4 مايو/ تحليل/ د يحيى شايف ناشر الجوبعي:
أولًا: المقدمة
تابع شعب الجنوب الصامد باهتمام بالغ التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الأخ وزير الخارجية د .شائع محسن لصحيفة أخبار الخليج ، والتي نفى فيها وجود أي مقترحات فعلية تتعلق بما يسمى حلّ الدولتين في اليمن ، معتبرًا أن ما يُتداول في هذا الشأن لا يعكس الواقع السياسي أو موقف الحكومة الشرعية .
وقد أثارت هذه التصريحات موجة من الإستياء الشعبي والسياسي في الجنوب ، لما تضمنته من إنكارٍ واضحٍ للحقائق الراهنة، وتناقضٍ مع التفاهمات القائمة ومع خطاب الوزير نفسه في تصريحاتٍ سابقةٍ كان قد أدلى بها لصحيفة الأخبار المصرية - يوليو ٢٠٢٤م أكد فيها أن القضية الجنوبية تمثل أولوية أولى للحل .
ثانيًا: تحليل نقاط الدراسة:
تقوم هذه الدراسة المتواضعة على تحليل النقاط الآتية :
١-تناقض في الخطاب الرسمي :
تمثل تصريحات الوزير الأخيرة تراجعًا واضحًا عن الموقف السابق للحكومة الشرعية ، الذي أبدى فيه استعدادًا للتعامل مع القضية الجنوبية وفق مقاربات واقعية ومنصفة هذا التناقض يعكس ارتباكًا في الموقف الرسمي تجاه التحولات السياسية الجارية ، ويؤكد غياب الرؤية الموحدة داخل مؤسسات الشرعية بشأن مستقبل الوضع في اليمن والجنوب .
٢-تجاهل لحقائق الميدان:
إن نفي وجود مقترحات لحل الدولتين يتنافى مع الواقع القائم على الأرض، حيث توجد سلطتان : سياسيتان وإداريتان واضحتان في الشمال والجنوب وأن هذا الواقع هو نتاج لمسار طويل من النضال الجنوبي ، وليس مجرد حالة مؤقتة يمكن تجاوزها بخطاب دبلوماسي عام .
٣-إساءة للشراكة السياسية القائمة:
تتعارض تصريحات الأخ الوزير مع روح اتفاق الرياض ومشاورات الرياض والتفاهمات المستمرة مع دول التحالف العربي ، التي أكدت جميعها على مبدأ الشراكة بين الجنوب والشمال في إدارة المرحلة الانتقالية ، وعلى ضرورة معالجة قضية شعب الجنوب في إطار سياسي عادل وشامل .الا أن هذه التصريحات الغير موفقة قد جعلت الأخ الوزير في موقف صعب أمام قضية شعبه العادلة وهو الأمر الذي كنا نتمنى على الأخ الوزير أن لا يقع فيه.
٤-انعكاسات على الثقة السياسية :
مثل هذه التصريحات تُضعف الثقة المتبادلة بين شركاء المرحلة ، وتمنح التيارات المتشددة في الشمال مبررات إضافية للتهرب من الالتزامات السياسية ، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى تعزيز الجبهة الداخلية في مواجهة الانقلاب الحوثي ومشاريع التمدد الإقليمي المعادية للمشروع العربي .
ثالثًا: الموقف الجنوبي
١-التأكيد على الثوابت الوطنية:
يؤكد الجنوب، قيادةً وشعبًا، أن قضيته قضية سياسية عادلة ناتجة عن مسارٍ النضال الطويل الذي خاضه منذ احتلال الجنوب في صيف العام ١٩٩٤م من قبل القوى اليمنية بكل أشكالها ولا زال حتى استعادة الدولة الجنوبية ، وأن أي عملية سلام أو تسوية شاملة لا يمكنها أن تتجاهل هذه الحقيقة أو تختزلها في بنود ثانوية.
فالجنوب اليوم يمتلك مؤسساتٍ سياسية وعسكرية وإدارية قائمة على الأرض ، ويمثل واقعًا سياسيًا قائمًا بذاته لا يمكن تجاوزه أو الالتفاف عليه .
٢-رفض محاولات التهميش أو الالتفاف:
يرفض الشعب الجنوبي الصامد رفضًا قاطعًا أي تصريحات أو مواقف تسعى إلى تقزيم قضيته أو طمسها تحت شعارات وحدة الموت والإبادة.
كما يعتبر أن أي موقف رسمي يتنكر لهذه القضية هو إساءة مباشرة لتضحيات أبناء الجنوب ومسعى لإعادة إنتاج مركزية ما يسمى بدولة الإرهاب الحوثية والإخوانية .
٣-التمسك بخيار الحوار والشراكة الندية:
في المقابل ، يؤكد المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الأخ الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي رئيس المجلس والقائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الجنوب كما ورد في البيان الصريح والمسؤول للمجلس الانتقالي على لسان ناطقه الرسمي بأنه في الوقت الذي يدين وبشدة تصريحات وزير الخارجية د شائع محسن ويرفض كلما ورد فيها من إنكار لكلما تم إنجازه في اتفاقية الرياض ومشاورات الرياض والتفاهمات المستمرة مع دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة إلا أنه يبدي التزامه بمسار الحوار السياسي المتكافئ ، واستعداده للانخراط في أي مفاوضات جادة تقوم على أساس الاعتراف بالجنوب كطرفٍ وشريكٍ أصيلٍ وطني ودولي في تقرير مستقبل الشعب الجنوبي في إطار الدولة المستقلة بما يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة.
رابعا-المقترحات والتوصيات :
تسعى هذه الدراسة المتواضعة إلى تحقيق التوصيات والمقترحات الآتية :
١-توحيد الخطاب الرسمي :
يجب على الحكومة الشرعية أن تعمل جاهدة على توحيد خطابها السياسي بما يعكس حقيقة التفاهمات القائمة مع الشركاء في الجنوب، وعدم السماح بتكرار المواقف الفردية التي تضر بجهود التحالف العربي ومسار التسوية السياسية.
٢-الاعتراف بالواقع القائم كمنطلق للحل:
يجب أن تنطلق أي تسوية سياسية واقعية من الاعتراف بوجود واقعين سياسيين مختلفين - جنوبي وشمالي - والتعامل مع هذا الواقع بمنهجية سياسية مرنة تضمن الشراكة الندية ،سواء في إطار دولتين متكاملتين أو ضمن ترتيبات دولية خاصة تضمن الوصول إلى حل الدولتين .
٣-تعزيز التفاهمات الإقليمية والدولية:
على القوى الإقليمية والدولية الداعمة لمسار السلام أن تدعم حلًا واقعيًا ومستدامًا يراعي خصوصية الجنوب ، ويستند إلى مبدأ تقرير المصير وفقا وما نصت عليه المواثيق الدولية الخاصة في تمكين الشعوب الثائرة من نيل حقها السيادي باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار في اليمن والمنطقة والعالم .
٤-ضبط التصريحات الرسمية :
من المهم جدا أن تتسم الخطابات الصادرة عن المسؤولين الرسميين بالمسؤولية السياسية ، وأن يتم التنسيق المسبق بين الجهات ذات العلاقة لتجنب المواقف التي قد تُفسَّر كتنكّرٍ للتفاهمات أو إساءةٍ لشركاء المرحلة.
خامسا : الخلاصة
إن تصريحات وزير الخارجية الأخيرة أعادت إلى الواجهة أزمة الثقة في الخطاب الرسمي تجاه الجنوب ، وأكدت الحاجة إلى الانتقال من مرحلة الإنكار إلى مرحلة الاعتراف بالحقائق .
فالجنوب اليوم ليس فكرةً أو مطلبًا سياسيًا عابرًا ،بل حقيقة سياسية راسخة تستمد مشروعيتها من التاريخ والميدان والإرادة الشعبية وأي حلٍّ سياسي مستقبلي لا يقوم على هذه الحقيقة ، لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الأزمة بشكلٍ أعمق وأكثر تعقيدًا .
إن طريق السلام والاستقرار يبدأ من الاعتراف المتبادل والشراكة الندية ، لا من تكرار الخطاب الذي يتجاهل الواقع ويصادم إرادة الشعوب الحرة.
*باحث اكاديمي ومحلل سياسي