الأربعاء - 08 أكتوبر 2025 - الساعة 09:25 م بتوقيت عدن ،،،
4 مايو/ وضاح ناشر
تُظهر تجارب الأمم أنّ القرارات المصيرية التي تُغيّر وجه التاريخ وتفتح آفاقًا جديدة أمام الشعوب لا تأتي إلّا من قيادات تتحلّى بالشجاعة والرؤية البعيدة والقدرة على تحمّل تبعات المواقف الصعبة. فهذه القرارات غالبًا ما تُواجَه بضغوطٍ آنية واعتراضات حادّة، لكنّ الأيام تُثبت أنّها كانت ضرورية لإعادة صياغة المسارات الوطنية ورسم مستقبلٍ مختلف للأجيال.
ولعلّ قرار الرئيس المصري الراحل أنور السادات بالتوجّه نحو السلام مع إسرائيل لتحرير الأرض المصرية، رغم المعارضة الشديدة في الداخل المصري والعالم العربي آنذاك، يمثّل نموذجًا حيًّا لدور القيادة التاريخية في تجاوز الحسابات الضيّقة وقراءة التحوّلات بعقل استراتيجي.
في هذا السياق، يكتسب حديث الرئيس عيدروس الزُبيدي حول إمكانية ضمّ تعز ومأرب إلى اتحاد الجنوب العربي دلالة خاصة، إذ يلامس إشكالية حقيقية تواجه الأطراف الإقليمية والدولية الراعية لمسار التسوية في اليمن، وفي مقدّمتها دول الرباعية.
فالسيناريو الذي بات يلوح في الأفق هو رسوخ واقع “حلّ الدولتين” بحكم الأمر الواقع، استنادًا إلى خرائط السيطرة العسكرية الحالية، حيث يبرز السؤال الملحّ عن مستقبل المناطق المحرّرة في الشمال: هل تُترك نهبًا للحوثيين، أم تُركن إلى فراغ سياسي وجغرافي يهدّد استقرار المنطقة بأسرها؟
إنّ هذه الإشكالية لا تتعلق بالجنوب وحده، بل تعني أيضًا الأمن الإقليمي ومصالح الدول الراعية نفسها، التي لا ترغب في رؤية مساحات واسعة خارجة عن أيّ إطار سياسي مستقر. من هنا، يصبح الطرح الذي قدّمه الرئيس الزُبيدي أقرب إلى مقاربة واقعية تحاول تقديم حلول عملية بدل الاكتفاء بالشعارات أو الرهان على خيارات ثبت تعثّرها.
من منظور استراتيجي، يُمكن القول إنّ ضمّ المناطق الشمالية المحرَّرة إلى دولة الجنوب المقبلة قد يوفّر حزامًا عازلًا آمنًا على حدودها الشمالية إضافة إلى تامين باب المندب و خط الملاحة الدولي ، ويمنع نشوء فراغ جغرافي قد تستغله جماعات مسلحة أو قوى إقليمية معادية للاستقرار. كما أنّ هذه الصيغة تُطمئن القوى الدولية إلى أنّ قضية الجنوب لا تُغلق الباب أمام الحوار حول مستقبل المناطق المختلف عليها، بل تسعى إلى إدماجها ضمن رؤية متوازنة تُراعي الواقع الميداني ومتطلبات الأمن الجماعي.
أما التسمية، سواء أكانت “الجنوب العربي”، فهي تبقى مسألة رمزية لا ينبغي أن تكون موضع خلافٍ يُعطّل المسار السياسي. الأهمّ هو الإيحاء بأنّ الجنوب منفتح على النقاش ومستعدّ للتعاطي مع القضايا الشائكة بعقلانية ومرونة، بعيدًا عن الجمود والخطابات الأيديولوجية التي عفا عليها الزمن.
إنّ طرح الرئيس الزُبيدي، وإن بدا للبعض صادمًا أو مثيرًا للجدل، يعكس في جوهره إدراكًا لطبيعة التحدّيات الراهنة وضرورة التفكير خارج الأطر التقليدية التي لم تنتج حلًا مستدامًا. فالقضايا المعقّدة لا تُحلّ بالشعارات، بل بإرادة سياسية شجاعة تقرأ الواقع بموضوعية وتستبق التحوّلات الإقليمية والدولية.