الرئيس الزُبيدي يلتقي نائب رئيس الوزراء الروسي لبحث تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين الجنوب وروسيا.. انفوجرافيك

الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي يصل موسكو ويلتقي وزير خارجية روسيا الاتحادية

الكثيري يبحث مع وفد المبعوث الأممي مستجدات العملية السياسية وجهود إحلال السلام في بلادنا.. انفوجرافيك



اخبار وتقارير

الثلاثاء - 28 أكتوبر 2025 - الساعة 05:59 م بتوقيت عدن ،،،

4 مايو / تحليل / د. يحيى شايف ناشر الجوبعي

أ-المقدمة :
  وتتجسد هذه المقدمة في النقاط الأساسية الآتية :
١-الأهمية :
    تكتسب هذه الورقة أهميتها من تناولها لخطاب سياسي مفصلي في مسار قضية شعب الجنوب ، يتمثل في خطاب الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي والقائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي ،  الذي ألقاه عشية الذكرى الثانية والستين لثورة ١٤ أكتوبر المجيدة .
  فالخطاب لم يكن مجرد احتفاء تاريخي ، بل نص سياسي متكامل عبّر عن التحوّل من مرحلة النضال الدفاعي إلى مرحلة المبادرة السياسية والتموضع الإقليمي والدولي ، ما يجعله نموذجًا جديرًا بالتحليل الأكاديمي ضمن دراسات الخطاب السياسي العربي المعاصر .
٢-الأهداف :
 تهدف الورقة إلى تحليل الخطاب في ضوء متنه الاتصالي والسياسي ، والكشف عن الرسائل الضمنية التي وجّهها إلى كل من(الشعب الجنوبي والجمهور الشمالي المناهض للحوثيين ، والتحالف العربي والمجتمع الدولي) .
كما تسعى الورقة إلى توضيح كيف استطاع الخطاب الجمع بين التعبئة الوطنية والدبلوماسية السياسية في آنٍ واحد ، بما يعكس نضجًا في الأداء الخطابي للمجلس الانتقالي الجنوبي .
٣-أسباب الاختيار :
   تم اختيار هذا الخطاب تحديدًا كونه يُمثّل منعطفًا سياسيًا في الخطاب الجنوبي ، إذ تزامن مع مرحلة إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية وصياغة التوازنات داخل مجلس القيادة الرئاسي ؛ كما أنه من الخطب القليلة التي دمجت بين الخطاب الوطني الداخلي والرسائل الخارجية الموجّهة للأطراف الإقليمية والدولية بلغة واحدة متماسكة .
٤-المشكلة :
  تكمن مشكلة هذه الورقة البحثية في التساؤل المركزي الآتي :
كيف نجح الخطاب السياسي للرئيس الزُبيدي في توجيه رسائل متوازنة إلى أطراف متعددة - داخلية وخارجية دون أن يفقد تماسكه أو وضوح موقفه السياسي؟ كما تنبثق عن هذه المشكلة تساؤلات فرعية تتعلق بمدى فاعلية الخطاب في تعزيز الشرعية الشعبية ، وتثبيت الشراكة الإقليمية ، وتوظيف اللغة الدبلوماسية في دعم مشروع الاستقلال الجنوبي .
٥-الفرضيات :
   أن الخطاب الجنوبي ، كما مثّله خطاب الرئيس الزُبيدي ، قد انتقل من مرحلة التعبئة الثورية إلى مرحلة الخطاب السياسي المؤسسي .
مما جعله يحقق توازنًا اتصاليًا نادرًا، مكّنه من مخاطبة جهات متعددة بمضامين مختلفة ضمن إطار لغوي موحّد .
كما أن الرسائل الموجّهة للتحالف العربي والمجتمع الدولي حملت مضامين طمأنة سياسية تُسهم في تعزيز الاعتراف بالجنوب كقوة فاعلة في الساحة الإقليمية .
٦-المنهج :
 اعتمدت الورقة البحثية في تحليل الخطاب السياسي من منظور المنهج الوصفي التحليلي ، بالاستناد إلى قراءة الخطاب في سياقه الزمني والسياسي والاجتماعي ، مع تحليل بنية اللغة ، والأساليب البلاغية ، والدلالات الرمزية المستخدمة وصولًا إلى استنتاج الأثر السياسي والدبلوماسي للخطاب .

ب-تحليل نقاط البحث:
    تناولت الورقة البحثية  أربع نقاط أساسية شرحا وتحليلا وتأويلا وصولا إلى إبراز ما وراء الخطاب السياسي للرئيس القائد عيدروس الزبيدي من دلالات وأبعاد جسدت أهمية هذا الخطاب السياسي المتفرد على النحو الآتي:

أولاً : الخطاب الذي أقنع الجنوبيين وحفّزهم .
   استند الرئيس الزُبيدي في خطابه إلى الرمزية التاريخية لثورة الجنوب الأكتوبرية عام ١٩٦٣م ، باعتبارها الرافعة المعنوية للمشروع الوطني الجنوبي . فاستدعاء ردفان كثيمة رمزية في مطلع الخطاب ((من شامخات ردفان الأبية...)) وبهذه الرمزية منح الخطاب بعدًا وجدانيًا يوحي بالاستمرارية بين الماضي الثوري والحاضر السياسي ؛ إذ أراد الرئيس الزُبيدي من خلال هذا الربط التأكيد على شرعية النضال المعاصر بوصفه امتدادًا طبيعياً للاستقلال الأول عام ١٩٦٧م . وبهذا الأسلوب ، نجح في تحويل المناسبة الوطنية إلى منصة لإعادة التعبئة الشعبية وتأكيد وحدة الموقف الجنوبي حول هدف الاستقلال .
   كما استخدم أسلوب (التمكين الجمعي) من خلال تقسيم جمهوره إلى فئات (القوات المسلحة ، المرأة ، الشباب) ، مقدّمًا لكل فئة خطابًا خاصًا يعزّز هويتها ودورها في المشروع الوطني .
  إن اتباع الرئيس الزبيدي لأسلوب التجزئة في الخطاب مع الحفاظ على وحدة الهدف يعكس إدراكًا سياسيًا عميقًا لديناميكيات المجتمع الجنوبي ، ويعبّر عن رغبة في الانتقال من الخطاب العاطفي إلى الخطاب المؤسساتي .

ثانيًا: الخطاب الذي أذهل الشماليين وأربكهم .
   من بين أبرز خصائص هذا الخطاب أنه حمل نبرة سيادية حاسمة تحدّت المركزية السياسية في صنعاء ، إذ قال الزُبيدي بوضوح: ((الجنوب لن يُدار إلا بأبنائه ولن يُحكم إلا بإرادة شعبه الحرة)) ، وهي عبارة تُعدّ إعلانًا سياسيًا صريحًا يؤسس لمبدأ السيادة الجنوبية.
ويضاعف من قيمة هذا الطرح وروده في لحظةٍ تتراجع فيها هيمنة القوى الشمالية على الجنوب ، لصالح تصاعد الدور الإيجابي للمجلس الانتقالي كممثل فعلي للسلطات المحلية في الجنوب .
كما وجّه الرئيس  الزُبيدي في خطابه التاريخي رسالة غير مباشرة للنخب الشمالية عندما دعا أبناء المناطق الشمالية المتضررة من الحوثي في (البيضاء ، وإب ، والمخا ، وتهامة وصعدة) إلى ((النضال المشترك ضد الطغيان)).
بهذه الدعوة ،نقل الرئيس الزُبيدي المعركة من كونها صراعًا جغرافيًا إلى صراعٍ قيمٍ ضد الاستبداد ، مما أضعف الخطاب الوحدوي التقليدي وجعل الجنوب طرفًا داعمًا للتحرر الوطني في الشمال .
تلك الرسائل أذهلت سكان المحافظات المناهضة للحوثي وكسرت حاجز الخوف لديهم للنهوض بهدف التمكن من إدارة محافظاتهم بأنفسهم . وفي المقابل أربكت القوى الحوثية في صنعاء والمتخادمين معها حتى في إطار الشرعية ذاتها ، عندما كسرت ثنائيتهم التقليدية  (شمال مقابل جنوب) ، وقدّمت الجنوب كقوة سياسية ذات مشروع وطني جنوبي شامل ، مناصر للحق الإنساني حتى خارج حدود الجنوب .

ثالثًا: الخطاب الذي جذب التحالف وطمأنهم .
   حرص الرئيس الزُبيدي على توجيه خطابه إلى التحالف العربي بلغةٍ تتسم بـالدبلوماسية الواقعية والرسائل المطمئنة ؛ فأشاد بدور التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة ، مؤكدًا أن المجلس الانتقالي ((شريك استراتيجي مسؤول في دعم جهود السلام ومكافحة الإرهاب وتأمين الممرات البحرية الدولية)) .
   بهذا الخطاب ، أكّد الرئيس الزُبيدي التزام الجنوب بالمصالح الأمنية الإقليمية ، وهي نقطة أساسية في معادلة التحالف ، كما أظهر قدرة على الموازنة بين التمسك بالهوية الجنوبية المستقلة وعدم القطيعة مع التحالف العربي ، ما يمنح الجنوب صورة الحليف القابل للتفاوض بدلاً من الطرف المستجيب.
   كما يُلاحظ أن الخطاب أعاد تعريف التحالف العربي من كيانٍ داعم للحكومة الشرعية إلى شريك استراتيجي في إدارة التوازن الإقليمي ، مما يتسق مع تحوّل الدور الجنوبي من دور المطالب إلى دور الفاعل .

رابعًا: الخطاب الذي طمأن مجلس الأمن وأحرجهم .
    وجّه الرئيس الزُبيدي خطابه إلى المجتمع الدولي ، مستخدمًا لغة قانونية هادئة قائمة على مفاهيم الشرعية وحقوق الشعوب ،حين قال: ((نمد أيدينا لكل من يؤمن بالسلام العادل القائم على احترام إرادة الشعوب)) ، وبهذا التقديم تمكن من أدراج قضية شعب الجنوب ضمن الخطاب الدولي لحقوق تقرير المصير .
   كما تمكن بهذه اللغة من تقدّيم الجنوب كقوة مسؤولة تحترم القانون الدولي وتتبنّى مبادئ السلام ، في الوقت الذي حمّل فيه المجتمع الدولي مسؤولية تجاهل حق الجنوبيين .
هذا الأسلوب المزدوج - التطمين من جهة والإحراج الأخلاقي من جهة أخرى - وضع مجلس الأمن أمام معادلة سياسية دقيقة : إما التعامل مع المجلس الانتقالي كطرف شرعي ، أو أن يواجه مجلس الأمن تناقضه مع مبادئه المعلنة حول حق تقرير المصير . مما يدل على ان الرئيس الزبيدي قد تمكن من تحويل الخطاب إلى ورقة ضغط دبلوماسية ناعمة تُطالب بالاعتراف السياسي دون مواجهة مباشرة .

ج-النتائج :
     من خلال المحاور الأربعة ، يمكن استخلاص الكثير من النتائج  الاستراتيجية حول بنية الخطاب السياسي نورد أبرزها على النحو الآتي :
١-الخطاب الجمعي المتوازن :حيث استطاع الرئيس الزُبيدي الجمع بين الخطاب العاطفي والتقني ، إذ قدّم للداخل رسائل تعبئة ممنهجة ، وللخارج رسائل عقلانية محسوبة .
٢-إعادة بناء الشرعية : لم يقدّم المجلس الانتقالي كفصيل سياسي ، بل ككيان حامل لمشروع الدولة الجنوبية القادمة ، مما يرسّخ من مبدأ (الشرعية الشعبية البديلة).
٣-التحول من الدفاع إلى المبادرة : للمرة الأولى يظهر الخطاب الجنوبي في موقع صانع الموقف الإقليمي ، وليس مجرّد مستجيب للظروف .
٤-تعدد الطبقات الاتصالية : الخطاب صيغ بطريقة يمكن قراءتها على أكثر من مستوى (محلي ،إقليمي ، دولي) ، وهي سمة الخطاب السياسي الناضج .

د-التوصيات :
١-تعزيز العمل التوثيقي للخطاب الجنوبي وتحليله دوريًا : مما
ينبغي على مراكز الدراسات الجنوبية والإقليمية إنشاء أرشيف بحثي خاص بخطابات القيادات الجنوبية ، لتحليل تطور الخطاب السياسي وتوجهاته الاستراتيجية عبر الزمن.
٢-تحويل الخطاب السياسي إلى خطط عمل مؤسسية : فمن المهم أن تُترجم الرسائل الواردة في خطاب الرئيس الزُبيدي إلى خطط تنفيذية في المؤسسات السياسية والعسكرية والإعلامية للمجلس الانتقالي لضمان فاعلية الرسائل .
٣-تطوير آليات الخطاب الخارجي الموجّه للمجتمع الدولي : إذ
يُوصى بصياغة نسخ مختصرة باللغات الأجنبية (الإنجليزية والفرنسية ... الخ) من الخطابات الرسمية الجنوبية لضمان وصول الرسالة إلى الرأي العام وصنّاع القرار في الخارج .
٤-توسيع قنوات الاتصال مع النخب الشمالية المناهضة للحوثي :
بما أن الخطاب دعا إلى التعاون مع أبناء الشمال المتضررين من المشروع الحوثي، يُقترح إنشاء منصات حوار جنوبية - شمالية لمواجهة التطرف وتعزيز قيم الدولة المدنية .
٥-إعادة صياغة العلاقة مع التحالف العربي بمنهج شراكة استراتيجية واضحة :
ولهذا يُستحسن تحويل الخطاب الإيجابي تجاه التحالف إلى اتفاقات مكتوبة أو أطر تنسيق مشتركة تضمن توازن المصالح وتثبيت الدور الجنوبي كشريك فاعل لا طرف مستجيب .
٦-تفعيل الدبلوماسية المجتمعية الجنوبية: من خلال التوصية بإشراك الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين الجنوبيين في حملات تواصل خارجية موازية للخطاب الرسمي ، تعزز سردية الجنوب في المحافل الدولية .
٧-اعتماد منهج الخطاب الموحّد بين قيادات المجلس الانتقالي :
للحفاظ على الانسجام السياسي والاتصالي ، لهذا ينبغي أن تنطلق كل التصريحات والخطابات من مرجعية لغوية وسياسية موحدة تُبرز موقف الجنوب بثبات وإتزان .
٨-بناء مركز وطني لتحليل الخطاب السياسي الجنوبي :لهذا 
يُقترح تأسيس وحدة بحثية متخصصة داخل المجلس الانتقالي أو تحت مظلته الأكاديمية ، تتولى دراسة الخطاب السياسي الجنوبي ومقارنته بخطابات الفاعلين الإقليميين .
٩-الاستفادة من الخطاب كأداة دبلوماسية ناعمة :
لهذا يُوصى بتوظيف الخطابات الرسمية ليس فقط كأدوات تعبئة داخلية ، بل كوسائل ضغط ناعمة في العلاقات الخارجية ، من خلال ربطها بالقانون الدولي وحقوق الإنسان .
١٠-دمج التحليل الأكاديمي للخطاب في صياغة السياسات العامة:
مما يتطلب من صانع القرار الجنوبي توظيف نتائج التحليل الأكاديمي للخطاب في تطوير استراتيجياته الإعلامية والسياسية ، بما يعزّز التناسق بين الخطاب والفعل .

ه‍-الخاتمة :
    يمكن اعتبار خطاب الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي عشية الذكرى ال (٦٢) لثورة ١٤/أكتوبر ٢٠٢٥منعطفًا هاما للخطاب السياسي الجنوبي ، لتمكنه من نقل الخطاب الجنوبي من خانة المطالبة إلى خانة الإعلان عن الذات السياسية كشريك فاعل.
كون الخطاب لم يكن احتفاليًا بقدر ما كان بيانًا استراتيجيًا أعاد رسم موقع الجنوب كعمق فاعل في المشهد اليمني والإقليمي والدولي .
  ومن هذا المنطلق نجح الرئيس الزُبيدي في صياغة خطاب متعدّد الاتجاهات يخاطب من خلاله الداخل والخارج بلغةٍ واحدة قوامها الثقة والمسؤولية .
ومع تصاعد الزخم الجنوبي وتحوّل المجلس الانتقالي إلى فاعل رسمي في كل المجالات  يُتوقّع أن يشكّل هذا الخطاب مرجعًا نظريًا لسياسات الجنوب في المرحلة القادمة خصوصًا في مفاوضات الحل النهائي للأزمة اليمنية


*باحث أكاديمي ومحلل سياسي