اخبار وتقارير

السبت - 22 فبراير 2020 - الساعة 12:26 ص بتوقيت عدن ،،،

"4 مايو" تقرير/ عادل حمران:

عدن مدينة السلام وثغر الجنوب الباسم، حاضنة الجميع وأم المساكين، تحتفل مثل بقية دول العالم بعيد الحب، تشعر بالحب رغم كل أوجاع الحياة، وقسوة الواقع، وضنك العيش في وطن اجتمعت عليه ثلاثي الموت (الفقر والموت والحرب)، إلا أن ذلك لم يمنع الناس الاحتفال بمناسبة سنوية كهذه.

عدن التي استوطنت فيها كل أشكال العيش المرّ تبتهج بكل مناسبة، وأهاليها من مختلف أطيافهم يعبّرون عن مشاعرهم ويصرخون بملء أصواتهم المبحوحة بالحب، محاولين صناعة لحظات سعيدة، أفراح يخطفون بها أنفسهم بعيداً عن وجع الحروب وآلام السياسة.

ابتهج الجميع في عدن في الرابع من يناير تزامناً مع افتتاح الأسواق والمطاعم وشاركوا في حفلات الافتتاح رغم أنهم بدون رواتب، والكثير حضروا ولا يملكون شيئًا في حقائبهم فقط ليشاركوا عدن ابتهاجها ويفرحون وهم يشعرون بلا توقعات محبطة بأن مدينتهم ما تزال بخير رغم كل الوجع، متفائلين بعجلة التنمية والحياة التي ما تزال تدب فيها في كل حين.

#صراع لأجل البقاء
قبل عدة أيّام تم افتتاح مول تجاري كبير اسمه "نايتي مول" وعلى مسافة قصيرة منه يقع خط (عدن - تعز) الشارع الذي ما زالت آثاره شاهدة على عبث مليشيات الحوثي بوجه عدن المشرق، حيث تعرضت البنية التحتية للمدينة إلى خراب شبه كلي، إلا أن السكان لم يستسلموا وقاموا من تحت ركام الحرب مجددا يبحثون عن حياة جديدة مليئة بالسلام والهدوء ورغم أنهم لم يجدوا ما حلموا به لكنهم لم يستسلموا لكل أشكال العنف والصراعات التي وجدت عبثا في حياتهم.

وعلى الرغم من ضبابية المشهد السياسي إلا أن هالي هذه المدينة المسالمة يعيشون حياتهم غير آبهين بشيء، فقد تكبدوا أيّامًا سوداء وحياة صعبة طيلة الخمس السنوات الماضية، معبدة بالأزمات ولا يحصلون عن أبسط حقوقهم إلا عبر طوابير طويلة مثل: الغاز والروتي والمشتقات النفطية وحتى الرواتب التي بات الموظفون يتقاضونها مرة كل شهرين أو ثلاثة حتى تجلّدوا على الواقع المرير الذي وجدوا أنفسهم فيه.

الدكتور وليد الفقيه في تصريحه لـ "4 مايو" أكد بقوله: "لا غرابة أن يحدث كل هذا في عدن وتجد الناس صامدين وقلوبهم ما زالت تنبض للحب والحياة، فتاريخ المدينة زاخر، وعدن كانت قبلة العشاق ومدينة الحب والحياة والنَّاس تفرح بأي سبب يتيح لهم فرصة للابتهاج والسرور".

ويقول أيضاً الدكتور الفقيه: "الجيل القديم (آباؤنا) يستعيدون أيّام الزمن الجميل ويتذكرون عهدهم الذي يختلف عن أيامنا الغبراء، وجيلنا نحن الشباب يشارك هروبا من الواقع المرّ باحثين عن واقع أفضل ولو لساعات قليلة، فقد تعبت الناس من الحروب والصراعات ويبحثون عن حياة تقيهم كل هذا العبث".

وأضاف: "الناس في عدن متعطشون للفرح والسعادة والمناسبات السعيدة، رغم الفقر والغلاء إلا أن الكثير من الأسر تذهب للمشاركة في افتتاح الأسواق وفِي الحفلات بمجرد امتلاكهم أجرة المواصلات فقط".

واسترسل: "الناس في عدن بسطاء فقط يحتاجون إلى من يفهم مزاجهم ويحقق تطلعاتهم، وخصوصا وأننا وللأسف الشديد عايشين على البركة إلا أن عدن وأهلها أثبتوا بأنهم أهل الحب والسلام".

#عيد الحب في عدن
ابتهجت عدن مثل كل بقاع الدنيا بعيد الحب، حيث ازدحمت الشوارع والمولات والشواطئ والمنتجعات السياحية، فعدن مول ونايتي مول ومنتجع خليج الفيل السياحي ومنتجع نشوان امتلأت بالوفود الذين قدموا من كل مديريات العاصمة عدن، معبرين عن ابتهاجهم وسعادتهم بعيد الحب، العيد الذي يبتهجون فيه ولا يعرفون عنه شيئًا، فقط يرونه يوما مناسبا لارتداء الملابس الحمراء وتبادل الهدايا بين العاشقين معبرين عن الحب في وطن لم يعد للحب فيه مكان.

فمثل ما دمرت الكثير من المباني التي ترمز للحياة والحب في عدن جراء الحرب، شيدها العدنيون بعزيمتهم القوية، في محاولة لتعود مدينتهم إلى سابق عهدها الزاخر بالحب والتعايش.

الحب في شوارع عدن يختزل الشوق الكبير بالنسبة للعدنيين في عناق اللحظات الجميلة والسعيدة التي ذابت بفعل السنوات المريرة التي عاشتها عقب عقدين من التهميش والإقصاء وما راكمته بعدها من أشهر قضتها في عتمه الحرب المدمرة، وهي مع ذلك وبرغم كل شيء، ما تزال تعبر عن نفسها بالحب والحياة رغم كل مظاهر الموت.

أهالي عدن ورغم كل أوجاعهم سارعوا للتعبير عن حب مدينتهم بهذه المناسبة باحتشاد جماهيري حضنته ساحة كورنيش الشهيد جعفر محمد سعد، الشهيد الذي لطالما تمنى أن تشهد عدن نهضة اقتصادية ومعمارية وهو ما يزال على قيد الحَيَاة، غير أن دعاة الموت والإرهاب اختطفت روحه قبل أن يشهد هذا اليوم، ومع ذلك لم يتراجع العدنيون لحظة ولَم يتأخروا عن بقية دول العالم بل سابقوا الناس للابتهاج بعيد الحب معبرين عن حبهم للحياة والسلام رغم أن اللون الأحمر لون حياتهم وعكّر كل طقوس حياتهم ولونها بلون الدم والقتل والدمار.

منى اليافعي، ناشطة شبابية صرحت لـ "4 مايو"، بالقول: "الناس تعبوا من الأزمات الكثيرة التي مرت بها عدن وخصوصا خلال الخمس السنوات الماضية، ربما كانت سنينًا صعبةً وأيامًا قاسية". وبحسب اليافعي فقد شهدت عدن القتل والحروب والصراعات السياسية، حتى أصبح الناس يبحثون عن أبسط حقوقهم في العيش الكريم.

ومع كل هذا فقد شكلت مثل هذه المناسبات بحسب منى اليافعي مناسبة سارة للسعادة والابتهاج في طريق البحث عن السعادة ونسيان الأوجاع والأحزان.

وأضافت: "قد لا تصدق بأن أهلي كانوا ضد حضور مثل كذا مهرجانات وفعاليات، والآن مجرد أن يعرفوا بأن هناك مهرجانا أو حفلا أو أي شيء الكل يفرح ونذهب جميعا نشارك الفرحة، أقل حاجة نغير جو؛ لأن الواقع المحيط بهذا الوطن بائس والمشهد ضبابي والأخبار تشيب الرأس ما تعرف تصدّق من وتكذب من! الإعلام وللأسف أصبح يكذب دون حسيب أو رقيب؛ الناس تعبت وكل عام أصعب من الذي قبله، وكلما تخارجنا من أزمة نتفاجأ بأزمات أكبر من التي قبلها!".

واختتمت حديثها: "ربما لأول مرة تصل إلى هذا الحد من المآسي والأوجاع، بات الناس يهمون يومهم ويحلمون فقط بلقمة العيش، السياسيون أفسدوا البلد، وأجبروا الجميع على العيش في واقعهم المرير فتجد الكل سياسيًا في البيت والشارع والباص وكل مكان الناس تتابع كل شيء بقلق وخوف، عدن لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الصعوبات والمآسي ولهذا الناس تفرح بأي مهرجان أو حفل أو فعالية تنتشلهم من واقعهم وتعيدهم إلى زمن عدن الجميل أيّام محمد سعد وأحمد قاسم وغيرهم".

وفي المحصلة وبعد كل هذا ما تزال عدن تقاوم الموت بنشر الحياة، وشبانها يبذلون الكثير من الجهد في تنظيم الكثير من الفعاليات الشعبية، التي تعبر عن رغبة مجتمعية جامحة في مقاومة كل أشكال الحرب والموت، بفعاليات رمزية تعيد لعدن جزءًا من وجودها وحياتها التي سلبت جراء الصراع على جغرافيتها وسواحلها الاستراتيجية.