الثلاثاء - 02 ديسمبر 2025 - الساعة 08:10 م بتوقيت عدن ،،،
4 مايو / محمد الزبيري
في لحظة تاريخية فارقة، تقف حضرموت، قلب الجنوب النابض على أعتاب تحول استراتيجي يرسم ملامح مستقبلها ومستقبل الجنوب بأكمله،فلم تعد الأحداث في وادي حضرموت مجرد احتجاجات متفرقة أو مطالب خدمية، بل تحولت إلى انتفاضة شعبية عارمة ترفض وصاية الماضي وتتطلع إلى فجر جديد من الأمن والسيادة.
الزحف المبارك للقوات المسلحة الجنوبية نحو سيئون، قلب الوادي ومعقل المنطقة العسكرية الأولى، لم يأتِ من فراغ، بل هو استجابة مدوية لنداءات أبناء حضرموت الذين فاض بهم الكيل من عقود الإهمال والفساد، وسنوات من التواطؤ الأمني الذي حوّل مناطقهم إلى مرتع للجماعات الإرهابية وبوابة خلفية لدعم الميليشيات الحوثية.
إنها قصة شعب قرر استعادة أرضه، وجيش لبّى نداء شعبه، ومعركة كرامة تهدف إلى تطهير آخر جيوب الاحتلال اليمني، وطي صفحة المنطقة العسكرية الأولى التي أصبحت خنجرًا في خاصرة الجنوب وأمنه القومي.
هذا التقرير لا يرصد الأحداث فحسب، بل يغوص في جذورها، ويكشف الأبعاد السياسية والعسكرية لعملية تحرير الوادي، ويسلط الضوء على الدور البطولي للقوات الجنوبية، في معركة فرض السيادة واستعادة الدولة.
*المنطقة العسكرية الأولى: تاريخ أسود ملطخ بالدم*
لم تكن المنطقة العسكرية الأولى، المتمركزة في وادي حضرموت منذ حرب صيف 1994، يومًا قوة لحماية المواطنين أو الحفاظ على استقرار المنطقة،بل مثّلت على الدوام أداة هيمنة سياسية وعسكرية لقوى صنعاء، ورمزًا للاحتلال الذي سعى لنهب ثروات حضرموت وقمع إرادة أبنائها.
تشير التقارير والأدلة الدامغة إلى تورط هذه القوات، التي ينتمي معظم أفرادها وولاءاتها إلى الشمال، في شبكة معقدة من الخيانات ،فبدلاً من مواجهة الميليشيات الحوثية على الجبهات، تحولت إلى حارس لمصالح الفساد وممر آمن لتهريب الأسلحة والمخدرات والمشتقات النفطية التي تصل إلى الحوثيين، مما يطيل أمد الحرب ويهدد أمن الجنوب والمملكة العربية السعودية على حد سواء.
هذا السجل الحافل بالانتهاكات، من قمع المتظاهرين السلميين في سيئون بالرصاص الحي إلى احتضان وتسهيل حركة عناصر التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة، جعل من وجودها خطرًا وجوديًا لا يمكن السكوت عنه وأصبحت معركة تحرير الوادي ضرورة حتمية لا تحتمل التأخير.
*تواطؤ مكشوف: تحالف الشر بين "الإصلاح" والحوثي*
إن العلاقة بين المنطقة العسكرية الأولى، الخاضعة لسيطرة حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)، وميليشيا الحوثي الإرهابية، لم تعد سرًا.
هذا التحالف الغير معلن قائم على تقاسم المصالح وتلاقي الأهداف وأهمها إبقاء الجنوب ضعيفًا ومنهوبًا.
في الوقت الذي تدّعي فيه هذه القوات "الشرعية"، تعمل على الأرض كذراع لوجستي للحوثيين، حيث تسهل مرور شحنات الأسلحة الإيرانية عبر صحراء حضرموت الشاسعة لتصل إلى معاقل الحوثي في صنعاء وصعدة وهذا التخادم المفضوح يفسر لماذا لم تطلق هذه المنطقة طلقة واحدة ضد الحوثيين، بينما وجهت كل أسلحتها ضد أبناء حضرموت العزل المطالبين بحقوقهم المشروعة. لقد تحولت هذه القوات إلى وكيل لتنفيذ أجندة مزدوجة: أجندة إخوانية تسعى للسيطرة على مفاصل الدولة، وأجندة حوثية تهدف إلى إطالة أمد الحرب.
*الغضب الشعبي: وقود ثورة التحرير*
لم يكن التحرك العسكري للقوات الجنوبية قرارًا منفردًا، بل جاء تتويجًا لحراك شعبي واسع ومتصاعد بلغ ذروته في الاعتصامات المفتوحة بمدينة سيئون.
خرج أبناء حضرموت، من كل أطيافهم وقبائلهم، في تظاهرات مليونية سلمية، معلنين تفويضهم الكامل للقوات المسلحة الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي لتطهير أرضهم في رفض شعبي واسع لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتاج تراكم سنوات من القهر، والاغتيالات الغامضة التي طالت الكوادر الحضرمية، والانفلات الأمني المتعمد، ونهب الثروات، وسياسات الإفقار الممنهجة.
أدرك الشارع الحضرمي أن أمنه واستقراره وتنميته لن تتحقق في ظل وجود هذه القوات المعادية، وأن الحل الوحيد يكمن في استعادة حضرموت سيادتها على أرضها وثرواتها بأيدي أبنائها،الأمر الذي يشرح بوضوح سبب خروج الحضارم بكل اطيافهم مطالبين بتحرير الوادي وطرد قوات الاحتلال اليمني وتسليم أمن المنطقة لقوات النخبة الحضرمية.
*الزحف الجنوبي: استجابة لنداء الأرض*
استجابةً للنداء الشعبي والتفويض المطلق، انطلقت طلائع القوات المسلحة الجنوبية وفي طليعتها قوات النخبة الحضرمية في عملية عسكرية نوعية لتحرير وادي وصحراء حضرموت.
التحرك السريع والمدروس للقوات، التي وصلت إلى مشارف سيئون وسيطرت على مناطق استراتيجية مثل "ساه" وسط ترحيب شعبي كبير، يعكس جاهزية عالية وتخطيطًا دقيقًا. هذه العملية ليست مجرد رد فعل، بل هي جزء من استراتيجية جنوبية متكاملة تهدف إلى بسط سيادة الدولة على كامل ترابها، وتأمين حدودها، وتجفيف منابع الإرهاب والتهريب.
إن مشهد استقبال الأهالي للقوات الجنوبية بالزغاريد والأعلام يمثل استفتاءً شعبيًا حقيقيًا على الأرض، ويؤكد أن هذه القوات هي قوات الشعب، جاءت لتحريره وحمايته، لا لقهره ونهبه.
*الأبعاد السياسية: فرض واقع جديد*
إن عملية تحرير وادي حضرموت تتجاوز أبعادها العسكرية لتشكل حدثًا سياسيًا استراتيجيًا بامتياز.
فهي، أولاً، تترجم اتفاق الرياض ومخرجات مشاورات مجلس القيادة الرئاسي إلى واقع ملموس، وتحديدًا البند المتعلق بإعادة انتشار القوات العسكرية ونقلها إلى جبهات القتال ضد الحوثيين.
ثانيًا، هي توجه رسالة حاسمة للقوى الإقليمية والدولية بأن المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المسلحة الجنوبية هما القوة الحقيقية والفاعلة على الأرض، والشريك الأكثر جدارة بالثقة في مكافحة الإرهاب وتأمين الملاحة الدولية.
ثالثًا، هي تقطع الطريق على كل المشاريع والمؤامرات التي كانت تحاك ضد الجنوب في الغرف المظلمة، وتؤكد أن إرادة شعب الجنوب في استعادة دولته حقيقة ماثلة لا يمكن تجاوزها.
*انهيار معسكرات الاحتلال: مسألة وقت*
مع التقدم السريع للقوات الجنوبية والانهيار المعنوي الكامل في صفوف المنطقة العسكرية الأولى، بات سقوط آخر معاقل الاحتلال في وادي حضرموت مسألة وقت لا أكثر. تشير المصادر إلى حالة من التخبط وفقدان التواصل بين قيادة المنطقة ووزارة الدفاع في حكومة الشرعية، مما يعكس حالة التفكك التي وصلت إليها هذه القوات.
إن الجنود الذين تم جلبهم من محافظات الشمال للدفاع عن مشروع سياسي لا يؤمنون به، يجدون أنفسهم اليوم محاصرين بين مطرقة التقدم الجنوبي وسندان الرفض الشعبي، وبلا أي غطاء سياسي أو عسكري. الخيارات أمامهم باتت محدودة: إما الاستسلام والعودة إلى محافظاتهم لمواجهة الحوثيين، أو مواجهة مصير محتوم على أيدي أبطال القوات المسلحة الجنوبية.
*حضرموت الجديدة: فجر الأمن والسيادة*
إن تحرير وادي حضرموت سيمثل بداية مرحلة جديدة ليس لحضرموت وحدها، بل للجنوب بأكمله.
مرحلة عنوانها الأمن والاستقرار والتنمية. فبخروج المنطقة العسكرية الأولى، سيتم إغلاق أكبر بؤرة لتفريخ الإرهاب ودعم الميليشيات في المنطقة، وستتمكن قوات النخبة الحضرمية، بدعم من القوات الجنوبية، من بسط سيطرتها الكاملة وتطبيق النموذج الأمني الناجح الذي حول مدن الساحل إلى واحة أمان.
كما سيتم استعادة الثروات المنهوبة وتوجيهها لخدمة أبناء حضرموت وتحسين الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وصحة وتعليم.
إنها لحظة تاريخية، يرسم فيها أبناء الجنوب بدمائهم وتضحياتهم خريطة دولتهم الفيدرالية المستقلة، دولة العدالة والمواطنة المتساوية، التي تكون فيها حضرموت شريكًا أساسيًا في صنع القرار والثروة.