كل عام والجنوب وأهله بخير.. كاركاتير

برئاسة الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي هيئة الرئاسة تثمن دعم الأشقاء بدولة الإمارات ومواقفهم الأخوية والإنسانية تجاه شعب الجنوب

الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي يلتقي رئيس الكتله الجنوبية في البرلمان المهندس فؤاد عبيد واكد



اخبار وتقارير

الجمعة - 14 فبراير 2020 - الساعة 12:19 ص بتوقيت عدن ،،،

"4 مايو" تحليل / د. يحيى مولى الدويلة:


لعب الإخوان دوراً حيوياً في إسقاط الأنظمة العربية والقومية وانهيار أحزابها القومية واليسارية، واستطاعت أن تباعد بين حركات التحرر العربية والقومية وخلق عداوات فيما بينها، فقد كانت لدينا ثلاث حركات أساسية يقودها حزب البعث الاشتراكي العراقي، وحزب البعث الاشتراكي السوري، والنظام الناصري المصري، لكن الإخوان وبمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وبقدراتها وذكائها السياسي العالي تمكنت من تحويل الخلافات الثانوية بين هذه الحركات إلى عداء تناحري، فأصبحت كل حركة تريد أن تتخلص من الأخرى وتنهيها، مع أن الخلاف كان نظرياً ولم يكن يستدعي كل هذا التناحر، فلو أنها وحدت إمكانياتها وأقامت تكاملا اقتصاديا وتركت التناحر السياسي جانباً لتمكنت من قيام الوحدة العربية على أسس سليمة، لكن الإمبريالية الأمريكية استطاعت أن تسخر جماعة الإخوان في تأجيج الصراع بين هذه الحركات وتعميقه، وكانت النتيجة أن هذه الأنظمة انتهت نهاية سيئة جدا فلا وحدةً عربيةً تحققت ولا تقدمًا تنموياً، وقد حدث ذلك من خلال تحالفاتها وإعادة صياغة توازناتها السياسية بالتحالف مع أطراف داخلية ضد الطرف الرئيسي. ففي العراق أوعزت الإمبريالية الأمريكية للإخوان بعمل تحالف مع الحزب الشيوعي العراقي ضد النظام البعثي ودخلت معه في صراع لا ينتهي أضعف الدولة العراقية وأعاق فيها التنمية. وهكذا هو الحال بالنسبة للنظام الناصري الذي حاربته جماعة الإخوان المسلمين وأدخلهم عبدالناصر السجون بعد أن كشف نواياهم ومخططاتهم المشبوهة، ولكن للأسف بعد وفاته قام السادات بإخراجهم من السجون لإدخالهم في صراع توازنات مع الناصريين واليساريين ولكنه لم يسلم هو نفسه منهم فاغتالوه. وفي سوريا تعرض نظام البعث السوري لانقلاب فاشل من جماعة الإخوان لكن الأسد تمكن من إخمادهم وقام بتصفيتهم.

*استيعاب الأولويات المحلية
وفي اليمن الجنوبي، وهي دولة كانت تنهج النهج اليساري، فقد مرت بصراع محلي شبيه بالصراع الحزبي في بعض الدول العربية، فمنذ ما بعد الاستقلال كان يتم التخلص دمويًا من كل من يمتلك رؤية مختلفة، وهي في إطار نفس النهج، فقد تم القضاء أولاً على الرئيس الراحل قحطان الشعبي الذي لم يكن متحمساً لقيام نظام اشتراكي، فقد كان يرى أن البنية التحتية والدينية غير ناضجة للدخول في تجارب تقدمية، وتم التخلص منه وكان مصيره الإقامة الجبرية، ونشأ بعدها صراع آخر بين جماعة سالمين والمتطرفين اليساريين، فالأول كان يصر على اتباع النهج الصيني على اعتبار أن اليمن دولة فلاحية، بينما يرى الطرف الآخر أن الطبقة العاملة هي صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير وعلينا تهيئتها للقيام بهذا الدور، وانتهى الأمر بالتخلص من سالمين.
واستمر الصراع الجنوبي بين من يصر على تثبيت النظام الاشتراكي ومن يصر على الانفتاح على دول الخليج، ونجح الفريق الأول الذي كان يرفع شعارات وتصورات غير واقعية مثل الإلحاد وإلغاء الملكية الخاصة والتأمينات وغيرها من الإجراءات الثورية المتطرفة، وقد كان هذا نقيض ما فعلته الحركة الماركسية اللاتينية والتي كانت أكثر تعقلاً في استيعاب الأولويات المحلية فقد سمحت ببناء الكنائس ورأت أن أهم أولوياتها هو مكافحة الفقر والاستقلال هو جزء من واجباتها بدلاً من فرض نظام تعسفي، فأولوياتها كانت بناء الإنسان وتنمية وعيه وبعدها عليه أن يختار الصواب بدلاً من الصراع على فكرة غير قابلة للتحقيق ولا تمثل أولوية ملحة.

*الاستقطاب المذهبي الحاد والانشقاق الفكري
واستمر التناحر بين الرفاق الأعداء، والذي استفاد منه العدو التاريخي بسبب الخصومات الحزبية (المناطقية) غير المبررة، أدت إلى تسليم الجنوب لنظام صنعاء دون أن تبذل الأحزاب القومية واليسارية أدنى جهد للكشف عن طبيعة هذا النظام وهويته الطائفية، فمنذ حرب 1994م تعاظمت وتسارعت جاذبية الاستقطاب المذهبي الحاد والانشقاق الفكري وبدأت فعلاً تتراجع فكرة الدولة المدنية، وأصبحت تقام حفلات عهر تتنافس بها الأحزاب في التملق للنظام باسم الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية، وكأن الحرية والديمقراطية تعني التنافس على مخالفة القانون والدستور الذي تم تعديله عدة مرات ليفرغ من محتواه الوحدوي وصولاً إلى الطلاق البائن مع مبادئ الوحدة القائم على الشراكة واتساع مساحات الدولة المدنية في الحياة، وانتهى الأمر بممارسة النظام أقصى أشكال الإقصاء والإلغاء والعنف المباشر وغير المباشر على أساس تقديس التراث المذهبي وشيطنة الجنوبيين وتكفيرهم، في حين لم نسمع أيًا من هذه الأحزاب تدق ناقوس الخطر على الوحدة وكشف أعداءها الحقيقيين. هذا يعني أن الطائفة كانت هي البديل أو النقيض للتعدد الحزبي والسياسي، وعندئذ يصبح كل من يريد التحرر من هذا النظام إما أن يصبح منشقاً أو مرتداً، وأصبح هناك مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة وربما الرابعة، وبموافقة ونظر هذه الأحزاب التي أصبحت مشاركة في عملية الاحتلال للأسف وهي تغالط نفسها في أنها تدافع عن الوحدة.

*لعبة التحالفات والتوازنات بين القوى السياسية
واستمرت لعبة التحالفات والتوازنات، واستفاد منها العدو التاريخي (وهو وصف كانوا يطلقونه على نظام صنعاء وما كانوا يسمونهم بالأنظمة الرجعية)، وبعد الوحدة المشؤومة وللأسف أصبحت الناصرية والبعثية واليسارية أدوات بيد العدو التاريخي، والأسوأ أنها راحت تتحالف مع الإخوان متغافلين أن هؤلاء ما هم إلا جزء من النظام الطائفي ولا علاقة لهم بالديمقراطية والحريات، وأن تمثيل معارضتهم للنظام ما هو إلا دور يقومون به لاحتواء هذه الأحزاب وإفراغهم من محتواهم الأيديولوجي والسياسي، فأخذهم تحت عباءته وشغَّلهمْ لمصالحه وأهدافه السياسية التي كانت في خدمة الطائفة، وخدرهم ودغدغ عواطفهم بالمهمة النبيلة وهي الحفاظ على الوحدة، وهم من كانوا يرفضونها وحولوها إلى احتلال ونهب وفيد.
وقد قابل عفاش هذه الخطوة بخطوة مماثلة، فذهب إلى الإمارات للقاء قيادات جنوبية، وهم خصومه السابقون، وحاول التوصل معهم إلى تفاهم حول مستقبل اليمن وإعطاءهم دور في صياغة هذا المستقبل، فقد أراد عفاش أن يدخلهم في لعبة التوازنات ليضرب بهم الإخوان وحلفاءهم (اللقاء المشترك) ولكن القيادات الجنوبية تعلمت الدرس ورفضت طلبه؛ لأن طموحاتها كانت كبيرة وتجاوزت أحلامه وهو استعادة الدولة الجنوبية.
لم تدرك هذه الأحزاب القومية أنها وقعت فريسة لحزب الإصلاح الإخواني الذي استخدمتهم أسوأ استخدام، وأغرقهم في فساده الأخلاقي وفي مشاريعه الإقليمية ورعايته للتنظيمات الإرهابية، والغريب أن هذه الأحزاب لم تدرك حتى اللحظة من تكون هذه الجماعة، فباتوا يدافعون عن أفعالها وجرائمها، متوهمين أنهم يدافعون عن الوحدة، فقد جعلت منهم أبواقًا في منابر الإعلام تبرر أفعالهم وأصبحت هذه الأحزاب تدور في فلك الإخوان. عندما شعر الزعيم القومي والوحدوي جمال عبدالناصر أن الوحدة بين مصر وسوريا لم تعد مجدية، وأنه بات بين خيارين إما استمرار الوحدة واستمرار كراهية السوريين للشعب المصري بسبب تصرفات بعض الضباط غير المسؤولة، وبين فك الارتباط مع الدولة المصرية مع بقاء حب وتقدير الشعب السوري لهم، وحتى لا تتحول الوحدة إلى احتلال فقد اختار الخيار الثاني ليحافظ على علاقة الصداقة بين الشعبين. أما أحزابنا القومية واليسارية فلا تزال في حالة تيه وتيهان، فهي لا تدرك هذه المعاني والمشاعر النبيلة بين الشعوب وانحازت إلى بقاء الوحدة والنظام الطائفي والاستبداد والاحتلال حتى لو كان الثمن هو ما نتج عن هذا الاحتلال من محاولات اقتلاع شعب من جذوره وأرضه ونهب حقوقه المشروعة وتدمير وطنه ونهب ثرواته، وهي حقائق لا ينكرها غير جاهل.

*دعم الجنوبيين في استعادة دولتهم
إن الوضع الحالي في الشمال يسير نحو قيام مرجعيتين، الأولى في شمال الشمال، وهي قيام الحوزة الشيعية في حكم الدولة كرديف أو مقابل عن هيئة علماء المسلمين التي يفرضها حزب الإصلاح الإخواني كمرجعية دينية لحكم اليمن الأسفل. إن قيام هذه المؤسسات كرديف أو تضاد لأجهزة الدولة الديمقراطية مثل مجلس النواب وهي أجهزة تشريعية تبقى شكلية غير فعالة.
وطالما اجتمعت مؤسستان دينيتان وكلتاهما لهما حاضنة شعبية، فمن المستحيل إيجاد تعاون بينهما، فالتناقض الوجودي بينهم لا يسمح بقيام دولة موحدة، فإما الاقتتال وإما الانقسام.
أما الوضع في الجنوب وبسبب طبيعته المدنية فلا حاجة له لقيام مثل هذه المؤسسات، حيث لا توجد لها حاضنة بالرغم من أن الاحتلال خلال الثلاثين السنة الماضية فرض هيمنة دينية على بعض المناطق عن طريق نشاط حزب الإصلاح الإخواني الذي حاول تقديم نفسه على أنه مع الدولة المدنية، ولكن كان هدفه في الأساس هو إخضاع الجنوبيين لسلطته الدينية.
إن هذا الاحتلال تحت عنوان الوحدة أصبح وصمة عار على المشروع القومي، ويحتاج الأمر من هذه الأحزاب الجرأة في اتخاذ موقف تقدمي وحيوي وشجاع لتأييد حق الجنوبيين في فك الارتباط عن الشمال، وهو الحل الناجع لكل تداعيات الاحتلال، فاستمرار الوحدة بهذا الشكل لا يشرف المشروع القومي ولا يفيده بشيء، بل إنه يوجه له الضربة القاضية ويسيء له ويهينه ولا يجب أن يُحتفى به كإنجاز قومي، فقد كانت الوحدة اليمنية تجربة مريرة لا تستحق أن تكون نموذجاً لأي وحدة عربية، وعليه على هذه الأحزاب مراجعة مواقفها والتراجع خطوتين للخلف لأن هذا الاستمرار يصل بالمشروع القومي إلى طريق مسدود. فهل تستوعب هذه الأحزاب القومية واليسارية كل هذه التناقضات وأن من حق الجنوبيين تقرير مصيرهم أم سيظلون أسيري جمودهم العقائدي والأيديولوجي؟