اخبار وتقارير

الثلاثاء - 26 أغسطس 2025 - الساعة 04:18 م بتوقيت عدن ،،،

4 مايو / تقرير: مريم بارحمة

لم يكن صباح ذلك اليوم عاديًا في العاصمة ِعدن. مع خيوط الفجر الأولى، كانت السماء تنذر بما هو قادم، حتى بدأ المطر ينهال بغزارة متزايدة منذ الساعة السادسة صباحًا، وكأن المدينة على موعد مع امتحان جديد بعد سنوات من الصبر والمحن.
في البداية كانت حبات المطر تبشر بالخير، لكن سرعان ما تحولت إلى سيول جارفة، إذ اجتاحت السيول الشوارع، وغمرت الأحياء، واخترقت البيوت، لتغرق المدينة في ساعات معدودة تحت بحر من الماء، والوحل، والغياب المؤسسي المزمن.



-وجع في كل زاوية وعدن تستغيث

في مناطق مثل الحسوة ودار سعد والبريقة وخور مكسر، تكرر المشهد المُرّ ذاته.
انهارت منازل بالكامل في الحسوة، وسُحقت أحلام العائلات تحت سيل من الماء والطين. الناس ركضوا حاملين أطفالهم فوق الأكتاف، البعض فقد كل ما يملك، والبعض الآخر لجأ إلى الأسطح طلبًا للنجاة.
تحوّلت العاصمة عدن إلى خريطة وجع، عنوانها العشوائية، وضعف البنية، والانقطاع الكامل للكهرباء والمياه في كثير من الأحياء بعد تعطل المولدات نتيجة الأمطار.



-السلطة المحلية.. حضور ميداني وتحركات فورية

في خضمّ الكارثة، برز محافظ العاصمة عدن أحمد لملس كرجل موقف. منذ اللحظات الأولى، نزل ميدانيًا إلى عدد من الأحياء المتضررة، ووجه بسرعة إلى فتح المدارس كمراكز إيواء مؤقتة للأسر المنكوبة، خصوصًا في منطقة الحسوة التي شهدت انهيارات مؤلمة.
أشرف المحافظ على توزيع المساعدات العاجلة، ووجّه بتسيير فرق الإنقاذ إلى المناطق الأكثر تضررًا، وبتفعيل غرف الطوارئ ورفع تقارير عاجلة عن حجم الأضرار. كما دعا الجهات الفنية والأشغال إلى النزول السريع لتقييم الأضرار وإصلاح الأعطال الطارئة في الكهرباء والمياه.
السلطة المحلية بدورها أعلنت حالة الطوارئ، ونسّقت مع الجهات الأمنية والعسكرية والمجتمع المدني لتوحيد الجهود، وتعزيز الجاهزية الصحية والبيئية، وإخلاء المنازل الآيلة للسقوط.



-القوات الجنوبية والحزام الأمني.. درع المدينة وحُماتها

لم تكن الصور التي خرجت من عدن مجرّد لحظات عابرة، بل وثائق بطولية لجيل من الرجال حملوا شرف الجنوب على أكتافهم، وواجهوا السيول كما لو كانوا في ساحة حرب. القوات الجنوبية والحزام الأمني تقدمت الصفوف، وشاركت في عمليات الإنقاذ والإخلاء، واقتحمت الأحياء الغارقة بلا تردد.
في الحسوة والبريقة ودار سعد، نزل الجنود إلى الشوارع المحاصرة، وحملوا الأطفال وكبار السن، فتحوا الطرق، وأمنوا مراكز الإيواء، وتولوا حماية الممتلكات من أي محاولات للنهب أو الفوضى.

لم تكن مهمتهم تقليدية، بل استثنائية، جمعت بين العمل الأمني والواجب الإنساني.
لقد تجسد في سلوكهم واندفاعهم روح الجنوب الحقيقي: رجال لا يتخلّون عن مدينتهم حين تغرق، بل يرفعونها بأكتافهم نحو بر الأمان.



-شعب الجنوب.. جسد واحد في وجه الطوفان

العاصمة عدن لم تنتظر الإنقاذ من الخارج، بل أنقذها أبناؤها. شباب الأحياء، وفرق المبادرات المجتمعية، تحركوا فورًا لتقديم يد العون.
جمعوا التبرعات، نقلوا العالقين بسياراتهم، فتحوا منازلهم كملاجئ، وشاركوا في إزالة الركام والمخلفات من الشوارع.
في الشيخ عثمان، القلوعة، المعلا، والإنشاءات، تشكلت خلايا تطوعية نظّمت حملات توزيع الخبز والمياه، وساعدت القوات الأمنية في تسهيل المرور وتأمين مناطق الخطر.
في وقت الشدة، يتجلى معدن الشعوب، وقد أثبت الجنوبيون مجددًا أن عدن لا تغرق وحدها، بل يسندها كل الجنوب.



-المجلس الانتقالي الجنوبي.. توجيهات وإسناد واسع

من اللحظات الأولى للكارثة، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي توجيهاته لكل هيئاته المحلية والميدانية بالاستنفار الكامل، وتكثيف الجهود لإغاثة المتضررين.

دعم المجلس جهود المحافظ والسلطة المحلية، وأسهم في توفير جزء من المساعدات الغذائية والطبية، وأشرف على آلية التنسيق بين الجهات العسكرية والمدنية لضمان استجابة متكاملة وسريعة. كما دعا المجلس إلى فتح تحقيق شامل في أسباب تكرار مثل هذه الكوارث، وعلى رأسها البناء العشوائي في مجاري السيول، وغياب مشاريع الصيانة والتأهيل في البنية التحتية منذ سنوات.
وأكد المجلس الانتقالي الجنوبي أن عدن بحاجة لخطة إصلاح شاملة، لا مجرد معالجات مؤقتة، وأن المجلس يقف خلف أهلها في كل الظروف.


-المرض قادم بعد الماء

ما بعد السيول لا يقل خطورة عما قبلها. فقد تركت المياه الراكدة خلفها بيئة خصبة لتكاثر البعوض والذباب، وسط توقعات صحية بارتفاع حالات الحميات والأمراض الجلدية.
انقطعت المياه عن أحياء واسعة بسبب توقف المضخات المرتبطة بالكهرباء، بينما عانت مراكز صحية من نقص في الأدوية والطواقم، ما يستوجب تدخلاً عاجلاً قبل تفشي وبائي جديد.


-أسباب الكارثة.. لم تكن في السماء وحدها

لم تكن العاصمة عدن ضحية للمطر فقط، بل لسنوات من العبث العمراني والإهمال الرسمي. لقد دُفن مجرى السيول تحت إسمنت الطمع، وأُغلقت قنوات التصريف بالمخلفات، وتُركت الطرقات دون صيانة، والمولدات دون حماية، والمياه دون ضمان استمرارية. ما حدث كان نتيجة طبيعية لما بني بلا دراسة، وسُمح به بلا رقابة، ومرّ تحت أعين الجميع دون محاسبة.



-هل تتكرر الكارثة؟ أم نبدأ من جديد؟

ما حدث يجب أن يكون نقطة تحوّل حقيقية، لا مجرد مأساة جديدة تضاف إلى سجل المدينة. العاصمة عدن بحاجة إلى خطة عاجلة تبدأ بإزالة العشوائيات، إعادة تأهيل شبكات التصريف، حماية المولدات، تطوير منظومة الطوارئ، وإنشاء غرفة طوارئ دائمة تحت إدارة مشتركة من السلطة المحلية والمجلس الانتقالي والجهات الأمنية والمجتمعية. العاصمة عدن تحتاج إلى من يعيد بناءها على أساس من التخطيط، لا على أنقاض الخراب.


-عدن لا تنكسر.. الجنوب لا يخذلها

رغم الطين والبرد والماء والدموع، لم تنكسر عدن. رأينا فيها رجولة الجندي، وكرامة المواطن، وشهامة الشاب، وقيادة المسؤول الوطني. رأينا الجنوب في أجمل تجلياته: شعب لا يعرف التخلي، وقضية لا تُغرقها الأمطار. عدن لا تحتاج لمن يبكي معها، بل لمن يقف معها.
فهل تكون هذه الكارثة بداية لعهد جديد من العمل والصدق والبناء؟ أم سننتظر من جديد مطرًا قادمًا يغرق ما تبقى من الأمل؟