير وقد أدركت الإمارات أن الاستثمار في التعليم هو أكثر أشكال الدعم استدامة، لأنه يضمن خلق جيل قادر على مواصلة مشروع البناء والتطوير بوعي ومسؤولية، وهو ما يجعلها اليوم رائدة في مساندة الجنوب عبر هذا البعد الإنساني والحضاري الراقي.
*الرئيس الزُبيدي..التعليم في قلب المشروع الوطني
يظهر اهتمام القيادة الجنوبية ممثلة بالرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي واضحًا وجليًا في هذا الملف المصيري، إذ يولي التعليم وتنمية الكوادر الشبابية أولوية قصوى ضمن مشروعه السياسي والوطني لبناء الدولة الجنوبية الحديثة. فالرئيس الزُبيدي، الذي رأى بعينيه كيف قام الاحتلال اليمني بتدمير التعليم في الجنوب وحرمان الشباب في الجنوب من التعليم النوعي خلال عقود التهميش السابقة، يدرك أن أي مشروع سياسي أو اقتصادي لن يكتب له النجاح ما لم يكن التعليم في صدارة أولوياته.
من هذا المنطلق جاءت رعايته المباشرة ومتابعته الدقيقة لملف المنح الدراسية المقدمة من دولة الإمارات، باعتبارها خطوة عملية لترجمة رؤيته في تمكين الشباب وتأهيلهم ليكونوا قادة المستقبل ومهندسي النهضة المرتقبة.
لا يقتصر هذا الاهتمام على الجانب الأكاديمي فقط، بل يتجاوز ذلك إلى صياغة استراتيجية شاملة تستهدف إعادة الاعتبار للإنسان الجنوبي، ومنحه الأدوات العلمية والمعرفية التي تمكنه من النهوض بوطنه ليبرهن الزُبيدي أن رهانه الأكبر هو على جيل جديد من الكفاءات العلمية، يضع على عاتقه مهمة مواصلة مسيرة التحرر والبناء، وتحويل الحلم الجنوبي إلى واقع ملموس.
*البعد استراتيجية العلاقات الجنوبية – الإماراتية
لا تقتصر العلاقات الجنوبية – الإماراتية على بعدها السياسي أو الانساني فحسب، بل تمتد بجذورها لتغوص عميقًا في البعد الإستراتيجي الذي يمثل الأساس الصلب لهذه الشراكة.
تجسدت الأخوة الحقيقية والعلاقات المتينة في المواقف الإماراتية المتكررة تجاه الجنوب منذ اللحظات الأولى لانطلاق معركة التحرير وحتى اليوم، حيث لم تترك الإمارات الشعب الجنوبي يواجه مصيره منفردًا، بل كانت السند والعون في أصعب الظروف.
لقد شهد الجنوب على مدى السنوات الماضية سلسلة من المبادرات الإماراتية التي حملت طابع الاستمرارية والتكامل، ولم تكن مجرد رد فعل على حدث استثنائي أو ظرف مؤقت.
فمن تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة في أوقات الكوارث والأزمات، إلى إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة، مرورًا بدعم القطاع الصحي عبر تجهيز المستشفيات وتسيير القوافل الطبية، ووصولًا إلى دعم التعليم عبر المنح الدراسية النوعية، برهنت الإمارات أنها شريك دائم لا يغيب حضوره عن أي ميدان من ميادين الحياة الجنوبية.
تتجلى قيمة هذا الدعم في كونه ليس محصورًا بمشاريع آنية محدودة، بل يتسم بالاستمرارية والرؤية المستقبلية الواضحة. فالمبادرات التعليمية، على سبيل المثال، ليست سوى امتداد طبيعي لمسار طويل من الدعم بدأ بإعادة بناء المدارس وتوفير المعدات التعليمية، ثم تطور ليصل إلى منح جامعية تؤسس لجيل جديد من الكفاءات.
وبالمثل، لم يقتصر الدعم الصحي على الاستجابة السريعة للأوبئة والأزمات، بل شمل بناء قدرات القطاع الطبي وتأهيل الكوادر.
إن هذا النهج يعكس رؤية إماراتية تعتبر الجنوب شريكًا متكاملًا في معركة الاستقرار الإقليمي، وشعبًا يستحق كل أشكال الإسناد والتمكين. وهو ما يمنح العلاقات الجنوبية – الإماراتية بعدها الإنساني المتجدد، المبني على قيم الأخوة والتضامن، بعيدًا عن المصالح الضيقة أو الحسابات العابرة. وبذلك تصبح هذه العلاقة نموذجًا ملهِمًا في المنطقة لكيف يمكن للتحالفات أن تتجاوز الطابع السياسي لتتحول إلى روابط إنسانية راسخة تعيش في وجدان الشعوب.