4 مايو / تحليل / د . يحيى شايف ناشر الجوبعي
أ-المقدمة
في الوقت الذي تحتفل فيه دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة بالذكرى ال(٥٤) لعيدها الوطني الخالد تكن قد حققت مشروع تحول جذري أسس مداميكه شيخ العرب الشيخ زايد بن سلطان رحمة الله عليه ويقوده اليوم القائد المتميز الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة وذلك بفعل ما تم أنجازه من نهضة نوعية ارتقت بدولة الإمارات إلى مصاف الدول الراقية
وهذا ما سنلحظ دلالاته في معاني وأبعاد مفاصل هذه المقدمة الدالة على النحو الآتي :
١-أهمية الدراسة :
تحتل دولة الإمارات العربية المتحدة مكانة استراتيجية بارزة في النظام الدولي المعاصر وذلك نتيجة لتكامل عناصر القيادة الحكيمة والرؤية المستقبلية والتنمية الاقتصادية المتقدمة .
كما تكمن أهمية دراسة الإمارات في أنها تقدم نموذجاً عملياً لدولة صغيرة الحجم ولكنها مؤثرة على المستوى الإقليمي والدولي من خلال سياسات ذكية وتخطيط استراتيجي شامل .
٢-أهداف البحث :
أ-تحليل دور الإمارات في صياغة التحولات العالمية .
ب-تقييم مساهمة القيادة والسياسات الوطنية في تعزيز نفوذ الدولة .
ج-دراسة أثر الابتكار والتنمية الاقتصادية على مكانة الدولة الدولية .
د-استعراض دور القوة الناعمة في تعزيز التأثير الإقليمي والدولي .
ه-تقديم توصيات لتعزيز دور الإمارات في المستقبل .
٤-أسباب اختيار الموضوع :
أ- الاحتفال بالعيد الوطني للإمارات مما يضفي بُعداً وطنياً ورمزياً .
ب-أهمية تسليط الضوء على تجربة الدولة كدراسة حالة لدولة صغيرة ذات تأثير عالمي.
ج-الحاجة الأكاديمية لتحليل كيفية تمكن الإمارات من التأثير في التحولات الدولية .
٤-مشكلة البحث :
على الرغم من الدور البارز للإمارات تظل الدراسات التحليلية التي توضح آليات تأثير الدولة في النظام العالمي محدودة ولا تستعرض بالتفصيل كيفية الجمع بين القيادة الاقتصادية والسياسية والثقافية لتحقيق النفوذ الدولي .
٥-الفرضيات :
أ-القيادة الإماراتية الفعّالة هي المحرك الرئيسي لتأثير الدولة عالمياً .
ب-السياسات الاقتصادية والاستثمارية تعزز مكانة الدولة في التحولات العالمية .
ج-القوة الناعمة والثقافة والتعليم أسهمت في تعزيز النفوذ الدولي للإمارات .
٦-المنهجية:
يعتمد البحث على المنهج الوصفي التحليلي مع الاستفادة من روح المناهج كلها.
ب- المدخل
يشهد العالم تحولات كبيرة في موازين القوى الاقتصادية والسياسية ويزداد تأثير القوى الناعمة كعنصر أساسي في صناعة النفوذ الدولي وفي هذا الإطار برزت الإمارات العربية المتحدة كدولة صغيرة الحجم ولكنها فاعلة على الساحة الدولية مستفيدة من الرؤية الاستراتيجية للقيادة والابتكار الاقتصادي والتنمية المستدامة .
ويمكن تفسير هذا الارتفاع وفق نظرية الدولة الذكية التي تؤكد أن التخطيط الاستراتيجي وإدارة الموارد يمكن أن يعوّض حجم الدولة الجغرافي وفق نظرية التحولات العالمية التي تؤكد قدرة الدول المرنة على الاستفادة من التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية لتعزيز نفوذها .
ج- تحليل نقاط البحث
اولا : القيادة الرشيدة والرؤية الاستراتيجية.
تجسد القيادة الإماراتية نموذجاً فريداً للفعالية والمرونة في إدارة الدولة ، إذ تجمع بين التخطيط طويل المدى والتنفيذ الذكي للسياسات مع التركيز على تحقيق الاستقرار الداخلي وتطوير البنية المؤسسية للدولة .
تتسم هذه القيادة بالقدرة على استشراف المستقبل من خلال تبني استراتيجيات تستند إلى المعرفة والتكنولوجيا والاستثمار في رأس المال البشري ما يعزز قدرة الدولة على مواجهة التحولات العالمية المعقدة .
فالرؤية الاستراتيجية للإمارات لا تقتصر على الطموحات الاقتصادية فحسب ، بل تشمل الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية لتشكل نموذجاً متكاملاً للدولة الصغيرة التي تمتلك القدرة على التأثير في البيئة الدولية من خلال الإدارة الحكيمة والاستغلال الأمثل لمواردها .
ثانيا : السياسة الخارجية والدبلوماسية .
نجحت الإمارات في صياغة سياسة خارجية قائمة على الذكاء الاستراتيجي والمبادرات الدبلوماسية المتوازنة ،إذ تتناغم فيها تحالفات القوى الكبرى مع المبادرات الإنسانية والثقافية لتعزيز نفوذ الدولة فقد أثبتت التجربة الإماراتية أن الدولة الصغيرة قادرة على المساهمة بفاعلية في حل النزاعات الإقليمية وبناء جسور تعاون دولية متعددة مع الحفاظ على مصالحها الوطنية وتحقيق التوازن بين القوى العالمية والإقليمية.
وتعكس السياسات الدبلوماسية الإماراتية نهجاً متعدد الأبعاد ،حيث تُستخدم القوة الناعمة من خلال الثقافة والتعليم والمبادرات الإنسانية لتعزيز مكانة الدولة في المحافل الدولية ما يجعلها نموذجاً للدولة الصغيرة التي تفرض حضورها بحكمة وذكاء بعيداً عن الاعتماد على القوة التقليدية وحدها .
ثالثا: التنمية الاقتصادية والتحول المعرفي .
تميزت الإمارات بتحول اقتصادي شامل جعلها من الدول الرائدة في المنطقة على صعيد الابتكار والمعرفة فالدولة انتقلت من الاعتماد التقليدي على الموارد النفطية إلى اقتصاد متنوع قائم على التكنولوجيا والابتكار والخدمات المالية والسياحية إضافة إلى المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي تعزز مكانتها الاقتصادية الدولية هذا التحول لم يقتصر على زيادة الإنتاجية أو تنمية الموارد المالية بل كان مصحوباً ببناء بيئة مؤسسية قادرة على استقطاب الاستثمارات العالمية وتحفيز ريادة الأعمال والابتكار ما منح الدولة القدرة على توسيع نفوذها الدولي والمشاركة الفاعلة في رسم ملامح التحولات الاقتصادية العالمية .
رابعا: القوة الناعمة والثقافة .
تلعب القوة الناعمة دوراً محورياً في تعزيز مكانة الإمارات على الصعيد الدولي فهي تمثل أداة فعالة للتأثير على البيئة الخارجية من خلال التعليم والثقافة والفنون والمبادرات الإنسانية .
فقد حرصت الدولة على الاستثمار في تطوير رأس المال البشري عبر التعليم والبحث العلمي بينما ساهمت الفعاليات الثقافية والفنية والمبادرات الإنسانية في بناء صورة إيجابية للدولة عالمياً تعكس التزامها بالقيم العالمية ومبادئ التعاون الدولي. وقد أتاحت هذه الاستراتيجية للدولة أن تمارس نفوذها بطرق غير تقليدية ما يرفع من مستوى مصداقيتها ويعزز قدرتها على التأثير في سياسات الدول الأخرى ويؤكد أن القوة الحقيقية لأي دولة لا تقاس فقط بالموارد الاقتصادية أو العسكرية بل بكفاءة أدوات التأثير الثقافي والاجتماعي والسياسي .
خامسا: مكانة الإمارات في التحولات العالمية .
لقد تمكنت الإمارات من تموضع نفسها في قلب التحولات العالمية عبر مشاركتها الفاعلة في القضايا الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية بالإضافة إلى مبادراتها في حل الأزمات الإقليمية والدولية .
فالموقع الاستراتيجي للدولة إلى جانب التنوع الاقتصادي والقدرة على الابتكار في مختلف المجالات منحها دوراً محورياً يجعلها لاعباً مؤثراً في موازين القوى الإقليمية والدولية .
وتعكس هذه المكانة تكامل السياسات الداخلية والخارجية والاقتصادية والثقافية ما يؤكد أن الدولة الصغيرة يمكن أن تُحدث تأثيراً كبيراً على النظام الدولي عندما تجمع بين التخطيط الاستراتيجي والقيادة الحكيمة والقدرة على استثمار الفرص الدولية بفاعلية .
د-النتائج :
١-الإمارات تثبت أن الحجم الجغرافي لا يحدد قوة الدولة بل الرؤية والقيادة الاستراتيجية هما العاملان الأساسيان .
٢-القيادة الرشيدة والرؤية المستقبلية تمكنت من تحويل الدولة إلى لاعب مؤثر عالمياً .
٣-التحول إلى اقتصاد معرفي وتنمية مستدامة عزز مكانة الإمارات في الاقتصاد الدولي .
٤-القوة الناعمة والثقافة والتعليم ساعدت في تعزيز النفوذ السياسي والدولي للدولة .
٥-التحالفات الاستراتيجية والمبادرات الدبلوماسية جعلت الدولة فاعلاً محورياً في حل النزاعات الإقليمية .
٦- الإمارات أصبحت نموذجاً عالمياً للدولة الصغيرة القادرة على التأثير في التحولات السياسية والاقتصادية .
ه-التوصيات :
١-الاستمرار في دعم الابتكار والتكنولوجيا لتعزيز الريادة الاقتصادية .
٢-تطوير التعليم والبحث العلمي لتقوية رأس المال البشري .
٣-تعزيز القوة الناعمة من خلال الثقافة والفنون والمبادرات الإنسانية .
٤-تكثيف الجهود الدبلوماسية في المحافل الدولية لتعزيز مكانة الدولة .
٥-دعم مشاريع البنية التحتية الذكية لضمان التنمية المستدامة .
٦-تنويع مصادر الدخل الوطني لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية .
٧-إنشاء مراكز بحثية لتحليل دور الإمارات في النظام الدولي ودعم صنع القرار الاستراتيجي .
٨-تعزيز التعاون الدولي مع المؤسسات الأكاديمية والاقتصادية لتعزيز نفوذ الدولة .
٩-تطوير آليات إعلامية واستراتيجية للتواصل الدولي لتعزيز الصورة الإيجابية للدولة .
١٠-تبني استراتيجيات للتكيف مع التغيرات التكنولوجية والبيئية المستقبلية .
١١-تعزيز مبادرات الابتكار الاجتماعي لدعم التنمية المستدامة ونفوذ الدولة الإقليمي والدولي .
و- الخلاصة :
تؤكد الدراسة أن دولة الإمارات العربية المتحدة نموذج استثنائي للدولة الصغيرة المؤثرة عالمياً حيث يجتمع التخطيط الاستراتيجي والقيادة الرشيدة والتحول الاقتصادي المعرفي والقوة الناعمة لتشكيل قدرة فعالة على التأثير في التحولات العالمية.
كما أن نجاح الإمارات يعكس قدرة الدول المرنة والمبتكرة على مواجهة التحديات الدولية وتحقيق تأثير مستدام مما يجعلها مثالاً يحتذى به على مستوى المنطقة والعالم .
*باحث أكاديمي ومحلل سياسي