أبرز ماجاء في تصريح اللواء البحسني حول مستجدات الأوضاع في حضرموت.. انفوجرافيك

الرئيس عيدروس الزُبيدي يهنئ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وحكام الإمارات بالعيد الوطني ال 54

الرئيس الزُبيدي يطّلع على الأوضاع العسكرية الأمنية في سقطرى ويشيد بحالة الاستقرار التي تعيشها المحافظة..انفوجرافيك



اخبار وتقارير

الثلاثاء - 02 ديسمبر 2025 - الساعة 09:01 م بتوقيت عدن ،،،

4 مايو/ محمد الزبيري



لأعوام طويلة لم يكفّ الإخوان المسلمون عن المطالبة بإخراج لواء بارشيد من حضرموت، معتبرين وجوده خطراً على نفوذهم في وادي حضرموت ومصالح شبكاتهم العسكرية والاقتصادية.
لكن المفارقة العجيبة للتاريخ أن القوة التي أرادوا إبعادها هي نفسها التي تتقدم اليوم الصفوف لتخرجهم هم، وتعيد رسم ملامح المشهد العسكري والأمني في الوادي.

ومع تسارع الأحداث وزحف القوات الجنوبية نحو وادي حضرموت ضمن عملية عسكرية تهدف لتحريره من قبضة المنطقة العسكرية الأولى، يبرز لواء بارشيد كقوة محورية في طليعة القوات المسلحة الجنوبية. هذا التحرك، الذي يأتي استجابة لإرادة شعبية عارمة، لا يمثل مجرد إعادة انتشار عسكرية، بل هو تتويج لمسيرة طويلة من النجاحات والمواجهات التي خاضها اللواء إلى جانب قوات النخبة الحضرمية في مواجهة الإرهاب وترسيخ الأمن بقيادة العميد الركن عبد الدائم الشعيبي.

لقد اكتسب لواء بارشيد سمعته خلال سنوات من العمل الميداني كأحد أكثر الوحدات انضباطاً واحترافية، ما يجعله اليوم رأس الحربة في هذه المهمة التاريخية.

يرصد هذا التقرير مسيرة هذه القوة الضاربة ودورها الحاسم في معركة الوادي، كما يحلل أبعاد الثقة الشعبية والسياسية والعسكرية التي بات اللواء يتمتع بها وهو يعيد رسم مستقبل حضرموت.


*التأسيس والنشأة


لم يكن تأسيس لواء بارشيد مجرد قرار إداري روتيني، بل كان ضرورة استراتيجية قصوى فرضتها تحديات ما بعد تحرير ساحل حضرموت في أبريل 2016.
فبعد الانتصار الساحق الذي حققته قوات النخبة الحضرمية بدعم من التحالف العربي، وطرد تنظيم القاعدة من عاصمة المحافظة المكلا، أدركت القيادة العسكرية الجنوبية أن المعركة لم تنتهِ بعد، حيث كانت فلول التنظيم الإرهابي قد أعادت تجميع صفوفها في الملاذات الجبلية الوعرة والأودية الشاسعة غرب المكلا، مشكّلةً تهديداً وجودياً للنصر الذي تحقق، ومنطلَقاً لشن هجمات انتقامية.

من هذا المنطلق، ومن رحم الحاجة الميدانية الملحة، صدر القرار الجمهوري بتشكيل لواء بارشيد ليكون قوة نوعية متخصصة في مكافحة الإرهاب ضمن قوام المنطقة العسكرية الثانية.
بعد شهور من تاسيسه تولى العميد الركن عبد الدائم الشعيبي، وهو قائد مشهود له بالكفاءة والخبرة الميدانية قيادة اللواء ،ولم تكن عملية بناء اللواء تقليدية؛ فقد خضع منتسبوه لبرامج تدريب متقدمة ومكثفة، ركزت على تكتيكات حرب العصابات، والقتال في المناطق الجبلية والصحراوية، والتعامل مع العبوات الناسفة، بالإضافة إلى ترسيخ عقيدة قتالية جنوبية صلبة.
بُني اللواء منذ يومه الأول ليكون قوة ضاربة، قادرة على المبادرة والهجوم، لا مجرد قوة دفاعية، ليتحول في زمن قياسي من قوة مهام خاصة إلى قوة ردع استراتيجي يخشاها أعداء الجنوب.


*معارك وادي المسيني والجبال السود



فور اكتمال جاهزيته، كانت المهمة الأولى للواء بارشيد هي الأصعب والأكثر دموية: الذهاب إلى حيث ينتهي دور القوات التقليدية وتطهير الأوكار التي ظن الإرهابيون أنها آمنة.

كانت معارك وادي المسيني وعملية "الجبال السود" هي الاختبار الحقيقي لعقيدة اللواء وشجاعة رجاله،في تضاريس بالغة التعقيد، حيث الجبال الشاهقة والكهوف الخفية، واجه أبطال اللواء ورفاقهم في قوات النخبة الحضرمية عدواً شرساً يقاتل بشراسة عن أبرز معاقله الحصينة.
لم تكن مواجهة نظامية، بل كانت حرب استنزاف وكرّ وفرّ، أظهر فيها مقاتلو بارشيد وقوات النخبة قدرة فائقة على التحمل والصبر والتكيف التكتيكي مقدمين في هذه الملاحم تضحيات جسيمة، وسقط العشرات من خيرة شباب اللواء بين شهيد وجريح، لتروي دماؤهم الطاهرة كل شبر من تلك الأودية والجبال.


رغم التضحيات لكن كل قطرة دم كانت ثمناً لتأمين ظهر ساحل حضرموت بالكامل، وتحويله من منطقة عمليات عسكرية مفتوحة إلى واحة استقرار وازدهار ولم تكن هذه المعارك مجرد انتصار عسكري، بل كانت عملية جراحية معقدة نجحت في استئصال الورم السرطاني للإرهاب من خاصرة حضرموت، وأرسلت رسالة دامغة مفادها أنه لا مكان آمن لأعداء الجنوب على أرضه، مهما تحصنوا وتخفوا.



* حنكة القائد وصلابة المقاتل


إن العلاقة بين القائد والوحدة التي يقودها هي علاقة عضوية تكاملية، وفي حالة لواء بارشيد، فإن بصمة العميد الركن عبد الدائم الشعيبي تبدو جلية في كل تفصيل.
فهو لم يكن مجرد قائد عسكري يتلقى التقارير، بل كان مهندس هذه القوة الضاربة وروحها الحية بشخصيته القيادية الكاريزمية التي تمزج بين الصرامة العسكرية والانضباط الحديدي من جهة، والأبوة الحانية والتواضع الجم من جهة أخرى، تمكن من صهر مجموعة من المقاتلين الأفراد في وحدة متجانسة، ذات روح معنوية فولاذية وعقيدة لا تتزعزع.

إن قدرته على التخطيط الاستراتيجي الدقيق، مقترنة بوجوده الدائم في الخطوط الأمامية للمعارك، يشارك جنوده المخاطر ويقاسمهم لقمة العيش، ألهمت رجاله ومنحتهم ثقة مطلقة بقيادتهم.

تمكن العميد الشعيبي من بناء علاقة ثقة فريدة ومباشرة مع المجتمع الحضرمي، الذي لمس فيه صدق الانتماء والحرص على حماية الأرض والإنسان.

السمعة التي اكتسبها لواء بارشيد كقوة ضاربة أثارت صراخ الإخوان واذرعهم الإرهابية تمثل في جوهرها، انعكاس مباشر لشخصية قائده الذي أثبت أن القيادة الحقيقية تُصنع في الميدان، لا خلف المكاتب.


*ثقة القيادة وأبناء حضرموت



لا تُبنى الثقة في المؤسسات العسكرية بالأوامر الفوقية أو بالدعاية الإعلامية، بل تُكتسب ببطء عبر سجل حافل من الإنجازات الملموسة والتضحيات الصادقة.

نجح لواء بارشيد في بناء رصيد هائل من الثقة المزدوجة التي أصبحت اليوم رأسماله الحقيقي وأقوى أسلحته.
على المستوى العسكري، تنظر قيادة المنطقة العسكرية الثانية إلى لواء بارشيد باعتباره "قوة ضاربة" يمكن الاعتماد عليها في إسناد قوات النخبة الحضرمية وتنفيذ المهام الأكثر خطورة وحساسية هذه الثقة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج مباشر لأدائه الميداني الذي اتسم بالاحترافية العالية، والانضباط المطلق، والقدرة الفائقة على حسم المعارك الموكلة إليه.

أما على المستوى الشعبي، فقد تحول اسم "بارشيد" إلى مرادف للأمن والأمان في وجدان أبناء حضرموت.
يستذكر ابناء حضرموت جيدًا كيف كانت الحياة في ظل الإرهاب، وكيف تحولت بفضل تضحيات هذا اللواء وإخوانه في النخبة الحضرمية وهذا الرصيد الهائل من الثقة الشعبية هو ما يمنح تحرك اللواء اليوم نحو الوادي شرعية كاملة وغطاءً شعبياً واسعاً، ويحوله من مجرد عملية عسكرية إلى مطلب شعبي وتاريخي.



*رأس حربة الزحف نحو الوادي


في المعركة الجارية يتواجد لواء بارشيد في طلائع القوات المسلحة الجنوبية المتقدمة نحو وادي حضرموت في قرار استراتيجي عميق يعكس فهم القيادة لطبيعة المعركة القادمة وأبعادها المتشعبة.
المواجهة في الوادي ليست فقط ضد قوات المنطقة العسكرية الأولى المتهالكة، بل ضد منظومة معقدة من الفساد والتواطؤ مع الجماعات الإرهابية وشبكات التهريب. هذه المعركة تتطلب قوة تمتلك مزيجاً نادراً من المهارات: الخبرة القتالية في مواجهة الإرهاب والتنظيمات غير النظامية، والقبول الشعبي الواسع لتسهيل العمليات وتجنب الاحتكاك مع المواطنين، والانضباط العالي لمنع أي تجاوزات والحفاظ على سلمية التحرك قدر الإمكان.

يجسد لواء بارشيد كل هذه الصفات وأكثر ووجوده في مقدمة الصفوف هو بحد ذاته رسالة متعددة الأوجه: رسالة حسم وردع للمنطقة العسكرية الأولى بأن المواجهة ستكون مع قوة محترفة لا تعرف التراجع، ورسالة أمان وطمأنينة لأهالي الوادي بأن التحرير قادم بأيدٍ أمينة هي أيدي أبنائهم، ورسالة سياسية واضحة للمجتمع الإقليمي والدولي بأن الجنوب يمتلك الأدوات اللازمة لفرض سيادته وتأمين أرضه.


*تلبية النداء



لم يكن تحرك لواء بارشيد نحو الوادي قراراً منفرداً أو مغامرة غير محسوبة، بل هو التجسيد العسكري الطبيعي والمنطقي لإرادة شعبية عارمة وصلت إلى نقطة اللاعودة.
لقد عبر أبناء وادي حضرموت عن هذه الإرادة بكل الوسائل السلمية الممكنة، من خلال الاعتصامات المفتوحة، والمظاهرات المليونية، والبيانات القبلية والمجتمعية التي طالبت جميعها برحيل المنطقة العسكرية الأولى التي أصبحت مصدراً للخطر لا للأمن. يمثل هذا التحرك العسكري تطبيقاً عملياً لمخرجات مشاورات مجلس القيادة الرئاسي التي نصت على نقل القوات إلى جبهات القتال، وتنفيذاً مباشراً للتفويض الشعبي الممنوح للمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المسلحة الجنوبية.


وتمثل هذه المعركة فصل جديد وحاسم في مسيرة طويلة من نضال شعب الجنوب لاستعادة سيادته الكاملة على أرضه، وإنهاء كل مظاهر الاحتلال والوصاية.



*الواجب تجاه اللواء



إن حجم التضحيات التي قدمها لواء بارشيد منذ تأسيسه، وعظم المسؤولية التاريخية التي يضطلع بها اليوم في وادي حضرموت، يضع على عاتق القيادة السياسية الجنوبية، ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، واجباً وطنياً وأخلاقياً لا يمكن التهاون فيه.
المبادرة الفورية بتكريم هذا اللواء، قادة وضباطاً وأفراداً، وتوفير كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي له، ليست مجرد لفتة تقدير مستحقة، بل هي ضرورة سياسية واستراتيجية فتكريم الأبطال وهم في ذروة عطائهم يرفع من معنوياتهم ويعزز من عزيمتهم، كما يبعث برسالة قوية إلى كافة منتسبي القوات المسلحة الجنوبية بأن تضحياتهم محل تقدير ورعاية القيادة.
يجب أن يشمل هذا الدعم توفير أحدث العتاد والتجهيزات، وتطوير القدرات التدريبية للواء بشكل مستمر، والأهم من ذلك، توفير الرعاية الكاملة لأسر الشهداء والجرحى الذين هم أمانة في عنق الوطن.



*المستقبل المشرق



مع اكتمال مهمته التاريخية في وادي حضرموت، والتي تبدو وشيكة، لن ينتهي دور لواء بارشيد، بل سيبدأ فصل جديد وأكثر أهمية في مسيرته.

سيتحول اللواء من قوة تحرير إلى ركيزة أساسية في منظومة أمن الدولة الجنوبية الفيدرالية المنشودة. ستناط به، إلى جانب إخوانه في وحدات النخبة الحضرمية والقوات المسلحة الجنوبية، مهمة تأمين هذه المنطقة الجغرافية الشاسعة والاستراتيجية، وإغلاق شرايين التهريب والإرهاب بشكل نهائي، وحماية الثروات الوطنية لتوجيهها نحو التنمية وتحسين حياة المواطنين.
سيبقى لواء بارشيد، بعقيدته الوطنية الراسخة وكفاءته القتالية العالية، شاهداً حياً على أن الجيوش الوطنية التي تُبنى على أساس الانتماء الخالص للأرض والولاء المطلق للشعب، هي وحدها القادرة على صناعة النصر، وحماية الأوطان، وبناء المستقبل.