اخبار وتقارير

الإثنين - 24 سبتمبر 2018 - الساعة 12:41 ص بتوقيت عدن ،،،

4 مايو / كتب/ محمد الهدالي- حسين الأنعمي :

ما أثقل المهمة علينا حين نحكي عن عزيزين رحلوا، خصوصا إن كانوا بحجم ومكانة الشهداء الذين روَوا بدمائهم تربة الوطن وأرخصوا حياتهم في سبيل عزته وحريته ونصرته ، لأننا مهما حاولنا التمعن في انتقاء الألفاظ واختيار الكلمات فإننا بالتأكيد لن نصل إلى مكمن وصف يليق بهم، وسنظل عاجزين عن رد الوفاء لهم، ولا نملك أمامهم سوى دعوة صادقة تطير من بين أكفنا المرفوعة إلى السماء لتسأل الله أن يكرم نزلهم ويحسن مثواهم ويجعل فردوس جنته الأعلى مكانهم ومستقرهم الأبدي.
تمر علينا اليوم الذكرى الثامنة لاستشهاد القائد البطل / محسن صالح مثنى الهدالي (أبو محمد)، أحد القادة العسكريين الأبطال الذين صنعوا أيقونة النصر، وأمدوا المقاومين بالكثير من دروس النضال الثوري، وكانوا بأنفسهم جبهات منيعة قاومت جحافل الاحتلال منذ عام 90، حيث جعلوا منها مراكب استقلوها للظفر بالشهادة مقابل نعيم وكرامة النصر لشعبهم ووطنهم.

نبذه مختصرة عن الشهيد
الاسم: القائد محسن صالح مثنى حسن الهدالي.
مكان وتاريخ الميلاد: 1967م. في قرية بني خلف م/ جحاف م/الضالع.
الحالة الاجتماعية: متزوج وله من الذكور أربعة أولاد (وضاح، محمد، عبد الله، سيف).
نشأ الشهيد وترعرع في مسقط رأسه، مديرية جحاف بالضالع، ودرس فيها الابتدائية، وفي عام 1985م التحق في السلك العسكري، تحديداً في القوات البحرية.

حياة الشهيد وأدواره النضالية
بعد أن التحق الشهيد بالسلك العسكري وبدأ عمله فيه من مدينة عدن، واستمر هناك إلى يوم إعلان الوحدة المشؤومة في عام 90، وحتى اجتياح واحتلال الجنوب صيف 94، وفي حرب 1994/7/7، كان الشهيد أحد المدافعين عن الوطن، وواحد من الأبطال الذين خاضوا أشرس المعارك في عدن، قبل أن يصاب الشهيد في إحدى المعارك، وتم نقله وإسعافه على إثرها إلى المستشفى، لكن غيرته على وطنه وحبه له لم يمهلانه الانتظار حتى تشفى جراحه، ليجده مرافقوه قد نهض من سرير إصابته وأخذ سلاحه وجعبته وعاد إلى أرض المعركة ليواصل قتاله، ثم قاتل قتال الشجعان إلى جانب إخوانه الميامين، حتى قتل كل من بجانبه من رفاقه وبقي لوحده يقاتل حتى اكتملت ذخيرته، ووجد فلول الاحتلال تحوط عليه وتحاصره ومن ثم تم اقتياده إلى سجن الأمن المركزي في العاصمة اليمنية صنعاء، وبعد انتهاء الحرب تم الإفراج عنه وتم تسريحه من عمله كبقية الكوادر الجنوبية التي منيت بذات الدور، لتفيق على واقع مؤلم لا وجهة له سوى الظلم والقهر والحرمان.
وعندما انطلقت الثورة الجنوبية بعد تشكيل جمعية المتقاعدين العسكريين والأمنيين في محافظة الضالع، كان الشهيد أحد ركائزها وقادتها وأحد مؤسسي الحراك الجنوبي.
وفي 2008/8/28، تحديداً عندما جابت شوارع المحافظة مسيرة حاشدة نددت بتحرير واستقلال الجنوب، كان الشهيد في مقدمة الصفوف المتظاهرين السلميين، والذي تفاجؤوا بأطقم الأمن المركزي تخرج لقمعهم وتفريقهم، ليسقط على إثرها عدة قتلى وجرحى، ولم يبخل الشهيد هذه المرة على وطنه، فقد كان واحدًا من الجرحى الذين سقطوا، حيث أصيب بطلقة نارية اخترقت جسده.
تم تعيينه رئيساً للملتقى الثوري على مستوى المديرية، ومنظم للحشد على مستوى المحافظة، وكلف بمهمة حماية المسيرات وأيضاً ماسك (سر المحافظة).
وكعادة سلطات الاحتلال، بعد فشلها في إخماد العنفوان الثوري الذي يتأجج في قلوب الثوار، لجأت إلى محاولات الاستقطاب والإغراء، فكان الشهيد إحدى الشخصيات التي حاولت سلطات الاحتلال مغازلتها وجرها إليها، حيث عرضت عليه مناصب وأموال طائلة مقابل تنحيه من صف الثورة، لكنه قابل جميع تودداتهم بالرفض، وفضّل البقاء في صف الشعب، رافعاً شعارًا واحدًا يحمل في طياته خيارين لا ثالث لهما، وهما إما النصر واستعادة الدولة الجنوبية أو نيل الشهادة في سبيل ذلك.
وبعد رفضه لتلك الإغراءات، قامت قوى الاحتلال بملاحقته والتضييق عليه، حتى وصل الحال لاعتقاله أكثر من مرة، ولم تكتفِ بذلك، بل أسرفت في تعذيبه بسبب انتمائه ونشاطه الثوري، لكنه واصل نشاطه الثوري ولم يحيد عن أهدافه الوطنية قيد أنملة ، وعندما رأت سلطات الاحتلال أعماله الوطنية وتحركاته الثورية على نسقها السابق، وبعد فشلها في جره إليها وتعبت من ملاحقته ومطاردته ، وضعت رأسه في عداد فوهة بنادقها وحاولت اغتياله في أكثر من مرة لكن محاولاتها باءت بالفشل.
وخلال مسيرته النضالية كانت له فيها مواقف جبارة وعظيمة، نتذكر بعض منها على سبيل التمثيل لا الحصر، ففي عام 2009، حينما كانت مدفعية الاحتلال اليمني تقصف بنيران فوهتها ضواحي مدينة ردفان من أعلى قمة جبل (الأحمرين) كان الشهيد القائد من ضمن أفراد مجموعة من المقاتلين الذين دمروا المدفعية وأوقفوا قصفها الهستيري.
إضافة إلى ذلك، فقد كانت للشهيد القائد مواقف بطولية كثيرة في مسيرة حياته النضالية ضد الاحتلال اليمني وأذنابه، حيث كان وثيق الصلة بكل ما يجري من أحداث في الضالع خاصة والجنوب عامة، ففي أي عدوان على المدينة، منها دار الحيد، قصف مديرية جحاف بالمدفعية، محاولات إذلال الثوار وهجوم على منازلهم، من قبل قوات الاحتلال فرض الهيمنة، تجده أول الحاضرين، فقد سطر أروع البطولات مع رفاقه الأبطال، منهم الشهيد ابن عمه سيف علي غالب الهدالي ، والشهيد فارس عبدالله صالح ، والشهيد أياد الخطيب ، والشهيد توفيق الجعدي ، والشهيد علي الرجال ، والشهيد علي عبداللاه الخويل ، والشهيد عميد ، والشهيد حمادة وغيرهم الكثير..
وعند قصف العدوان الشمالي من المواقع العسكرية بمحافظة الضالع على الأحياء السكنية كان الشهيد ضمن رفاقه المتصدين بفعل الرد والمخاطبين للقوات الاحتلالية بلغة العنف ولم يتقهقروا ولم يستسلموا.
تم حصار القوات الاحتلالية بأعلى مديرية جحاف لاغتنام العتاد والعدة العسكرية للبدء بالعمل الثوري، لكن المرحلة لم تكن مهيأة للنصر، بظل استقواء المحتل وأصيب الشهيد خلالها.
ولم يتوقف نشاط الشهيد عند هذا الحد، بل استمر في عمله التنظيمي والسياسي وأعماله الفدائية وتحركاته الميدانية ليلاً ونهاراً، وقد كان محل ثقـة لدى الجميع، واستمر مع رفاق نضاله يعملون ويخططون وينفذون معاً منذ اليوم الأول لانطلاقة الثورة، وسطروا من خلالها ملحمة تاريخية خالدة ستبقى محفورة في الذاكرة الجنوبية إلى الأبد، وسيتناوب على ارتشاف دروسها البطولية جيل بعد جيل.
وفي 2010/9/22م كان يومًا مشؤوم، مثل انتكاسة وحزنًا عميقين بين الأوساط الثورية والشعبية الجنوبية بعد أن تبادر إلى الأذان نبأ اغتيال واستشهاد القائد البطل / محسن صالح مثنى الهدالي، بعد أن ارتقى شهيداً إثر عبوة ناسفة زرعتها فلول العدو في شارع الجمروك بمحافظة الضالع، لتغرب شمس ذلك اليوم حاملة روح الشهيد القائد (أبو محمد)، أحد رموز الثورة الجنوبية الذين عرفتهم ميادين العزة والشرف وساحات المعارك والملاحم البطولية، من أبطال ونخب وثوار ومناضلين، تاركا وصيته المأثورة بأن يدفن في مقبرة (الشهداء) في المدينة، وهو ما كان له عندما شيعه الآلاف من أبناء محافظة الضالع في يوم الـ28 من سبتمبر، حيث ووّريَ الثرى بجانب رفاقه الشهداء الذين رووا بدمائهم الزكية تربة الوطن بكرم وسخاء، آملين أن تزهر ورود الحرية وأزهار النصر والعيش الكريم للشعب، لتقهر بنسائمها ونشوتها طغاة الشر وأعداء الحياة والإنسانية.. لروحك الطاهرة الكرامة والرحمة والخلود (أبا وضاح) ولكل شهدائنا الأبرار.