4 مايو / تقرير: مريم بارحمة
في مدنٍ أنهكتها الحروب، وعلى أرصفةٍ تعبت من انتظار الغد، يولد السؤال من جديد: كيف يفكر شباب عدن والجنوب اليوم؟ أيُّ أحلام تُسكن قلوبهم وقد أثقلتها الأزمات؟ وأيُّ أفقٍ يرسمونه لأنفسهم وسط واقع تتنازعه قسوة الظروف وضعف الخدمات وانقطاع الفرص؟
إنهم جيلٌ وُلد في أشد المعاناة، لكنه يحمل في عينيه بريقًا لا ينطفئ، يتأرجح بين اليأس الذي يفرضه الواقع، والأمل الذي يوقظه الإصرار. شبابٌ تكسّرت أمامهم جدران البطالة وضيق العيش، وأعاقت مسيرتهم عقبات الانقطاعات المتكررة للكهرباء والماء وضعف الإنترنت، لكنهم لم يتخلّوا عن فكرة أن المستقبل ملكٌ لمن يحلم به ويصنعه بيديه.
فكيف يفكّر جيل ما بعد الحروب في الجنوب؟ وما الذي يبحث عنه في ظل واقع اقتصادي صعب وخدمات متعثّرة؟ كيف يواجه التحديات اليومية المتمثلة في البطالة وقلة المياه وضعف الكهرباء والإنترنت، وهشاشة التعليم والصحة النفسية؟ والأهم، ما الدور الذي يمكن أن يقوم به المجلس الانتقالي الجنوبي في تنمية المهارات، وتشجيع ريادة الأعمال، ورعاية الطاقات الشابة بما يحقق الاستقرار والتنمية؟
هذه التساؤلات تقودنا إلى محاولة استكشاف المشهد الراهن، قراءة عقلية الجيل الجديد، ورصد الصعوبات التي تحدّ من إمكاناته، مع استعراض الفرص الممكنة لبناء مستقبل أكثر وضوحًا.
-كيف يفكّر جيل ما بعد الحروب؟
واقعية عملية تفكير الشباب الواعي منصبّ على المهارات السريعة التي تفتح باب العمل؛ مثل اللغات، التقنية، والأعمال الحرة الرقمية. كما ان الشباب لديهم النزعة الريادية فنراهم يفضلوا إنشاء مشاريع صغيرة برأسمال محدود، كخدمات إلكترونية أو ورش بسيطة، أو فتح كوافير، او عمل المعجنات والأعمال والحرف اليدوية للفتيات، بدل انتظار التوظيف الحكومي. كما يبحث الشباب من الجنسين عن الاستقرار والابتعاد عن الشعارات الكبيرة والتركيز على أساسيات الحياة اليومية كهرباء، ماء، أمان وظيفي، ونقل مستقر. كما أن الرقمنة تُعد خيار أساسي مثل الهواتف الذكية فهي أصبحت بوابة للتعلّم والعمل، لكن ضعف الإنترنت يجعل هذا الخيار متعثرًا ومكلفًا. وعي نفسي متزايد يتمثل في إدراك متنامٍ لأهمية الدعم النفسي في مواجهة القلق والإرهاق الناتجين عن سنوات الحرب وضغوطات الحياة.
-صعوبات تواجه الشباب
يواجه الشباب عدد من الصعوبات التي تعيق طموحهم منها: البطالة المتفاقمة وتكمن في محدودية الفرص الرسمية وضعف سوق العمل.
ومن أبرز الصعوبات تدهور الخدمات سواء من انقطاعات الكهرباء، وشح المياه، وضعف النت والغلاء المعيشي واضراب المدارس والجامعات. كذلك الإنترنت غير مستقر يعرقل التعليم الإلكتروني، العمل الحر، والتواصل مع العالم. وبعد تخرجه يجد أن التعليم الذي تلاقه وتخصصه بعيد عن سوق العمل فالمناهج جامدة لا تلبي متطلبات العصر. كما يعاني الشباب من الضغط نفسي وصحي يتمثل في ندرة المراكز المتخصصة وارتفاع تكاليف العلاج. كذلك يواجه بعض التوترات الأمنية والمجتمعية تعيق الحركة والاستثمار الصغير وتدفع البعض للهجرة خارج البلاد.
بينما الشابات يواجهن عراقيل تتمثل في قيود اجتماعية وفرص أقل في التمويل والموارد، لكن بعضهن تحدين هذه المعوقات بشجاعة وثقة. كما للتقنية أهميتها فلها تأثير سلبي على الشباب يكمن في الإدمان الرقمي وخطاب كراهية يضعف والتخوين لمجرد الخلاف بالرأي. كما أن الشباب فاقد الثقة بالمؤسسات الحكومية بسبب بطء الحلول وغياب البرامج العملية. كما يعاني معظم الشباب من صعوبة الوصول للقروض الصغيرة والمنح.
-أين يمكن للمجلس الانتقالي أن يصنع الفارق؟
اهتم المجلس الانتقالي بالشباب من خلال التدريب وبناء المهارات والقدرات، ولكن لم مازال العديد من الشباب بحاجة إلى التدريب المستمر في مختلف المجالات.
كما يمكن للمجلس إنشاء مجمّعات تدريبية بدورات عملية قصيرة بشهادات معترف بها. وإطلاق برنامج مثل: "مهارة في 90 يومًا" لربط التدريب بالتوظيف المباشر.
ولتمكين الشباب في ريادة الأعمال يمكن تأسيس صندوق تمويل صغير بفوائد رمزية لدعم المشاريع. وتنظيم منافسات مبتكرة لتحفيز حلول لمشكلات الخدمات والطاقة.
وفي مجال الصحة النفسية يمكن دعم مراكز إرشاد جامعية ومدرسية وخطوط مساعدة سرّية. وتعزيز الرياضة والثقافة كمساحات آمنة لتفريغ الضغوط.
وفي مجال المشاركة في المجتمع يمكن تأسيس مجالس شبابية استشارية في المديريات. وإتاحة مقاعد للشباب في لجان التخطيط المحلية.
وللمرأة دورها المهم في المجتمع ويمكن تمكين المرأة من خلال إشهار إتحاد نساء الجنوب بالعاصمة عدن وكافة محافظات الجنوب للاهتمام واختيار طاقم مؤهل يعمل بإخلاص وتفاني لصالح المرأة، وإطلاق حاضنات أعمال نسوية ومنح للعمل من المنزل في المجالات الرقمية.
والاهتمام بالتعليم والتأهيل من خلال تحديث المناهج لتشمل التفكير النقدي وحل المشكلات. وتدريب المعلمين على أساليب التعليم الحديثة. وإنشاء مختبرات رقمية منخفضة الكلفة مع إنترنت مستقر.
-حلول معالجات
من أجل تذليل الصعوبات للشباب لابد من تخصيص أولوية للكهرباء والمياه والإنترنت في المؤسسات التعليمية والتدريبية ومنازلهم. وتبسيط تسجيل الأعمال الصغيرة وإعفاء أصحابها من الرسوم في السنة الأولى. واعتماد مساقات قصيرة عملية معترف بها أكاديميًا. وتطوير وسائل نقل آمنة ومنخفضة الكلفة لتمكين الوصول للفرص. تحويل مبادرات الشباب أو المجالس الشبابية إلى كيانات مؤسسية منظمة وربط توصياتها بخطط تنموية واضحة.
إن جيل ما بعد الحروب في الجنوب يملك قدرات على الابتكار والتكيّف، لكنه محاصر بخدمات متعثرة، إنترنت ضعيف، وبنية تحتية هشة. ومع ذلك، فإن أي برنامج جاد يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي يمكن أن يحوّل هذه التحديات إلى فرص، شرط أن يكون عمليًا، سريع الأثر ومستدام، ويضع الشباب في قلب القرار.