اخبار وتقارير

الثلاثاء - 23 ديسمبر 2025 - الساعة 11:12 م بتوقيت عدن ،،،

4 مايو/ تقرير / رامي الردفاني



لم تأتِ النجاحات التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية في وادي وصحراء حضرموت ومحافظة المهرة بوصفها تطورا عسكريا منفصلا عن سياقه، بل كحلقة متقدمة في مسار وطني طويل خاضه شعب الجنوب دفاعا عن أرضه وقراره وهويته.

فقد مثّلت هذه الانتصارات لحظة فاصلة أنهت سنوات من العبث الأمني، ووضعت حدا لواقع فُرض بالقوة، حوّل تلك المناطق إلى فراغٍ مفتوح أمام التهريب والفوضى وتغذية مشاريع معادية.


ومن هذا المنطلق، يمكن قراءة ما جرى لا باعتباره عملية أمنية محدودة، بل استجابة مباشرة لإرادة شعبية وقبلية عريضة، عبّرت مرارا عن رفضها لبقاء قوى عسكرية لا تنتمي للأرض، ولا تعبّر عن مصالح أهلها، بل شكّلت غطاءً لانتهاكات ممنهجة وشبكات تهريب خدمت المليشيات الحوثية والجماعات الإرهابية على حساب أمن المواطن واستقرار الإقليم.


ومع اكتمال الحسم الميداني، دخل الجنوب العربي مرحلة جديدة أكثر عمقا وتعقيدا، مرحلة أدركت فيها القيادة السياسية، وعلى رأسها الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، أن الانتصار العسكري لا يكتمل ما لم يتحوّل إلى استقرار دائم، وأن إخراج قوى الفوضى لا معنى له إن لم يُستبدل ببناء مؤسسي راسخ يحمي المنجز ويمنع ارتداد المشهد إلى الوراء.




مع بداية عام 2025، انتقل مشروع الجنوب العربي من منطق “التحرير” إلى منطق “التثبيت”، حيث وضعت القيادة الجنوبية استراتيجية شاملة تعالج ما بعد الحسم، وتربط الأمن بالاقتصاد، والخدمات بالسيادة، والمؤسسة العسكرية بالدولة القادمة و لم يعد الهدف مجرد ضبط الأرض، بل جعل هذا الضبط مقدمة طبيعية لحياة آمنة يشعر بها المواطن في يومه ومعيشته.


وفي قلب هذه الرؤية برز خيار جوهري يتمثل في بناء منظومة أمنية ومهنية من أبناء حضرموت والمهرة أنفسهم، باعتبارهم خط الدفاع الأول عن مناطقهم، والأقدر على حماية نسيجها الاجتماعي، والأكثر وعيا بتفاصيلها الجغرافية والقبلية و هذا الخيار لم يكن أمنيا فقط، بل سياسيا واجتماعيا بامتياز، إذ أنهى ذرائع الإقصاء، وأسّس لشراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المحلي في حضرموت والمهرة.



لم تكن حضرموت والمهرة مجرد ملف أمني في أجندة القيادة الجنوبية، بل نموذجا لإدارة التوازنات المعقّدة بعقل الدولة لا بمنطق الغلبة و فقد حرص الرئيس الزُبيدي على التعامل مع خصوصية المحافظتين بحسٍ عالٍ من المسؤولية، قائم على احترام الإرادة المحلية، وإشراك القيادات الاجتماعية، وتفكيك المخاوف بدل تجاهلها
هذا النهج عزّز منسوب الثقة بين القيادة والمجتمع، وحوّل المنجز العسكري إلى مكسب سياسي وشعبي، مؤكدا أن مشروع الجنوب لا يقوم على فرض الأمر الواقع، بل على بناء توافق وطني واسع حول هدف استعادة الدولة.

وبينما كانت الجبهة الداخلية تُعاد صياغتها على أسس الاستقرار، لم تغب التحركات الإقليمية والدولية عن المشهد فقد شكّلت اللقاءات التي عقدها الرئيس الزُبيدي ونائبه عبدالرحمن المحرمي مع قيادة القوات المشتركة للتحالف العربي محطة مهمة لتوحيد الجهود في مواجهة التهديدات المشتركة، وفي مقدمتها أمن الملاحة الدولية ومخاطر التمدد الحوثي.


وفي هذا السياق، برز الجنوب كفاعل لا يمكن تجاوزه في معادلة الأمن الإقليمي، ورسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن استقرار هذه المنطقة يمر حتمًا عبر تمكين مشروع الدولة الجنوبية، لا عبر إعادة تدوير أزمات أثبتت فشلها.

كما تابع الرئيس الزُبيدي تنفيذ خطط التعافي الاقتصادي وتحسين الخدمات، واضعًا معيشة المواطن في صدارة الأولويات فتم التركيز على توفير الغاز المنزلي، وضبط أسعار الصرف، وتشديد الرقابة على الأسواق، وتفعيل دور الهيئات التنفيذية في مواجهة الاحتكار والتلاعب.


هنا، بدا واضحًا أن القيادة الجنوبية تتعامل مع الأمن كمنظومة متكاملة، تبدأ من السلاح، لكنها لا تنتهي عنده، بل تمتد إلى الخبز والكهرباء والمياه والاستقرار المعيشي.

وفي سياق متصل ، قاد الرئيس الزُبيدي سلسلة اجتماعات لتقييم أداء الوزارات والقطاعات الحيوية، واضعًا ملف الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد في صلب المشروع الوطني. لم يعد القبول بالاختلالات خيارًا، بل باتت الرقابة والمساءلة ضرورة لبناء مؤسسات قادرة على إدارة دولة لا تُدار بالعشوائية.


كما حظي العنصر البشري باهتمام خاص، من خلال تسريع ملفات التوظيف والتثبيت والتسويات، انطلاقا من إدراك أن الكادر المستقر هو حجر الأساس لأي مؤسسة فاعلة.


وفي ظل هذا المسار، جدد الرئيس الزُبيدي موقفه الحاسم من المليشيات الحوثية، مؤكدا أن القضاء عليها أولوية وطنية لا تقبل المساومة فاستقرار الجنوب، وفق هذه الرؤية، ليس غاية نهائية، بل قاعدة انطلاق لمعركة الخلاص الشاملة.


وجاء التواصل مع الفريق طارق صالح ليؤكد وحدة الهدف، وأن المعركة مع الحوثي ليست جزرا منفصلة، بل مسارا واحدا يتطلب قيادة شجاعة، وقرارا واضحًا، وإرادة لا تعرف التردد.


إن ما يشهده الجنوب اليوم هو انتقال من إدارة الصراع إلى إدارة المستقبل .. فبعد أن كان تحرير المهرة ووادي حضرموت ضرورة أمنية، بات اليوم مدخلًا حقيقيًا لبناء دولة المؤسسات، وترسيخ السيادة، وتوحيد الصف الوطني خلف قيادة أثبتت بالفعل أنها تقرأ اللحظة وتتحرك بحجمها.