4 مايو/ تقرير / فاطمة اليزيدي:
معلم تحت الضغط: واجبٌ يؤديه وسط ظلمٍ ومعاناة
يشكّل المعلّم الركيزة الأساسية لأي عملية إصلاح أو نهوض مجتمعي، إذ لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية دون تمكين من يتولى صناعة الأجيال. غير أن الواقع في المحافظات الجنوبية يرسم صورة قاتمة، حيث يجد المعلم نفسه بين واجبه المقدّس وظروفه المعيشية القاسية.
ضعف الرواتب وعدم انتظام صرفها جعل الكثير من المعلمين عاجزين عن توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة، الأمر الذي انعكس سلباً على العملية التعليمية، ودفع النقابة مراراً إلى الإضراب، في مشهد يراه أولياء الأمور تهديداً مباشراً لمستقبل أبنائهم.
نقابة المعلمين الجنوبيين: تعليق الإضراب.. لا حلول جذرية
أعلنت نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين مؤخراً تعليق الإضراب بعد مشاورات داخلية، مؤكدة استمرارها في متابعة حقوق المعلمين عبر القنوات الرسمية. ورغم أن هذه الخطوة لاقت ارتياحاً نسبياً لدى الطلاب وأولياء الأمور، إلا أنها لم تُنهِ حالة القلق، إذ لم تُقدَّم حلول ملموسة أو ضمانات حقيقية لتحسين وضع الكادر التربوي.
وعود متكررة.. ومعاناة مستمرة
الأستاذ عادل باحزيم أوضح أن المعلم في عدن يعيش ظروفاً صعبة مع انقطاع المرتبات وضعف قيمتها، مؤكداً أن قرار رفع الإضراب لم يحقق أي من المطالب الجوهرية، باستثناء وعود غير مضمونة بصرف حافز زهيد لا يلبي الحد الأدنى من متطلبات المعيشة. وحذّر باحزيم من عام دراسي "مُشوَّه" قد يتوقف في أي لحظة عند تأخر صرف المرتبات أو الحوافز.
راتب لا يساوي شيئاً أمام الغلاء
من جانبه أشار الأستاذ مجيب السفياني إلى أن قيمة الرواتب تراجعت بشكل كارثي مقارنة بما قبل حرب 2011م، حيث كانت تعادل نحو 700 ريال سعودي، بينما اليوم لا تتجاوز 130 ريالاً فقط، وغالباً تُصرف كل شهرين أو ثلاثة. وأضاف: "المعلم الذي يتقاضى 60 ألف ريال يمني اليوم، بالكاد يستطيع دفع إيجار منزل، فكيف له أن يُعيل أسرته أو يعيش بكرامة؟"
أصوات غاضبة: لا للتهميش ولا لإعادة إنتاج الماضي
الأستاذة أنيسة قاسم عبّرت عن استيائها مما يتعرض له المعلمون، مشيرة إلى أن الظلم الذي عاشه المعلمون في حرب 94 لا يجب أن يتكرر اليوم، مؤكدة أن "استعادة كرامة المعلم" ضرورة عاجلة وليست مطلباً ترفياً.
المعلم.. تضحية ورسالة
أما الأستاذ نصر السلامي، عضو المكتب التنفيذي للنقابة، فأكد أن المعلم يثبت دوماً أنه أول من يضحي رغم الظروف، داعياً السلطات إلى الوفاء بوعودها وتحقيق المطالب المشروعة، مشدداً على ضرورة صون مكانة المعلم باعتباره تاجاً فوق رؤوس الجميع.
معلمون: نطالب بأبسط الحقوق
الأستاذة جلاء السقاف لخصت مطالب المعلمين في أمرين أساسيين: صرف الرواتب في موعدها، وصرف العلاوات المتأخرة منذ سنوات. وأكدت أن النقابة بخطوة تعليق الإضراب أضاعت جزءاً من حقوق المعلمين دون مقابل حقيقي.
أزهار: النقابة أُجبرت على رفع الإضراب والمعلمون تُركوا لمصيرهم
بدورها كشفت الأستاذة أزهار عن استياء واسع في أوساط المعلمين بعد قرار رفع الإضراب، مشيرة إلى أن تسجيلات مسرّبة لأحد أعضاء النقابة أظهرت أن القرار جاء نتيجة ضغوط مورست على النقابة، وهو ما أثار غضب المعلمين الذين شعروا بخذلان جديد يضاف إلى سلسلة خذلان النقابات السابقة.
وقالت: "بدلاً من أن تعيد الدولة للمعلم كرامته وتلبي مطالبه المشروعة، قوبلنا بحافز هزيل يُصرف دون أي التزام قانوني وقد يتوقف في أي وقت. مطالبنا ليست تعجيزية بل واضحة ومعروفة للجميع: إعادة الرواتب إلى بندها الأول في الميزانية، هيكلة الأجور بما يتناسب مع الوضع المعيشي، إنصاف دفعة 2011، تثبيت المتعاقدين، إحالة المتقاعدين وصرف حقوقهم، إضافة إلى توفير الرعاية الصحية للمعلمين."
وأضافت أزهار: "بعد ثمانية أشهر من الإضراب، كنا نتوقع حلاً منصفاً، لكننا واجهنا خذلاناً رسمياً وهجوماً إعلامياً شرساً. من حق المعلم أن يعيش بكرامة، أن يستلم راتبه شهرياً من ميزانية الدولة لا كهبات أو صدقات، وأن يحصل على حقوقه المتراكمة من علاوات وتسويات، شأنه شأن أي موظف آخر في الدولة."
أولياء الأمور: أبناؤنا ضحايا
الأهالي من جانبهم عبّروا عن قلقهم العميق من الآثار السلبية لإضرابات المعلمين على أبنائهم، مشيرين إلى أن انقطاع التعليم لفترات طويلة أضرّ بمستوى الطلاب وأثقل كاهلهم بالضغوط النفسية والدروس المتراكمة، ما أدى إلى تراجع الانضباط وضعف التحصيل العلمي.
خلاصة
إن أزمة التعليم في الجنوب تعكس أزمة أعمق ترتبط بغياب الحلول الجذرية لتحسين أوضاع المعلم. فاستمرار تجاهل مطالبه يعني مزيداً من التدهور لمستقبل الأجيال. المعلم ليس مجرد موظف، بل صانع أطباء ومهندسين وقادة للمجتمع. ومن هنا، يبقى الحل الحقيقي في سرعة إنصافه وضمان حياة كريمة تليق بمكانته، بعيداً عن المماطلة والوعود المؤجلة.