اخبار وتقارير

الثلاثاء - 23 ديسمبر 2025 - الساعة 06:21 م بتوقيت عدن ،،،

4مايو/تحليل:د. يحيى شايف الجوبعي


أ-المقدمة

١-أهمية البحث
تتجلى أهمية البحث في كونه يعالج قضية مركزية في الدراسات السياسية الحديثة وهي إشكالية بناء الدولة مقابل إعلانها مع التركيز على الحالة الجنوبية .
تعكس هذه القضية بعض التعالقات بالهوية والسلطة والاعتراف الدولي وتتيح فهماً معمقا للشروط الضرورية لبناء دولة مستقرة وقادرة على الصمود في بيئات تتعالق فيها التجاذبات والاستقطاب الإقليمية والدولية .
٢-أهداف البحث
يهدف البحث إلى تحقيق الآتي :
أ-تحليل مفهوم الدولة كمؤسسة قبل أن تكون حدثا سياسيا.
ب-دراسة الفارق بين تثبيت الدولة وإعلانها في السياق الجنوبي .
ج-تحديد الشروط المؤسسية والسياسية والأمنية والاقتصادية اللازمة لبناء دولة قابلة للبقاء.
د-تقييم أثر التنظيم الداخلي على فرص الاعتراف الإقليمي والدولي .
ه‍-تقديم إطار عملي وصياغة توصيات لصانعي القرار حول إدارة مشروع الدولة .
٣-أسباب اختيار الموضوع .
اختير الموضوع نظرا لحالة الجدل السياسي المستمرة حول توقيت إعلان الدولة الجنوبية وملاحظة أن العديد من المشاريع السابقة التي استعجلت الإعلان انتهت إلى سلطة مؤقتة أو هشة.
-يساهم البحث في سد الفجوة المعرفية حول العلاقة بين التثبيت الداخلي وبين الاعتراف الدولي .
-يقدم البحث نموذجا تحليليا لمشاريع بناء الدولة في بيئات النزاع.
٤-مشكلة البحث
تتمثل مشكلة البحث في السؤال الرئيسي :
إلى أي مدى يمكن لمشروع الدولة الجنوبية أن يحقق الاستدامة السياسية دون المرور بمرحلة تثبيت مؤسسي شامل يسبق الإعلان الرسمي والاعتراف الدولي؟
٥-فرضيات البحث
-الإعلان المبكر عن الدولة دون تثبيت مؤسسي يؤدي إلى هشاشة السلطة واستمرارية مؤقتة فقط.
-الانضباط السياسي والمؤسسي يعزز فرص الاعتراف الدولي الضمني .
-المؤسسات القوية والمتكاملة تسبق ممارسة السيادة الفعلية .
-الأمن والاقتصاد المنظمان يمثلان معيارا أساسيا لجدية المشروع الوطني .
٦-منهج البحث
يعتمد البحث على المنهج الوصفي التحليلي مع الاستفادة من روح المناهج كلها .

ب-المدخل التمهيدي

تعتبر الدولة أحد أهم المفاهيم السياسية وأكثرها غموضا في الدراسات الحديثة.
فالخطاب السياسي وحده لا يكفي لبناء دولة، إذ لا يمكن اختزال الدولة في الرموز أو الشارات ، بل يجب النظر إليها كبنية مؤسساتية تمتلك القدرة على احتكار القرار العام وإدارته بشكل مستدام .
ومن هذا المنطلق يعد تثبيت الدولة الجنوبية اختبارا حقيقيا للفصل بين منطق الحركة السياسية ومنطق الدولة، وبين الرغبة السياسية ومتطلبات الواقع الإقليمي والدولي .

ج- تحليل نقاط البحث

أولًا :تثبيت معنى الدولة.

الدولة ليست مجرد علم أو خطاب ، بل احتكار منظم للقرار العام ، إذ يعد هذا المبدأ أول اختبار لأي مشروع دولة ناجحة .
ولهذا فالانضباط السياسي في هذه المرحلة يمثل قيمة استراتيجية بالغة.
لأن خطاب القيادة الذي يطمئن الداخل والخارج ليس ترفا دبلوماسيا ، بل أداة لضبط الإيقاع الداخلي ومنع تحويل المشروع إلى حالة احتجاج دائم .
ولهذا فالاعتراف الدولي هنا لا يطلب صراحة ، بل يستحضر ضمنيا عبر خطاب يلتزم بلغة النظام الدولي ويظهر الجدية والقدرة على الحكم دون استفزاز أو مواجهة .
هذه المرحلة أساسية لضمان أن يكون المشروع قاعدة للبناء المستدام لا مجرد شعارات سياسية ٠

ثانيًا : تثبيت السلطة بوصفها وظيفة لا رمزا

السلطة التي لا تمارس يوميا تتحول إلى مجرد شعار وتثبيت الدولة يبدأ عندما تتحول القيادة السياسية من ممثل للقضية إلى مدير فعلي للشأن العام من خلال القيام بالآتي :
-تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين
-اتخاذ القرارات اليومية
-مساءلة المسؤولين
-تنظيم التسلسل الإداري
ففي هذا الإطار يصبح التفاعل الخارجي معيارا صامتا للنجاح .
فحين تتعامل العواصم الكبرى مع القيادة الجنوبية كجهة مسؤولة ، لا كمجرد حركة مطلبية ، فهذا دليل على أن التثبيت الداخلي يسير في الاتجاه الصحيح . بمعنى آخر أن ممارسة السلطة اليومية بانتظام وشفافية تعزز المصداقية وتقلل الاعتماد على الشعارات السياسية أو المناشدات الدولية.

ثالثًا: تثبيت المؤسسات قبل تثبيت السيادة .

السيادة التي لا تحملها مؤسسات مستقلة سرعان ما تسقط عند أول اختبار ، لأن الدولة التي تبنى على الأشخاص لا تصمد بعد رحيلهم .
ولهذا فتثبيت القضاء ، والمالية العامة ، والإدارة المحلية ليس مجرد شأن داخلي ، بل رسالة سياسية للآخرين بأن الجنوب لا يطلب استثناء من قواعد الدولة الحديثة بل يلتزم بها .
ولهذا فالمؤسسات القوية تضمن استمرارية الدولة وتفصل بين القيادة والأجهزة وتخلق قدرة على مواجهة الأزمات سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أمنية .
لأن الاعتراف الدولي غالبا ما يكون نتيجة تنظيم داخلي محكم .

رابعا:تثبيت الأمن كشرط للثقة لا كوسيلة للضغط.

الأمن في منطق الدولة وظيفة مدنية لا حالة تعبئة عسكرية أو وسيلة ضغط على الداخل والخارج .
ولهذا يلحظ بأنه كلما اقتربت المنظومة الأمنية من هذا التعريف ، ابتعد المشروع عن شبح التصنيف والتدويل السلبي ، لأن الانضباط الأمني يمنع الخصوم من استغلال الفوضى لتشويه المشروع ويزيد ثقة المجتمع الدولي في القدرة على إدارة الدولة بشكل سليم ، لأن الأمن المنظم لا يخدم الداخل فقط ، بل يعزز قدرة الدولة على التفاوض وإدارة علاقاتها الخارجية بشكل هادئ واستراتيجي

خامسًا : تثبيت الاقتصاد بوصفه اختبار الجدية .

الدولة التي لا تنتج ولا تنظم مواردها تظل رهينة السياسة والأزمات ولذلك فتثبيت الاقتصاد لا يقاس في حجم الموارد الطبيعية فقط ، بل في طريقة إدارتها من خلال تحقيق الآتي :
الشفافية والشراكات الاقتصادية وانتظام الحسابات المالية وكفاءة المؤسسات الاقتصادية .
فحين ينظر الخارج إلى الجنوب كسوق منضبط ومنطقة إدارة اقتصادية مستقرة تكون الدولة قد قطعت شوطا بعيدا في تثبيتها الفعلي حتى قبل أي إعلان سياسي رسمي .
لأن الاعتراف الاقتصادي غالبا يسبق السياسي كونه أقل صخبا وأكثر صدقا .

سادسا : تثبيت الموقع الإقليمي قبل طلب المقعد الدولي .

لا يمكن لأي دولة أن تنشأ بمعزل عن محيطها الإقليمي ولهذا فتثبيت العلاقات مع المملكة العربية السعودية الشقيقة ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة ، والشركاء الإقليميين ليس تنازلا عن المشروع ، بل شرطا استراتيجيا لحمايته ، لأن التريث في هذه المرحلة يعد بمثابة تكتيك سياسي ووقت لإظهار الجدية وليس ضعفا ، على اعتبار أن التحولات الكبرى في النظام الدولي تدار لا تفرض بالقوة .
فالدولة التي تنجح في تثبيت موقعها الإقليمي تكون أكثر استعدادا للحصول على مقعد دولي مستقبلي ومصداقية أعلى .

د-نتائج البحث

١- الدولة عملية تراكمية وليست حدثا مفاجئا.
٢- الإعلان المبكر يؤدي إلى هشاشة السلطة .
٣- الانضباط السياسي شرط داخلي للاعتراف الخارجي .
٤- المؤسسات الفاعلة تسبق ممارسة السيادة .
٥- الأمن المنظم يعزز الثقة الدولية ويقلل التدخلات .
٦- الاقتصاد المنظم يرسخ الاستقلال السياسي تدريجيا.
٧- الاعتراف الدولي غالبا ما يكون نتيجة للتنظيم الداخلي لا سببا له .

ه‍- توصيات البحث

١- توحيد مركز القرار السياسي والإداري .
٢- تعزيز الفصل بين الخطاب السياسي والإدارة اليومية .
٣- الإسراع في بناء مؤسسات قضائية مستقلة.
٤- تنظيم المالية العامة وفق معايير الشفافية .
٥- تطوير الإدارة المحلية بوصفها قاعدة الدولة .
٦- إعادة تعريف الأمن كوظيفة مدنية خاضعة للمساءلة .
٧- منع تسييس الملف الأمني في الخطاب الخارجي .
٨- إعداد استراتيجية اقتصادية طويلة المدى .
٩- تشجيع الشراكات الإقليمية المنظمة ٠
١٠- اعتماد خطاب دولي غير تصادمي مع النظام العالمي .
١١- التروي في الإعلان الرسمي حتى تكتمل شروط التثبيت الواقعي .

و-الخلاصة

الدولة لا تولد بالإعلان ، بل بالتثبيت ؛ لأن الإعلان هو توصيف لواقع قائم ، والاعتراف الدولي يصبح تحصيل حاصل لا معركة سياسية مفتوحة .
ولهذا فالمشروع الجنوبي إذا التزم بتنفيذ مراحل التثبيت سيكون قادرا على بناء دولة مستقرة ودائمة .
لأن الدول التي تعيش طويلا هي التي تولد بهدوء وبتأسيس منضبط لا بعجلة أو شعارات سياسية فحسب ٠

*باحث أكاديمي ومحلل سياسي