4 مايو/ تقرير / رامي الردفاني
لم تعد قضية الجنوب العربي حبيسة السجالات السياسية الداخلية، ولا ملفا مؤجلا على طاولات التفاوض، بل باتت اليوم واحدة من أكثر القضايا حضورا في حسابات الاستقرار الإقليمي والدولي.
فالمشهد السياسي في المنطقة يشهد تحوّلا واضحا في طريقة قراءة ما يجري في الجنوب العربي، بعد أن أثبتت الوقائع أن تجاهل هذه قضية شعب الجنوب العربي لم يُنتج سوى أزمات متراكمة وصراعات مفتوحة.
وفي ظل تعقيدات المشهد اليمني وتشابك مساراته، يبرز الجنوب العربي بوصفه معادلة مختلفة؛ ليس كطرف في نزاع سلطة، بل كشعب يمتلك قضية سياسية وتاريخية واضحة وحقا مشروعا في استعادة دولته وهويته الوطنية التي جرى مصادرتها بالقوة من قبل قوات الاحتلال اليمني.
كما أن الجنوب العربي ليس جديدا على الجغرافيا ولا وليد اللحظة ومن الخطأ الفادح اختزال القضية الجنوبية في كونها حراكا سياسيا عابرا أو حالة احتجاجية مؤقتة .. فالجنوب العربي هو كيان دولة سياسي وتاريخي معروف، كان دولة مستقلة ذات سيادة، وعضوا معترفا به في الأمم المتحدة والجامعة العربية، قبل أن يتعرض لإلغاء قسري عقب حرب 1994.
ما يطالب به الجنوبيون اليوم ليس انفصالا بالمعنى القانوني المتداول، بل استعادة وضع قانوني وسياسي سابق، وتصحيح مسار تاريخي اختل بفعل القوة، وهو ما يمنح هذه القضية مشروعية قانونية وأخلاقية تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة.
كما أن الحراك الجنوبي لم يعد محصورا في نخب سياسية أو قيادات بعينها، بل تحوّل إلى إجماع مجتمعي وشعبي واسع فقد عبّرت القبائل، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاعات الاقتصادية، عن موقف موحد يدعم خيار استعادة الدولة، ويمنح التفويض السياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي بوصفه الممثل السياسي لهذا المشروع.
ان هذا الإجماع الشعبي والمؤسسي الجنوبي ، الممتد من المهرة شرقا إلى باب المندب غربا، أسقط كل الرهانات على تفكيك الصف الجنوبي أو شق وحدته، وأثبت أن ما يجري هو تعبير صريح عن إرادة شعبية راسخة، لا يمكن تجاوزها أو الالتفاف عليها.
ان تراكم التجارب السياسية خلال السنوات الماضية كشف حقيقة واحدة لا تقبل الجدل أي تسوية لا تضع تطلعات شعب الجنوب في صلب معادلتها محكومة بالفشل فالجنوبيون يمتلكون الأرض، ويملكون قوة عسكرية منظمة، وإدارة واقعية، وحاضنة شعبية صلبة، ما يجعل فرض حلول قسرية أمرا مستحيلا.
كما أن حق تقرير المصير للشعب الجنوبي مقاربة قانونية لا مغامرة سياسية مما يستند الجنوب العربي في مطالبه إلى مبادئ راسخة في القانون الدولي، تكفل للشعوب التي تعرضت للإقصاء والاضطهاد حق تقرير مصيرها والاعتراف بهذه الإرادة لا يشكل تهديدا للاستقرار، بل على العكس، يمثل استثمارا حقيقيا في السلام، ويؤسس لعلاقات مستقبلية متوازنة بين دولتين جارتين.
كما أنه لا تتوقف أهمية قيام دولة جنوبية مستقرة عند حدودها الجغرافية، بل تمتد إلى الأمن القومي العربي والمصالح الدولية لكون الجنوب العربي يشرف على واحد من أهم الممرات المائية في العالم، ويملك شريطا ساحليا استراتيجيا يمتد على البحر العربي وخليج عدن وباب المندب ووجود دولة جنوبية منظمة وقادرة يعني شريكا موثوقا في حماية الملاحة الدولية، وضمان انسياب التجارة العالمية، ومواجهة التهديدات العابرة للحدود، من قرصنة وإرهاب وتهريب.
كما أثبتت القوات المسلحة الجنوبية خلال السنوات الماضية كفاءة عالية في مواجهة التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تفكيك بؤر “القاعدة” و”داعش” في عدد من محافظات الجنوب العربي هذا الدور جعل من الجنوب عنصرا فاعلًا في معادلة الأمن الإقليمي، وشريكا موثوقا في الحرب الدولية على الإرهاب.
كما ان قيام دولة جنوبية مستقرة سيعزز هذا الدور، ويحول الجهود العسكرية من حالة المواجهة الدائمة إلى مسار مؤسسي طويل الأمد يخدم الأمن المحلي والدولي.
ما يميز المرحلة الراهنة هو انتقال الجنوبيين من مرحلة الحراك الثوري إلى مرحلة التأسيس المؤسسي. فقد نجحوا في بناء هياكل سياسية وأمنية قادرة على إدارة الواقع، وهو ما انعكس بوضوح في المليونيات الشعبية التي شهدتها عدن والمكلا وسائر مدن الجنوب، مؤكدة أن القضية شعبية جامعة وليست حراكا حزبيا.
كما يقف المجتمع الدولي اليوم أمام لحظة مفصلية: إما الاستمرار في إدارة الأزمة بعقلية الترقيع، أو الانخراط الجاد في دعم حل جذري يعترف بحق شعب الجنوب في استعادة دولته بوسائل سلمية ومنظمة.
كما إن الاعتراف بقضية الجنوب بوصفها حلا لا عائقا، يفتح أفقا جديدًا للاستقرار ويضع أسس مستقبل يقوم على التعاون والبناء، بدلا من الصراع المستمر وإعادة إنتاج الأزمات.