السبت - 10 مايو 2025 - الساعة 10:59 م بتوقيت عدن ،،،
4 مايو/ حافظ الشجيفي
لم تكن شمس عدن عصر اليوم كغيرها، بل حملت في أشعتها وهج غضبٍ مكتومٍ وصرخة يأسٍ عميق. حيث خرجت نساء وبنات العاصمة الجنوبية في تظاهرةٍ حاشدةٍ، غاب عنها الرجل تمامًا، في مشهدٍ استثنائي يحمل من الدلالات والتداعيات ما يفوق حجمه العددي. ورددت حناجرهن شعاراتٍ تُطالب بأبسط مقومات الحياة الكريمة: خدماتٌ أساسية، وتحسينٌ للأوضاع المعيشية والاقتصادية التي وصلت إلى حدٍّ لا يُطاق.
إن خروج المرأة العدنية بهذه الكثافة، وبهذا الإصرار، ليس مجرد حدثٍ عابرٍ يمكن تجاهله أو التقليل من شأنه. فهو مؤشرٌ بالغ الخطورة، ورسالةٌ أشد تأثيرًا وأبلغ تعبيرًا عن حالة الإحباط واليأس والغضب الشعبي المتراكم. فحين يخرج "النصف الأضعف" للمجتمع – إلى الشارع، متحديًا كل الظروف والقيود، فهذا يعني أن الأمر قد بلغ مداه، وأن الصبر قد نفد، وأن كل السُبل الأخرى للمطالبة بالحقوق قد استُنفدت.
ليس من عادة نساء عدن، بل والمجتمع الجنوبي عمومًا، الخروج في مظاهراتٍ بمعزلٍ عن الرجل، إلا إذا كان الدافعُ قاهرًا والظرفُ استثنائيًا حيث يضع هذا الخروج السلطات القائمة أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية لا يمكن التنصل منها. فهو ليس مجرد تعبيرٍ عن ضائقةٍ اقتصادية، بل هو استفتاءٌ شعبيٌ على أداء الحكومة وقدرتها على توفير الحد الأدنى من متطلبات العيش لمواطنيها.
تكمن قوة هذه المظاهرة النسائية في رمزيتها وقدرتها على كسر حواجز الصمت والخوف.فهي تُعرّي الواقع المرير الذي يعيشه المواطن العدني، وتُسلط الضوء على فشل السياسات الاقتصادية والخدمية. كما أنها تُحرج السلطات محليًا ودوليًا، وتضعها في موقفٍ لا تُحسد عليه.
أكثر من ذلك، فإن هذا الحراك النسوي يحمل دلالاتٍ أعمق تتعلق بتطور الوعي المجتمعي وبزوغ قوةٍ جديدةٍ في المعادلة السياسية والاجتماعية. فالمرأة التي خرجت اليوم ليست مجرد متضررةٍ من تردي الأوضاع، بل هي فاعلةٌ رئيسيةٌ تطالب بحقها في المشاركة وصناعة القرار.
حتى لحظة كتابة هذه السطور، وبعد ساعاتٍ من انفضاض المظاهرة، لم يصدر عن السلطات أي تعليقٍ رسمي أو بادرةٍ توحي بالاستجابة لمطالب المتظاهرات. على نحو يُثير القلق، ويُعزز المخاوف من أن تُقابل هذه الصرخة النسائية بالتجاهل، كما قوبلت غيرها من المناشدات والاحتجاجات السابقة.
إن تجاهل مطالب هذه المظاهرة، التي حملت على عاتقها هموم شعبٍ بأكمله، سيكون خطأً فادحًا وله عواقب وخيمة. فهو لن يُسهم إلا في تعميق حالة الإحباط وتأجيج مشاعر الغضب، وقد يدفع الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه. فالحكومة التي لا تُقدّر ولا تُثمّن خروج النساء في مظاهرةٍ كهذه، للمطالبة بحياةٍ كريمة، لا يمكن أن تستجيب لمظاهراتٍ يقودها الرجال لنفس الغاية؟
قد يبدو للوهلة الأولى، في ظل غياب أي استجابةٍ رسمية، أن المظاهرة قد فشلت في تحقيق أهدافها المباشرة. ولكن الحقيقة أن تأثيرها أعمق وأبعد من ذلك. فقد نجحت هذه النساء في إيصال رسالةٍ قويةٍ وواضحة، وفي تسجيل موقفٍ تاريخي سيظل محفورًا في ذاكرة عدن. وأثبتن أن صوت المرأة لا يمكن إسكاته، وأن إرادتها لا يمكن كسرها.
إن لم تستجب الحكومة اليوم، فإنها تُغامر بفقدان ما تبقى لها من مصداقيةٍ وثقةٍ لدى الشارع. فإذا كانت صرخة المرأة، بكل ما تحمله من صدقٍ وألم، لا تُحرّك فيهم ساكنًا، فما الذي يمكن أن يُحرّكهم بعد ذلك؟ السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه الآن: هل ستدرك السلطات حجم الرسالة وعمق الأزمة قبل فوات الأوان، أم ستُصرّ على سياسة التجاهل التي لم تجلب للبلاد سوى المزيد من المعاناة والتدهور؟ الأيام القادمة كفيلةٌ بالإجابة، ولكن المؤكد أن نساء عدن قد قلن كلمتهن، وكلمتهن كانت مدوية.