الإثنين - 22 سبتمبر 2025 - الساعة 06:17 م بتوقيت عدن ،،،
4 مايو / محمد الزبيري
منذ إعلان مشاركة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، في أعمال الدورة الـ(80) للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تتابعت ردود الفعل السياسية والإعلامية على المستويين المحلي والدولي.
الزيارة ليست عابرة، وليست مجرد مشاركة بروتوكولية في محفل دولي روتيني، بل هي محطة تاريخية تؤكد أن الجنوب لم يعد غائبًا عن الساحة الدولية، بل حاضرًا بقوة، ممثلًا بقيادته السياسية الشرعية التي أثبتت قدرتها على مخاطبة العالم من موقع الشريك لا التابع.
تأتي هذه الزيارة في ظرف إقليمي ودولي شديد التعقيد، حيث تتقاطع مصالح الدول الكبرى مع تحديات الأمن الإقليمي في البحر الأحمر وخليج عدن، إضافة إلى تفاقم الأزمات الإنسانية في اليمن.
في خضم ذلك، يحمل الرئيس الزُبيدي إلى نيويورك ملفًا مزدحمًا بالقضايا، لكنه في جوهره يرتكز على قضية شعب الجنوب وحقه في تقرير مصيره، باعتبارها القضية المحورية التي لا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية قادمة.
المشاركة الثانية على التوالي للرئيس الزُبيدي في اجتماعات الأمم المتحدة تكشف عن تحول نوعي في مكانة الجنوب، وعن تطور ملحوظ في مستوى الاعتراف الدولي بالانتقالي كلاعب رئيسي، الأمر الذي يعزز مسار الكفاح السياسي والدبلوماسي إلى جانب النضال العسكري والأمني الذي خاضه الجنوبيون منذ سنوات طويلة.
*دبلوماسية جنوبية و مرحلة جديدة
الدبلوماسية ليست مجرد كلمات تلقى من على منابر الأمم المتحدة، بل هي شبكة معقدة من اللقاءات والتفاهمات وبناء العلاقات. وهنا يبرز الدور الذي يقوم به الرئيس الزُبيدي في ترسيخ حضور الجنوب على الطاولة الدولية. فزيارة كهذه تتيح له عقد لقاءات جانبية مع قادة دول مؤثرة ومنظمات أممية، وهو ما يجعل صوت الجنوب يصل إلى مواقع صنع القرار لا عبر وسطاء بل من خلال قيادته مباشرة.
لقد أثبتت القيادة الجنوبية أن العمل الدبلوماسي لم يعد حكرًا على مراكز النفوذ التقليدية في الشمال، بل بات للجنوب تمثيله الفاعل. بل أكثر من ذلك، فقد أظهرت السنوات الأخيرة أن الجنوب أصبح معادلًا استراتيجيًا لا يمكن تجاوزه في معادلة الأمن الإقليمي. كل ذلك يجعل من زيارة الزُبيدي إلى الأمم المتحدة حدثًا نوعيًا يرسم ملامح مرحلة جديدة، عنوانها: الجنوب شريك لا بديل عنه.
*شراكات استراتيجية
لا يخفى أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل مركز الثقل في السياسة الدولية، ومن ثم فإن أي تقارب أو تفاهم معها يعني مكسبًا سياسيًا كبيرًا. زيارة الرئيس الزُبيدي إلى نيويورك ليست مجرد مشاركة شكلية، بل هي فرصة لبناء شراكات استراتيجية مع واشنطن تحديدًا، ومع المؤسسات الدولية الكبرى كالأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد.
القضايا التي يمكن أن تفتحها هذه الزيارة متعددة: الأمن البحري في خليج عدن وباب المندب، مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة، التعاون الاقتصادي والاستثماري في مجالات الطاقة والموانئ، إضافة إلى الملف الإنساني والإغاثي. كل هذه الملفات تمثل مصالح مشتركة يمكن أن تُبنى عليها شراكات قوية تخدم الجنوب وتخدم في الوقت نفسه المجتمع الدولي الباحث عن الاستقرار.
إن حضور الرئيس الزُبيدي في نيويورك يرسل رسالة واضحة: الجنوب لم يعد منطقة مهمشة، بل هو لاعب أساسي في حماية طرق التجارة الدولية وفي مواجهة التحديات الأمنية التي تهم العالم بأسره.
*إيصال صوت الجنوب إلى صُنّاع القرار العالمي*
لعل أحد أبرز مكاسب المشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة هو أن الجنوب بات يمتلك منبرًا عالميًا لإيصال صوته. لعقود طويلة، جرى تهميش قضية الجنوب أو طمسها في دهاليز السياسة اليمنية، لكن اليوم ومع وجود الرئيس الزُبيدي في نيويورك، يتغير المشهد كليًا.
الزُبيدي لا يمثل نفسه، بل يمثل شعبًا بأكمله ضحى بآلاف الشهداء والجرحى، ويخوض معركة يومية ضد الفساد والإرهاب وانهيار الخدمات. ومن هنا، فإن كلمته في الأمم المتحدة ستكون انعكاسًا لصوت الملايين من أبناء الجنوب الذين يتطلعون إلى مستقبل أفضل يضمن لهم الحرية والكرامة والسيادة.
*رؤية سياسية واضحة للحل العادل والشامل*
من أهم الرسائل التي يحملها الرئيس الزُبيدي إلى المجتمع الدولي هي رؤية المجلس الانتقالي الجنوبي للحل السياسي. هذه الرؤية تنطلق من مبدأ حق تقرير المصير، وترتكز على أن أي تسوية سياسية في اليمن لا يمكن أن تكون ناجحة ما لم تأخذ في الاعتبار حق الجنوبيين في استعادة دولتهم.
الجنوب اليوم ليس مجرد طرف ثانوي، بل هو الميدان الأكثر استقرارًا والأكثر تنظيمًا من الناحية الأمنية والعسكرية، وبالتالي فإن تجاهل تطلعاته سيكون وصفة للفشل. ومن هنا فإن الرؤية التي يقدمها الزُبيدي ستحظى باهتمام كبير من القوى الدولية، لأنها تمثل الطريق الأكثر واقعية لضمان الاستقرار طويل المدى.
*تأكيد الشرعية الدولية للمجلس الانتقالي الجنوبي
شرعية المجلس الانتقالي لم تعد مسألة محلية أو إقليمية فقط، بل باتت تُترجم على المستوى الدولي. المشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرة الثانية على التوالي تمثل اعترافًا عمليًا بأن المجلس شريك لا يمكن تجاهله.
هذه الشرعية لا تقتصر على الحضور البروتوكولي، بل تمتد إلى لقاءات جانبية ومشاورات رسمية وغير رسمية، وهو ما يفتح الباب أمام تعزيز مكانة الانتقالي كطرف رئيسي في أي مفاوضات سياسية قادمة.
*الزُبيدي يستعرض التحديات الأمنية والإنسانية أمام العالم*
أحد الملفات الثقيلة التي يحملها الزُبيدي إلى نيويورك هو ملف التحديات الأمنية والإنسانية التي يعيشها الجنوب. الوضع الأمني في ظل الجماعات الإرهابية والتهديدات المستمرة يتطلب دعمًا دوليًا جادًا، كما أن الوضع الإنساني المتردي بحاجة إلى تدخل عاجل من المجتمع الدولي.
الرئيس الزُبيدي سيعرض هذه التحديات بشكل مباشر، ليس فقط لتوصيف الأزمة، بل لحشد الدعم لمعالجتها، سواء عبر دعم الجهود الأمنية أو عبر تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية التي تخفف من معاناة الشعب الجنوبي.
*فرص دولية لتعزيز الأمن البحري ومكافحة الإرهاب*
الجنوب، بحكم موقعه الجغرافي الاستراتيجي، يسيطر على أهم الممرات البحرية في العالم. ومن هنا فإن زيارته إلى الولايات المتحدة تمثل فرصة لتعزيز التعاون الدولي في مجال الأمن البحري ومكافحة الإرهاب.
هذا الملف تحديدًا يحظى باهتمام دولي كبير، لأن استقرار طرق التجارة العالمية يرتبط بشكل مباشر بأمن الجنوب. وبالتالي فإن أي تفاهمات أو شراكات في هذا الجانب ستعني تعزيز مكانة الجنوب كحارس للأمن البحري وكشريك استراتيجي للعالم.
*إحياء مناسبات أكتوبر ونوفمبر بروح الانتصار والهوية*
إلى جانب البعد الدبلوماسي، تحمل زيارة الزُبيدي دلالات داخلية مرتبطة بالهوية الوطنية الجنوبية. فالتزامن مع قرب إحياء ذكرى ثورة 14 أكتوبر المجيدة ويوم الاستقلال الوطني 30 نوفمبر، يضيف بُعدًا رمزيًا للزيارة، حيث يرى الجنوبيون أن نضالهم السياسي اليوم هو امتداد لنضال أجدادهم.
هذه المناسبات الوطنية تمنح الزيارة زخمًا إضافيًا، وتجعلها فرصة لإعادة شحن الوعي الجمعي الجنوبي بروح الانتصار والتمسك بالهوية الوطنية، في وقت يسعى فيه الخصوم إلى تشتيت الصف الجنوبي أو تقزيم قضيته.
*الجنوب شريك أصيل في القرار الدولي لا يمكن تجاوزه*
في المحصلة النهائية، تؤكد زيارة الرئيس الزُبيدي إلى نيويورك أن الجنوب لم يعد معزولًا كما كان في الماضي، بل أصبح جزءًا أصيلًا من القرار الدولي. ما قبل 2015م ليس كما بعده، وما قبل تأسيس المجلس الانتقالي ليس كما بعده.
اليوم يقف الجنوب ممثلًا بقيادته الشرعية على منصة الأمم المتحدة، ويشارك في صياغة مستقبل المنطقة، ويرسم ملامح مرحلة جديدة، عنوانها أن الجنوب شريك لا يمكن تجاوزه، وأن قضيته العادلة باتت على الطاولة الدولية بكل ثقلها وشرعيتها.