الإثنين - 26 مايو 2025 - الساعة 09:00 م بتوقيت عدن ،،،
4 مايو/ منير النقيب
في لحظة فارقة تشهد تصاعداً غير مسبوق في تدهور الأوضاع المعيشية والخدمية في العاصمة عدن وبقية محافظات الجنوب، ترأس الأستاذ علي عبدالله الكثيري، القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، رئيس الجمعية الوطنية، اجتماعاً طارئاً حمل رسائل سياسية وإنسانية بالغة الأهمية، وجاء بمثابة جرس إنذار أخير لما آل إليه الوضع من انهيار شبه شامل، وغياب كامل للحلول الحكومية الفاعلة.
ضمّ الاجتماع، الذي عُقد الإثنين في العاصمة عدن، شخصيات رفيعة من صُنّاع القرار الجنوبي، في مقدمتهم عضو هيئة رئاسة المجلس ورئيس الهيئة التنفيذية للمجلس الانتقالي بالعاصمة عدن مؤمن السقاف، ومحافظ العاصمة أحمد حامد لملس، إلى جانب أعضاء الكتلة الوزارية للمجلس برئاسة الدكتور عبدالناصر الوالي، وعدد من نواب الوزراء، ما يعكس الطابع العاجل والاستثنائي لهذا اللقاء.
*حكومة عاجزة ومواطن يئنّ
جاء الاجتماع ليكرّس نقاشاته حول حالة التدهور الخطير في الخدمات العامة، وسط عجز حكومي متواصل عن تقديم أي حلول حقيقية. الكهرباء، التي تحوّلت إلى رمز للأزمة، تواصل انهيارها في ظل حرارة الصيف الجنوبي اللاهبة، تضاف إليها معاناة المواطنين مع انعدام المياه، وغياب الحد الأدنى من النظافة العامة، وتراكم القمامة، ما يهدد بكارثة صحية واسعة النطاق.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد واصلت العملة المحلية هبوطها المتسارع أمام العملات الأجنبية، مما ضاعف أسعار السلع الأساسية وفاقم معاناة الأسر الفقيرة، فيما لا تزال المرتبات متأخرة لقطاعات واسعة، خاصة المدنيين والعسكريين، وسط حالة من اليأس الشعبي وفقدان الثقة بأي وعود رسمية.
اللافت أن الاجتماع لم يكتفِ بالتشخيص، بل عبّر بوضوح عن موقف المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي شدّد على أنه لا يمكن أن يقف موقف المتفرج أمام كل هذه المعاناة اليومية، مؤكداً أن "القيادة المفوضة شعبياً" لديها واجب وطني وأخلاقي في مواجهة هذا الواقع الكارثي.
*تحرّك جنوبي في لحظة حساسة
من حيث التوقيت، يحمل هذا الاجتماع أهمية كبيرة. فهو يأتي بعد شهور من تصاعد الغضب الشعبي، ووسط مطالبات متكررة من الشارع الجنوبي بضرورة تدخل المجلس الانتقالي كسلطة أمر واقع في الجنوب، وتحمله مسؤولياته التاريخية تجاه المواطنين.
وقد بدا واضحاً أن قيادة المجلس استوعبت حجم اللحظة وخطورتها، إذ دعا الاجتماع إلى "مكاشفة شجاعة وجرأة في اتخاذ القرار"، في تعبير غير مباشر عن ضرورة كسر الصمت الرسمي والتعامل بشفافية مع الرأي العام، وتجاوز الحسابات السياسية الضيقة لصالح الأولويات الإنسانية والمعيشية.
في هذا السياق، أقر الاجتماع حزمة من الإجراءات العاجلة، من أبرزها تشكيل لجنة طوارئ دائمة الانعقاد، تضم ممثلين عن المجلس والحكومة والسلطة المحلية في العاصمة، لتتولى متابعة التطورات ميدانياً، وتقديم تقارير يومية للرأي العام، في خطوة يُراد بها تعزيز الشفافية واستعادة جزء من الثقة الشعبية التي اهتزّت بفعل طول الأزمة وغياب المعالجات الجذرية.
*رسائل خارجية
أحد أهم مخرجات الاجتماع تمثّل في القرار بتوجيه رسالة رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، وإلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة، والدول الراعية للعملية السياسية، وعلى رأسها السعودية والإمارات والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في محاولة لنقل الصورة الحقيقية لحجم الأزمة في الجنوب، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الأخلاقية والسياسية.
تتضمن هذه الخطوة دلالة بالغة، إذ تعكس تحوّلاً في استراتيجية المجلس نحو تدويل الأزمة الخدمية، لا بوصفها مجرد أزمة داخلية، بل كنتيجة مباشرة لخلل في إدارة المرحلة الانتقالية التي تلت اتفاق الرياض، وتوزيع الصلاحيات بين المكونات الشريكة في السلطة.
إن الرسالة التي يحملها هذا التحرك واضحة: لا يمكن الحديث عن مسار سياسي مستقر ما دامت المناطق الجنوبية تغرق في الظلام، ويعيش سكانها دون كهرباء أو ماء أو مرتبات، فيما تغيب الحكومة وتتحول إلى عبء إداري واقتصادي.
*إلغاء كافة الفعاليات
ومن ضمن القرارات اللافتة التي خرج بها الاجتماع أيضاً، التوصية إلى قيادة المجلس بإلغاء أي فعاليات سياسية أو احتفالية غير ضرورية، سواء على مستوى المجلس أو السلطات المحلية، وتوجيه مخصصاتها المالية لدعم الاحتياجات الإنسانية والخدمية، في خطوة رمزية وعملية تعكس انحيازاً حقيقياً إلى معاناة الناس، وتُظهر فهماً للمزاج الشعبي الغاضب من المبالغة في المظاهر السياسية الاحتفالية على حساب واقع المواطنين.
ورغم أن هذا القرار قد يبدو بسيطاً للوهلة الأولى، إلا أنه يمثل تحوّلاً نوعياً في الخطاب السياسي الجنوبي، ويعكس تفهماً لحساسية المرحلة، ومحاولة جادة لإعادة ترتيب الأولويات وفقاً لما يفرضه الواقع.
* تحرك مرحلي أم بداية إصلاح؟
مع أن الاجتماع أكد أن الإجراءات المتخذة لا تتعارض مع الخطط الاستراتيجية طويلة المدى التي يعدّ لها المجلس الانتقالي، إلا أن التساؤل يبقى مطروحاً: هل يمثل هذا التحرك بداية مرحلة جديدة من إدارة الشأن الجنوبي بمنطق مختلف؟ أم أنه مجرد استجابة تكتيكية لأزمة طارئة؟
قد يصعب الإجابة القاطعة عن هذا السؤال في اللحظة الراهنة، لكن المؤكد أن الكرة الآن في ملعب المجلس نفسه. فالمواطن الجنوبي، الذي لطالما منح ثقته للمجلس، بات اليوم أكثر تطلعاً لرؤية حلول عملية وليس مجرد بيانات، ويأمل أن يتحول هذا الاجتماع من مجرد "تشخيص متأخر" إلى بداية لممارسة حقيقية للسلطة، تعطي الأولوية للإنسان الجنوبي وكرامته وحقه في الحياة الكريمة.
*خطوات مسار الإنقاذ
يحمل هذا الاجتماع الطارئ وما تضمنه من رسائل قرارات، مؤشرات واضحة على إدراك قيادة المجلس الانتقالي لحجم الأزمة وخطورتها، كما يُظهر نضجاً سياسياً في مقاربة الواقع من منظور مسؤول، لا يكتفي بتبادل الاتهامات بل يبادر إلى التحرك.
وفي ظل انكشاف عجز الحكومة، واستمرار التجاهل الدولي لخطورة الأوضاع، قد لا يكون أمام الجنوب سوى خيار الإنقاذ الذاتي، مدعوماً بإرادة شعبية بدأت تنفد صبرها. فهل ينجح المجلس الانتقالي الجنوبي في تحويل هذا الزخم إلى خطوات عملية؟ وهل يتمكن من ملء الفراغ الإداري والإنساني الذي بات يهدد استقرار الجنوب ومستقبله السياسي؟
الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.