4 مايو/ تقرير/ محمد الزبيري
في كل محطة مفصلية يحقق فيها شعب الجنوب وقواته المسلحة تقدمًا نوعيًا على الأرض، تتكثف الحملات الإعلامية المعادية، وتخرج ماكينة الشائعات بكامل طاقتها في محاولة يائسة لتشويه الانتصارات، وخلط الأوراق، وبث الإرباك في الوعي العام.
هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، بل هي استراتيجية ممنهجة تلجأ إليها القوى المناهضة لمشروع استعادة دولة الجنوب كلما شعرت بأن موازين القوى لا تسير في صالحها. فالحرب الحديثة لم تعد تقتصر على المواجهة العسكرية المباشرة، بل أصبحت حربًا هجينة تُستخدم فيها المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي كأدوات لشن هجمات نفسية تهدف إلى تآكل الجبهة الداخلية وزعزعة ثقة الشعوب بقياداتها.
ما يجري اليوم من ترويج مكثف لأكاذيب تزعم وجود ضغوط سعودية لإجبار القوات المسلحة الجنوبية على الانسحاب من وادي حضرموت والمهرة، ليس سوى فصل جديد من فصول الحرب الإعلامية التي يقودها حزب الإصلاح اليمني، بتنسيق غير معلن مع جماعة الحوثي، وبأدوات إعلامية متغلغلة داخل عدد من القنوات الإقليمية المؤثرة.
هذه الحرب النفسية تهدف إلى خلق حالة من عدم اليقين وزعزعة الثقة بين القيادة الجنوبية وحاضنتها الشعبية، وإظهار أن القرار الجنوبي مرهون بالخارج، وهو ما يتنافى مع حقائق التفويض الشعبي الذي يحظى به المجلس الانتقالي الجنوبي.
تزامن هذه الحملات،مع وصول وفد سعودي إلى العاصمة عدن، جاءت لتؤكد مرة أخرى أن خصوم الجنوب لا يملكون سوى الإعلام المضلل سلاحًا بعد أن خسروا المعركة على الأرض.
فالهزيمة التي مُنيت بها أدواتهم في وادي حضرموت والمهرة كانت قاسية إلى الحد الذي لم يجدوا معه سوى تسويق الأوهام، علّها تخفف من وقع الصدمة، أو تمنح أنصارهم جرعة وهمية من الأمل.
غير أن الوقائع الميدانية، والاصطفاف الشعبي الجنوبي غير المسبوق، وثبات القوات المسلحة الجنوبية في مواقعها، كلها عوامل تجعل من هذه الحملات مجرد ضجيج عابر لا يغير من مسار الأحداث شيئًا.
*شائعة الانسحاب
لم يأتِ ترويج شائعة انسحاب القوات المسلحة الجنوبية من وادي حضرموت والمهرة عبثًا، بل تزامن بدقة مع متغيرات ميدانية وسياسية أربكت حسابات حزب الإصلاح والحوثيين على حد سواء.
فالنصر الذي حققته القوات الجنوبية، والالتفاف الشعبي الواسع حولها، سحب البساط من تحت أقدام القوى التي اعتادت الاستثمار في الفوضى والفراغ الأمني لعقود طويلة، وحرمها من مناطق نفوذ استراتيجية كانت تستخدمها لتهديد أمن الجنوب والمنطقة.
التوقيت هنا ليس تفصيلًا ثانويًا، بل عنصرًا كاشفًا لحقيقة الحملة. فمع كل انتصار جنوبي، يُعاد إنتاج الخطاب ذاته.
حديث عن ضغوط خارجية، تسريبات عن صفقات، وشائعات عن انسحابات وشيكة والهدف واحد، وهو كسر المعنويات، وزرع الشك بين صفوف الشارع الجنوبي، ومحاولة إظهار المجلس الانتقالي الجنوبي وقواته المسلحة بمظهر العاجز أو الخاضع للإملاءات، في حين أن الواقع يؤكد عكس ذلك تمامًا. إنها محاولة لتقويض شرعية الإنجاز الميداني عبر التشكيك في استقلالية القرار الجنوبي.
علاوة على ذلك، تهدف هذه الشائعات إلى إحداث شرخ بين القيادة الجنوبية وحلفائها في التحالف العربي، من خلال تصوير الدعم المقدم على أنه أداة ضغط وليس شراكة استراتيجية لمواجهة التحديات المشتركة.
*تحالف حزب الإصلاح والحوثي
على الرغم من التناقض الظاهري في أيديولوجياتهم وأهدافهم المعلنة، يجد حزب الإصلاح وجماعة الحوثي نفسيهما في خندق واحد عندما يتعلق الأمر بمواجهة المشروع الوطني الجنوبي.
المتابع لمسار الأحداث يدرك أن الطرفين يلتقيان عند نقطة واحدة كلما تعرضا لهزيمة مشتركة، وهي صناعة الشائعات وتضليل الرأي العام وهذا "التحالف المصلحي" غير المعلن ينبع من إدراكهما أن نجاح المشروع الجنوبي يعني نهاية نفوذهما في مناطق استراتيجية وحيوية.
بعد هزيمته العسكرية والضربات الموجعة التي تلقاها وجد حزب الإصلاح، بعد فقدان نفوذه الميداني في الجنوب، في الإعلام ساحة بديلة لمحاولة تعويض خسائره، فيما يرى الحوثي في أي استهداف للقوات الجنوبية فرصة لإضعاف خصم أساسي أفشل تمدده جنوبًا.
هذا التلاقي غير المعلن يتجلى بوضوح في تبني الروايات ذاتها، وتكرار العناوين نفسها، وتضخيم أي خبر غير موثق، وتقديمه على أنه "معلومة مؤكدة" وهي استراتيجية مكشوفة، سبق استخدامها في محطات عديدة، وفشلت في كل مرة أمام وعي الشارع الجنوبي الذي بات أكثر إدراكًا لأدوات الحرب النفسية وأساليبها.
يفضح هذا التناغم في الخطاب الإعلامي بين الطرفين حقيقة أن عدوهما المشترك هو استقرار الجنوب وقوة مشروعه الوطني ويؤكد أن العداء المتبادل بينهما ليس سوى أكذوبة يظهر زيفها في التحالف العلني ضد الجنوب.
*تغلغل إعلام الإخوان في القنوات الإقليمية
تكشف مصادر إعلامية عن استمرار نفوذ القيادات المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين داخل غرف تحرير عدد من القنوات الإقليمية، وفي مقدمتها قناتا العربية والحدث، وقناة الجزيرة. ووفق هذه المصادر، يقف المدعو حمود منصر محرر أخبار الشؤون اليمنية في قناتي العربية والحدث، إلى جانب الإخواني أحمد الشلفي المسؤول عن قسم الأخبار اليمنية في قناة الجزيرة، في صدارة هذا التأثير، حيث ينتمون جميعًا لجماعة الإخوان ومحافظة تعز.
هذا النفوذ لم يعد خافيًا على المتابعين، بل بات واضحًا في طريقة تناول الملف الجنوبي، واختيار العناوين، وانتقاء الضيوف، وصياغة الأخبار بما يخدم أجندة محددة تستهدف الجنوب والمجلس الانتقالي وقواته المسلحة. وهي ممارسات تخرج عن إطار المهنية الصحفية، وتندرج ضمن حرب إعلامية ممنهجة تهدف إلى تشويه الحقائق وتزييف الوعي. إن وجود هؤلاء الأفراد في مواقع حساسة يمنحهم القدرة على توجيه الرأي العام الإقليمي بما يخدم مصالح تنظيمهم على حساب الحقيقة والموضوعية. فهم لا ينقلون الخبر، بل يصنعونه ويوجهونه لخدمة أهداف سياسية ضيقة، مستغلين ثقة الجمهور في هذه المنصات الإعلامية الكبرى.
*إفلاس سياسي يتخفى بلباس إعلامي
الحملات المتكررة التي تشنها هذه المنابر ضد الجنوب ليست دليل قوة، بل مؤشر واضح على الإفلاس السياسي الذي يعيشه حزب الإصلاح وحلفاؤه.
فعندما تعجز القوى عن تحقيق أي إنجاز على الأرض، تلجأ إلى الإعلام كملاذ أخير، محاولة من خلاله إعادة تشكيل الواقع بما يتناسب مع أوهامها.
وهذا الإفلاس لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يمتد إلى فقدان أي مشروع سياسي جاذب يمكن أن ينافس المشروع الوطني الجنوبي الذي أثبت قدرته على حشد الجماهير وتحقيق الأمن والاستقرار.
غير أن هذا الإفلاس بات مكشوفًا، خاصة في ظل التناقض الصارخ بين ما يُبث على الشاشات وما يراه الناس على الأرض فالقوات المسلحة الجنوبية تواصل تمركزها وثباتها، والأمن في المحافظات الجنوبية يتحسن، والشارع الجنوبي يزداد التفافًا حول قيادته السياسية والعسكرية، في وقت لا يملك فيه خصوم الجنوب سوى العناوين الصفراء والتسريبات المجهولة المصدر. هذه الفجوة بين الدعاية والواقع هي التي تضعف تأثير هذه الحملات يومًا بعد يوم، وتحولها إلى مجرد صدى صوت في فراغ.
*تجربة 27 أغسطس 2019… التاريخ يعيد نفسه*
ليست هذه المرة الأولى التي تمارس فيها هذه القنوات الدور ذاته. فخلال أحداث 27 أغسطس 2019، لعب الإعلام الإخواني الدور نفسه، عندما ضخ أخبارًا عاجلة تزعم "سقوط مطار عدن وقصر معاشيق" في محاولة لرفع معنويات مليشيات الإخوان التي كانت تحاول التقدم نحو العاصمة عدن.
كانت تلك الأخبار الكاذبة تهدف إلى إحداث بلبلة في صفوف المدافعين عن عدن وإيهام الرأي العام بأن المعركة قد حُسمت.
إلا أن تلك الروايات انهارت سريعًا أمام صمود أجهزة أمن عدن وقيادتها آنذاك، التي تمكنت من استعادة السيطرة الكاملة على أجزاء من مديريات المنصورة ودار سعد، وهزمت المليشيات الإخوانية على أسوار العاصمة.
تلك اللحظة كانت كاشفة لحقيقة الدور الذي يلعبه هذا الإعلام، وأكدت أن ما يُبث لا يعدو كونه جزءًا من معركة نفسية فاشلة.
إن تكرار نفس الأساليب اليوم يدل على عجز هذه القوى عن ابتكار أدوات جديدة، واعتمادها على ذاكرة قصيرة للجمهور، وهو رهان خاسر في ظل الوعي المتزايد لدى الشارع الجنوبي.
*القوات المسلحة الجنوبية
تؤكد المصادر أن القوات المسلحة الجنوبية وقيادتها باتت اليوم أكثر قوة وتنظيمًا وصلابة من أي وقت مضى. فالتجربة القتالية، وتراكم الخبرات، والدعم الشعبي الواسع، كلها عوامل جعلت هذه القوات عصية على محاولات الاستهداف الإعلامي.
لقد انتقلت هذه القوات من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل، وباتت تمتلك زمام المبادرة في العديد من الجبهات، وهو ما يغيظ خصومها ويدفعهم لتكثيف حملاتهم الإعلامية.
الانتصارات التي تحققت ضد الحوثيين، والسيطرة الأمنية والعسكرية على محافظات الجنوب، ليست إنجازات عابرة، بل نتائج مسار طويل من البناء والتضحيات. ولذلك، فإن الحملات الإعلامية الممنهجة، مهما بلغت حدتها، لا تملك القدرة على التأثير في هذه القوات أو زعزعة ثقتها بنفسها وبمشروعها الوطني.
في ظل هذه الحملات التحريضية تدرك القيادة العسكرية الجنوبية الحرب الإعلامية جزء لا يتجزأ من المعركة الشاملة، وتتعامل معها بوعي وهدوء، مع التركيز على الأهداف الاستراتيجية على الأرض.
*شعب الجنوب… صاحب القرار وحامي المشروع*
لا تقف القوات المسلحة الجنوبية وحدها في مواجهة هذه الحملات، بل يقف خلفها شعب بأكمله، يدرك طبيعة المعركة، ويميز بين الحقيقة والدعاية. فشعب الجنوب، الذي خبر ويلات التضليل لسنوات، بات أكثر وعيًا وصلابة، وأكثر تمسكًا بالمجلس الانتقالي الجنوبي كممثل سياسي لإرادته الوطنية. هذا الوعي لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج تجارب مريرة مع أنظمة حكم سابقة حاولت طمس هويته ونهب ثرواته.
هذا الاصطفاف الشعبي الواسع يشكل السند الحقيقي للقوات الجنوبية، ويجعل من أي محاولة للضغط أو الابتزاز مجرد رهانات خاسرة. فالقضية الجنوبية لم تعد قضية نخبة أو فصيل، بل قضية شعب بأكمله، مستعد للدفاع عن خياراته مهما كانت التحديات. هذا الوعي الجمعي هو خط الدفاع الأول والأقوى ضد كل محاولات التشويه والتضليل، وهو الضمانة الحقيقية لاستمرارية المشروع الوطني الجنوبي حتى تحقيق كامل أهدافه.
*أوهام تتبدد
تخلص الوقائع إلى حقيقة واحدة لا تقبل الجدل: الحملات الإخوانية والحوثية، مهما تصاعدت، لن تغيّر من الحقائق الميدانية قيد أنملة. فالقوات المسلحة الجنوبية ثابتة في مواقعها، والمجلس الانتقالي الجنوبي يحظى بتفويض شعبي واسع، وإرادة شعب الجنوب أقوى من كل محاولات التضليل.
إن الواقع على الأرض، المتمثل في الأمن والاستقرار والسيادة الجنوبية المتنامية، هو الرد الأبلغ على كل الأكاذيب.
ما يُبث عبر تلك المنابر ليس سوى بروباغندا رخيصة، ومحاولات بائسة لتزييف الوعي وتشويه الوقائع. أما الحقيقة، فتُكتب على الأرض بدماء وتضحيات الجنوبيين، وتؤكد أن مسار الجنوب نحو استعادة دولته ماضٍ بثبات، غير عابئ بضجيج الشائعات ولا بأوهام المنهزمين. فكل شائعة تتبدد أمام شمس الحقيقة، وكل محاولة لتزييف الواقع تزيد الجنوبيين إصرارًا على تحقيق هدفهم. المعركة الإعلامية قد تكون طويلة، لكن النصر فيها، كما في الميدان، سيكون حليف من يملك القضية العادلة والإرادة الصلبة.