اخبار وتقارير

الجمعة - 26 ديسمبر 2025 - الساعة 10:08 م بتوقيت عدن ،،،

4 مايو/ تقرير/ محمد الزبيري


مثّلت الضربات الجوية السعودية التي استهدفت مواقع القوات المسلحة الجنوبية منعطفًا بالغ الخطورة في مسار الأحداث، وفتحت فصلًا جديدًا من التصعيد المباشر ضد الجنوب العربي ومشروعه الوطني.
هذه الغارات، التي جاءت في توقيت سياسي وأمني بالغ الحساسية، وطالت قوات تؤدي مهامها الوطنية في حماية الأرض ومكافحة الإرهاب وتأمين المناطق الحيوية، لا يمكن التعامل معها كحادث عابر أو خطأ ميداني معزول، بل تعكس تحوّلًا واضحًا في طبيعة التعاطي مع الجنوب، ومحاولة مكشوفة لإعاقة مسار استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على حدودها المعترف بها دوليًا قبل عام 1990م، وفرض معادلات جديدة بالقوة تتناقض مع إرادة شعب الجنوب وتضحياته الممتدة لعقود.

لم تعد قضية الجنوب العربي قضية مؤجلة على طاولة التفاوض، ولا ملفًا سياسيًا قابلًا للمقايضة أو الاحتواء، بل تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى واقع سيادي قائم على الأرض، بمؤسسات فاعلة، وقوات مسلحة منظمة، وإرادة شعبية صلبة تجاوزت مرحلة المطالبة إلى مرحلة الفعل والدفاع عن المكتسبات الوطنية.


وفي خضم هذا التحول التاريخي، يجد الجنوب نفسه اليوم في مواجهة مباشرة مع متغيرات إقليمية معقدة، أبرزها التحول الخطير في الموقف السعودي، من شريك عربي فاعل في التحالف إلى طرف يمارس عدوانًا عسكريًا مباشرًا على الأرض الجنوبية وقواتها المسلحة، في محاولة مكشوفة لإعاقة مسار استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على حدودها المعترف بها دوليًا قبل عام 1990م.

إن الغارات الجوية السعودية التي استهدفت القوات الجنوبية، لا يمكن فصلها عن السياق السياسي والأمني الأشمل، ولا عن محاولات إعادة تمكين قوى الفوضى في حضرموت والمهرة، وفي مقدمتها المنطقة العسكرية الإخوان، إلى جانب التخادم الواضح مع الحوثيين في تقاطع مصالح معادٍ للمشروع الوطني الجنوبي.


هذه التطورات الخطيرة أعادت رسم مشهد الصراع، وكشفت الأقنعة، وأكدت أن الجنوب العربي يخوض اليوم معركة سيادة واستقلال حقيقية، تتطلب اصطفافًا وطنيًا شاملًا خلف القيادة السياسية والعسكرية، بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، في لحظة مفصلية لا تحتمل التردد أو الحسابات الضيقة.


*دولة الجنوب واقع على الأرض يتحدى القصف



على عكس ما تحاول بعض الأطراف الإقليمية الترويج له، فإن دولة الجنوب العربي لم تعد مجرد حلم سياسي أو مشروع مؤجل، بل أصبحت واقعًا متجسدًا في الأرض والمؤسسات والقرار.


المجلس الانتقالي الجنوبي، بوصفه حاملًا سياسيًا لقضية شعب الجنوب، نجح خلال السنوات الماضية في بناء نموذج مؤسسي متكامل، شمل هياكل سياسية وإدارية وأمنية وعسكرية، استطاعت أن تفرض الاستقرار في مساحات واسعة من الجنوب، وأن تدير شؤون المواطنين في ظل ظروف إقليمية بالغة التعقيد.

إن وجود قوات مسلحة جنوبية منظمة، مثل قوات النخبة الحضرمية، وألوية العمالقة، والأحزمة الأمنية، وقوات الدعم والإسناد، يؤكد أن الجنوب يمتلك اليوم أدوات الدفاع عن مشروعه الوطني، وأن هذه القوات لم تُنشأ لمغامرات عسكرية، بل لحماية الأرض والإنسان، ومحاربة الإرهاب، وتأمين الممرات الحيوية، ومنع تهريب السلاح والمخدرات.

وبالتالي، فإن أي استهداف لهذه القوات هو استهداف مباشر لحق الجنوب في الأمن والسيادة، وليس دعمًا لما يسمى “الشرعية” التي باتت غطاءً سياسيًا هشًا لإعادة إنتاج الفوضى.


*التحول السعودي



يمثل التحول في السلوك السعودي تجاه الجنوب العربي أحد أخطر المتغيرات في المشهد الراهن.
فبعد سنوات من الشراكة ضمن التحالف العربي، جاءت الغارات الجوية السعودية على مواقع القوات الجنوبية لتطرح أسئلة جوهرية حول طبيعة هذا التحول وأهدافه الحقيقية.

هذه الغارات لا يمكن تفسيرها كخطأ عسكري أو سوء تقدير ميداني، بل كجزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى كبح صعود المشروع الوطني الجنوبي، ومنع استكمال استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة.

تجاوزت السعودية في هذا السلوك حدود التحالف والدعم المعلن، وانتقلت إلى ممارسة فعل عدائي صريح ضد قوة محلية تحارب الإرهاب وتؤمن مناطق استراتيجية. وهو ما يضع هذا السلوك في خانة الاعتداء على سيادة شعب يسعى إلى تقرير مصيره، ويعيد تعريف العلاقة من شراكة إلى صدام سياسي وأمني، تتحمل نتائجه الجهة التي اختارت التصعيد بدل الحوار والاعتراف بالواقع.


*حضرموت جنوبية



تشكل حضرموت قلب الجنوب الجغرافي والاقتصادي، واستهدافها سياسيًا وعسكريًا ليس أمرًا عرضيًا، بل جزء من مخطط طويل الأمد لعزلها عن محيطها الجنوبي، وإبقائها تحت سيطرة قوى شمالية أعجزها الفشل العسكري والسياسي عن فرض نفوذها في بقية المناطق.

إن محاولات فصل حضرموت عن الجنوب، أو تصويرها ككيان منفصل، لا تعدو كونها أوهامًا سياسية تصطدم بالواقع التاريخي والوطني وقد أثبتت التجربة أن المنطقة العسكرية الأولى، المرتبطة بنفوذ تنظيم الإخوان، كانت ولا تزال عامل توتر وفوضى، ولم تحقق أي إنجاز يُذكر في مكافحة الإرهاب أو تأمين الوادي والصحراء، بل تحولت إلى مظلة لحماية جماعات متطرفة، وتسهيل شبكات تهريب السلاح، وخلق بيئة هشة قابلة للاختراق الحوثي والإرهابي.

في المقابل، أثبتت قوات النخبة الحضرمية، بدعم وإسناد القوات المسلحة الجنوبية، قدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار، وهو ما يفسر استهدافها ومحاولة إضعافها.


*الغارات شهادة دولية



تحولت الغارات الجوية السعودية من أداة ضغط إلى شهادة إدانة، ومن محاولة لإخضاع الجنوب إلى دليل إضافي على عدالة قضيته. فحين تُقصف قوات محلية تحارب الإرهاب وتحمي أرضها، فإن الرسالة التي تصل إلى المجتمع الدولي واضحة: هناك شعب يُعاقَب لأنه يطالب بحقه في تقرير المصير، ويدافع عن سيادته الوطنية.

إن القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، يكفلان للشعوب الواقعة تحت الاحتلال أو السيطرة القسرية حق الدفاع عن النفس، وحق مقاومة الاعتداء، وحق تقرير المصير. وبالتالي، فإن ما يتعرض له الجنوب اليوم لا يضعف موقفه القانوني، بل يعززه، ويفتح المجال أمام خطاب سياسي وحقوقي أكثر قوة، يطالب المجتمع الدولي بإعادة النظر في مقاربته للصراع، والاعتراف بالجنوب كطرف سياسي وشعبي له حقوق مشروعة لا يمكن تجاوزها.


*سقوط الأقنعة



أحد أخطر ما أفرزته التطورات الأخيرة هو انكشاف شبكة التخادم غير المعلن بين أطراف يفترض أنها متناقضة.
فالتقاطع السعودي مع أجندة تنظيم الإخوان، وتلاقي مصالح الطرفين مع الحوثيين في إضعاف المشروع الجنوبي، يكشف أن العداء الحقيقي بالنسبة لهذه القوى ليس الحوثي، بل الجنوب ومشروعه الوطني.

أثبتت الوقائع أن هناك رغبة مشتركة في إبقاء حضرموت والمهرة مناطق رخوة، بلا سيطرة جنوبية حقيقية، وبلا قوات أمنية فاعلة، لتكون ساحة مفتوحة للصراع، وورقة ضغط سياسية وأمنية.
هذا التخادم، مهما حاولت الأطراف المعنية إنكاره، بات واضحًا في الميدان، وفي نوعية الأهداف التي تُقصف، وفي القوى التي يُعاد تمكينها على حساب الأمن والاستقرار.


*حماية ارض الجنوب


في مواجهة هذا العدوان المركب، يبرز حق الجنوب في الدفاع عن نفسه كحقيقة قانونية وأخلاقية لا تقبل الجدل. فالقانون الدولي لا يجرّم مقاومة الشعوب للاحتلال أو الاعتداء، بل يشرعنها ضمن إطار الدفاع عن النفس وحماية المدنيين والأرض.
ومن هذا المنطلق، فإن أي رد جنوبي على الاعتداءات لا يمكن وصفه بالتمرد أو الخروج عن الشرعية، بل هو ممارسة لحق أصيل كفلته القوانين والأعراف الدولية.

إن هذا الحق لا يُمارس من باب المغامرة أو التصعيد العبثي، بل من منطلق حماية مشروع وطني جامع، ومنع عودة قوى الإرهاب والفوضى، وصون التضحيات الجسيمة التي قدمها شعب
الجنوب خلال عقود من النضال.


*استهداف النخبة الحضرمية


يمثل قصف قوات النخبة الحضرمية واحدة من أخطر الرسائل السلبية التي يمكن توجيهها لمستقبل الأمن في حضرموت.
فهذه القوات ليست تشكيلًا عابرًا، بل هي خط الدفاع الأول ضد تنظيم القاعدة، وضد شبكات التهريب، وضد التغلغل الحوثي في الوادي والصحراء. وإضعافها يعني عمليًا فتح فراغ أمني لن تستفيد منه سوى الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة.

لقد أثبتت التجارب السابقة أن أي تراجع أمني في حضرموت سرعان ما تستثمره القاعدة والحوثيون، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا ليس للجنوب فحسب، بل للأمن الإقليمي والدولي، خاصة في ظل الموقع الاستراتيجي للمحافظة وقربها من خطوط الملاحة الدولية.

*الاصطفاف خلف الزُبيدي… لحظة القرار الوطني الجنوبي*

في ظل هذه اللحظة المصيرية، يصبح الاصطفاف خلف القيادة السياسية والعسكرية الجنوبية واجبًا وطنيًا لا يحتمل المساومة.


والرئيس القائد عيدروس الزُبيدي لا يمثل مجرد شخصية سياسية، بل رمزًا لمرحلة تاريخية أعادت للجنوب حضوره وقراره المستقل، وقادت مشروعه من الهامش إلى مركز الفعل الإقليمي.
إن وحدة الصف الجنوبي، وتماسك الجبهة الداخلية، ودعم القوات المسلحة الجنوبية، هي الضمانة الوحيدة لإفشال مشاريع الاستهداف، واستكمال مسار استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة. فالتاريخ لا يرحم المترددين، وهذه اللحظة تتطلب وضوحًا في الموقف، وصلابة في القرار، وإيمانًا راسخًا بأن الجنوب العربي، الذي دفع أثمانًا باهظة في سبيل حريته، لن يعود إلى مربع الوصاية أو التبعية، مهما كانت التحديات.