الثلاثاء - 07 أكتوبر 2025 - الساعة 01:29 ص بتوقيت عدن ،،،
4 مايو/ خاص
في حوار اتسم بالهدوء والوضوح والجرأة السياسية، قدّم الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، عبر شاشة قناة الحرة، رؤية شاملة لمستقبل الجنوب، تتجاوز حدود الجغرافيا التقليدية، وترسم ملامح دولة جديدة باسم "الجنوب العربي"، تستند إلى الفيدرالية، والشراكات الإقليمية والدولية، وتستشرف مرحلة ما بعد الحوثي في مسار حل الدولتين.
كان اللقاء، الذي أجري في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمثابة خريطة طريق سياسية واضحة المعالم، تحدد موقع الجنوب في المعادلة اليمنية والإقليمية والدولية المقبلة، وتضع النقاط على حروف أسئلة الهوية والسيادة والتحالفات.
*من الميدان إلى السياسة
ولد عيدروس الزُبيدي في محافظة الضالع عام 1967، وخاض منذ شبابه مساراً سياسياً وعسكرياً مرتبطاً بقضية الجنوب. من تأسيس حركة "حتم" في مطلع الألفية، إلى قيادته المقاومة الجنوبية ضد الحوثيين عام 2015، ثم تعيينه محافظاً لعدن قبل إقالته في 2017، ليؤسس بعد ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تحوّل إلى الممثل الأبرز لقضية الجنوب.
اليوم، وبعد ثمانية أعوام على تأسيس المجلس، يتحدث الزُبيدي من موقع نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، مقدّماً مشروعاً سياسياً متكاملاً لاستعادة دولة الجنوب على أسس جديدة أكثر استقراراً وانفتاحاً.
*الوحدة اليمنية.. من الحلم إلى القطيعة
في حديثه، أشار الزُبيدي إلى أن تجربة الوحدة اليمنية عام 1990 تحوّلت من مشروع شراكة إلى وسيلة هيمنة، خصوصاً بعد حرب 1994 التي رسخت هيمنة صنعاء على الجنوب.
هذا التحول – برأيه – شكّل نقطة الانطلاق للحراك الجنوبي، الذي أعاد إحياء قضية الاستقلال، وعبّر عن شعور جماعي بالظلم.
يقول الزُبيدي إن “الوحدة التي قامت بين غالب ومغلوب لم تكن قابلة للاستمرار”، مؤكداً أن “القطيعة مع فكرة اليمن الموحد ستكون نهائية، ولن تحمل الدولة القادمة حتى اسم اليمن”.
*من الحراك الشعبي إلى الدولة المؤسسية
تطور المشروع الجنوبي من حراك شعبي إلى كيان سياسي منظم مع تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو 2017.
يصف الزُبيدي المجلس بأنه “نتاج لتراكمات الحراك والمقاومة الجنوبية”، وأنه أصبح “مظلّة سياسية شرعية لقضية الجنوب”، مستنداً إلى اتفاق الرياض والمشاركة في الحكومة ومجلس القيادة، وإلى قاعدة شعبية واسعة في المحافظات الجنوبية.
لكن الزُبيدي يدرك أن التحدي الأكبر يكمن في بناء توافق جنوبي شامل، وهو ما يسعى المجلس لتحقيقه من خلال الحوار الوطني الجنوبي ومشروع الدولة الفيدرالية.
* الجغرافيا السياسية الجديدة
في رؤيته المستقبلية، يتجاوز الرئيس الزُبيدي حدود ما قبل عام 1990، متحدثاً عن “جنوب عربي” يمتد ليشمل مناطق واسعة يرى سكانها أن مصيرهم مرتبط بالجنوب، مثل مأرب وتعز.
قال الزُبيدي في حديثه لـالحرة: “الكثير من سكان مأرب وتعز يطالبون بالانضمام إلى الجنوب، ونحن نرحب بهم ضمن الخارطة الجغرافية والسياسية للجنوب”.
بهذا الطرح، يفتح الزُبيدي الباب أمام إعادة رسم الخارطة السياسية لليمن على أساس واقعي جديد فرضته الحرب وتبدّل موازين القوى.
*الحوثي التهديد المشترك
يرى الرئيس الزُبيدي أن الأولوية الحالية تتمثل في إنهاء خطر الحوثي كخطوة أولى نحو الحل النهائي.
ويؤكد أن قوات الجنوب شكّلت خط الدفاع الأبرز في مواجهة الميليشيات، مشيراً إلى أن “المقاومة الجنوبية لم تكن مجرد رد فعل عسكري، بل جزء من مشروع سياسي وطني يهدف إلى بناء دولة فيدرالية مستقرة”.
وبحسب بيانات المجلس الانتقالي، فإن الدعم الإماراتي لعب دوراً محورياً في تدريب وتجهيز نحو 90 ألف مقاتل، أسهموا في تحرير ما يقارب 93% من أراضي الجنوب، واستعادة عدن وبسط الأمن في عموم المحافظات الجنوبية.
*التحالفات الإقليمية والدولية
لا يخفي الرئيس الزُبيدي إيمانه بضرورة بناء تحالفات استراتيجية مع دول الخليج والولايات المتحدة، انطلاقاً من الموقع الجيوسياسي الجنوبي عند مضيق باب المندب.
يقول: “دولة الجنوب العربي ستكون شريكاً متميزاً مع الإمارات والسعودية والخليج، وسنكون جزءاً فاعلاً في مجلس التعاون الخليجي”.
ويضيف أن الجنوب سيقيم علاقات استراتيجية مع واشنطن في مجالات الأمن البحري ومكافحة الإرهاب والاستثمار في الثروات الطبيعية.
*اتفاقيات أبراهام: انفتاح مشروط
وحول الموقف من اتفاقيات أبراهام، أوضح الزُبيدي أن “حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين هو حجر الزاوية لاستعادة الاتفاق إلى مساره الصحيح”، مشيراً إلى أن دولة الجنوب العربي ستكون منفتحة على الانضمام إلى الاتفاق إذا تحقق الاعتراف بدولة فلسطين.
وأكد رفضه للتدخلات الإسرائيلية في غزة قائلاً: “ما يجري في غزة مؤلم وغير مقبول على المستوى الإنساني والعربي”.
*ما بعد الحوثي: دولتان وجغرافيا جديدة
يطرح الزُبيدي تصوره للمرحلة المقبلة بوضوح: “بعد انتهاء الحوثي، ستكون هناك دولتان: شمال وجنوب. نحن نحترم إرادتهم كشماليين وهم يحترمون إرادة الجنوبيين”.
ويرى أن العملية السياسية “قد تكون طويلة ومعقدة”، لكنها في النهاية ستفضي إلى صيغة “حل الدولتين”، مع استعداد الجنوب لفتح باب الانضمام أمام المناطق التي تختار ذلك بحرية.
*الجنوب من الفكرة إلى الدولة
من خلال حواره مع قناة الحرة، بدا الزُبيدي أكثر ثقة من أي وقت مضى في أن مشروع “الجنوب العربي” لم يعد مجرد حلم أو شعار، بل رؤية سياسية واقعية مدعومة بالتحالفات والحقائق الميدانية.
وبينما تترقب الأوساط الإقليمية والدولية مآلات الصراع اليمني، يضع الرئيس الزُبيدي معادلة جديدة: جنوب مستقر، فاعل إقليمياً، وشريك استراتيجي في الأمن الإقليمي والدولي.