السبت - 27 ديسمبر 2025 - الساعة 09:59 م
من سناح إلى حضرموت… كتبت دماء الشهداء إرادة الجنوب، وأكدت أن إرادة الشعوب أقوى من أي تحديات، وأنها تنتصر مهما طال الزمن وتعاظمت التضحيات.
في الذكرى الثانية عشرة لمجزرة سناح بمحافظة الضالع، نستحضر واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها نظام الاحتلال اليمني بحق أبناء الجنوب، تلك المجزرة الوحشية التي ما زالت جرحًا غائرًا في الذاكرة الجمعية لشعبنا. ففي ظهر يوم الجمعة الموافق 27 ديسمبر 2013م، أقدم اللواء 33 مدرع، بقيادة المجرم عبد الله ضبعان، على قصف مخيم عزاء الشهيد فهمي محمد قاسم داخل مدرسة سناح بقذائف الدبابات، في جريمة مكتملة الأركان استهدفت المدنيين العُزّل، وأسفرت عن ارتقاء أكثر من 20 شهيدًا وإصابة 41 جريحًا، غالبيتهم من الأطفال، الذين رسموا بدمائهم الطاهرة خارطة الألم على ساحة المدرسة، وسط أشلاء ممزقة على جدرانها.
وجاءت هذه المجزرة بعد عشرين يومًا من إعلان أبناء الجنوب الهبّة الشعبية تضامنًا واستنكارًا لجريمة الاغتيال التي كانت أشبه بعملية إعدام جماعي، نفذها جنود ما كان يُسمّى بالمنطقة العسكرية الأولى التابعة للاحتلال اليمني في وادي وصحراء حضرموت ومدينة سيئون، وذلك باغتيال الشيخ المقدم سعد بن حبريش ومرافقيه في 2 ديسمبر 2013م.
وفي هذا السياق، نستذكر أبرز مجازر الاحتلال اليمني بحق أبناء الجنوب، وفي مقدمتها مجزرة المعجلة بمديرية المحفد في محافظة أبين بتاريخ 17 ديسمبر 2009م، التي راح ضحيتها 41 شهيدًا، بينهم 14 امرأة و21 طفلًا، إضافة إلى 65 جريحًا، بتوجيهات مباشرة من وزير داخلية الاحتلال آنذاك رشاد العليمي. وكذلك مجزرة مصنع الذخيرة في منطقة الحصن بمحافظة أبين في 28 مارس 2011م، التي سقط فيها 83 شهيدًا من الأطفال والشيوخ والشباب، ومجزرة 23 يوليو 2009م في زنجبار التي راح ضحيتها 17 شهيدًا خلال قمع مسيرة سلمية للحراك الجنوبي، إضافة إلى جريمة القتل الجماعي في ساحة العروض بالعاصمة عدن في 21 فبراير 2013م، التي أسفرت عن سقوط 20 شهيدًا وإصابة أكثر من 130 جريحًا، فضلًا عن عدد كبير من المجازر الأخرى التي لا يتسع المقام لحصرها في هذا المقال.
لقد شكّلت جريمتا اغتيال المقدم سعد بن حبريش ومجزرة مخيم عزاء سناح نقطة تحول مفصلية في مسار النضال الجنوبي، حيث وصل شعب الجنوب إلى قناعة راسخة بأن خيار الكفاح المسلح أصبح ضرورة وجودية لحماية الأرض والإنسان، وسبيلًا لا بديل عنه لوقف مسلسل المجازر الجماعية التي ارتكبها الاحتلال اليمني بحق شعب أعزل، وأن الحقوق لا تُسترد إلا بالقوة وبالتضحيات الجسام.
وعندما نستذكر مجزرة سناح، فإنما نُذكّر بالمجرمين الحقيقيين صُنّاع هذه المجازر، الذين لم تصلهم يد العدالة والقانون، وما زالوا يعيشون بيننا بعد أن غيّروا جلودهم وتبدّلت مواقعهم القيادية، لكنهم لن ينسوا أبدًا مهنتهم الأساسية التي جُبلوا عليها في صناعة الإرهاب والقتل والدمار،فالجرائم التي يتعرض لها وطننا الجنوبي اليوم نجد بصماتهم الواضحة فيها، فهؤلاء الأفراد والجماعات الذين امتهنوا صناعة القتل سيظلون كما كانوا بالأمس، وسيأتي اليوم الذي يُحاسَب فيه المجرمون أمام القضاء والعدالة.
وهنا نُذكّر أولئك الذين ما زالوا حتى اليوم في مواقعهم ضمن ما يُسمّى بالسلطة الشرعية، يوظفون الخطاب السياسي والمنابر الإعلامية الجهوية التحريضية التعبوية، ويؤججون جذوات ثقافة الحقد والكراهية التي وأدت الوحدة وأنتجت حرب 1994م والاحتلال ضد أبناء الشعب الجنوبي،ولأنهم لا يمتلكون القدرة على المواجهة المباشرة مع الجنوب، عمدوا إلى استدعاء الخارج والحليف والشريك في معركة استعادة العاصمة صنعاء والقضاء على الانقلاب الحوثي، وتوجيهه واستخدامه لإبادة الشعب الجنوبي وقواتنا المسلحة الجنوبية، يراودهم الحلم الاستعماري في كسر إرادة الشعب الجنوب العربي، وإعادة احتلال أرضه، ونهب ثرواته، ومنعه من استعادة دولته.
واليوم، ونحن نستحضر هذه الذكرى الأليمة، على وقع الانتصارات التي حققتها قواتنا المسلحة الجنوبية بفرض سيطرتها على كامل تراب الجنوب العربي، نؤكد أن الدماء الزكية والتضحيات الجسيمة التي قدمها شعبنا الجنوبي منذ 1994م وحتى اليوم لم ولن تذهب هدرًا، وستظل، وبوصلة التوجه نحو تحقيق الأهداف والغايات الجنوبية المنشودة المتمثلة باستعادة دولة الجنوب العربي التي تهتدي بها أجيال الحاضر والمستقبل نحو مستقبل حر، آمن، وعادل، يليق بتضحيات شعب الجنوب العربي ونضاله الطويل.