4 مايو/ البيان/ أحمد الشنقيطي
في مشهد وصف بأنه «تحوّل استثنائي في معادلات الشرق الأوسط»، دخل الرئيس السوري أحمد الشرع البيت الأبيض، ليصبح أول رئيس سوري في التاريخ يستقبله رئيسٌ أميركي، في لقاء يجسد مرحلة جديدة من البراغماتية السياسية وإعادة التموضع الإقليمي.
قبل عقدين، بدأ الشرع مسيرته مقاتلاً في العراق ضدّ القوات الأميركية، قبل أن يتحوّل لاحقاً إلى أحد أبرز وجوه الفصائل المسلحة في سوريا، لينتهي به طريق الحرب الطويلة إلى رئاسة بلاده، بعد سقوط النظام السابق في ديسمبر 2024، ليقف اليوم على أعتاب مرحلة عنوانها "التحوّل من الصراع إلى السياسة".
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال اللقاء رفع العقوبات القاسية المفروضة على الحكومة السورية السابقة، بما في ذلك "قانون قيصر"، معرباً عن أمله في أن «يتمكّن الشرع من دفع سوريا في اتجاه جديد يكرّس الاستقرار».
رحّبت الأوساط السياسية والاقتصادية في المنطقة بهذه الخطوة، معتبرةً أنها تفتح الباب أمام حقبة جديدة من التعاون الدولي والعربي لإعادة إعمار سوريا وإنهاء سنوات العزلة التي عاشتها.
عرف أحمد الشرع في بداياته باسم "أبو محمد الجولاني"، وكان أحد القادة الذين برزوا خلال سنوات الصراع الأولى، قبل أن يعلن في عام 2016 القطيعة مع التنظيمات المتشددة، ويعيد تشكيل جماعته تحت مسمى "هيئة تحرير الشام"، والتي أدارت مناطق المعاضة في الشمال السوري.
وفي عام 2021، ظهر الشرع لأول مرة في مقابلة مع قناة أميركية، متحدثاً عن رؤيته لسوريا "منفتحة على العالم"، داعياً إلى رفع العقوبات والانخراط في مسار إصلاحي تدريجي. ومع نهاية عام 2024، قاد عمليةً واسعة أفضت إلى إسقاط بشار الأسد وتوليه رئاسة البلاد بصفة انتقالية، في ظل دعم من الأمم المتحدة وعدد من العواصم الإقليمية.
استثمارات
رافق الانفتاح السياسي تحرّك اقتصادي واسع، حيث شهدت سوريا منذ مطلع عام 2025 موجة استثمارات عربية قدرت بعشرات المليارات من الدولارات، عكست ثقةً متزايدة بالمسار الجديد الذي تنتهجه دمشق.
برزت الإمارات العربية المتحدة، كأحد أعمدة الانفتاح الجديد عبر مشروع تطوير ميناء طرطوس بالشراكة مع "دي بي وورلد"، والذي قدر بنحو 800 مليون دولار، واستثمار آخر من دانة غاز لإعادة تأهيل حقول غاز سورية، إضافة إلى مشروع مترو دمشق الذي تُقدّر قيمته بـ 2 مليار دولار. كما أجرت مجموعة الحبتور مباحثات مع هيئة الاستثمار السورية لتطوير مشروعات في الساحل السوري، بما يسهم في تحريك الاقتصاد المحلي وتوفير فرص العمل.
وفي مايو الماضي، وقّعت الحكومة السورية اتفاقات استثمارية بقيمة 14 مليار دولار مع شركات إقليمية ودولية لتطوير البنية التحتية والمناطق الصناعية، في خطوة رأت فيها تقارير صحفية "مؤشراً على بدء مرحلة التعافي الاقتصادي".
فيما أعلنت المملكة العربية السعودية استثمارات بلغت 6.4 مليارات دولار تشمل مشاريع إسكان وطرق وطاقة متجددة، إلى جانب تعاون لوجستي في الاتصالات والبنى التحتية.
من جانبها، أطلقت قطر استثمارات نوعية أبرزها مشروع "المدينة الإعلامية" في دمشق بقيمة 1.5 مليار دولار، إضافةً إلى اتفاق مع شركة UCC Holding القطرية لإنشاء مطار جديد في العاصمة، ومشاريع للطاقة بقيمة 7 مليارات دولار لدعم إنتاج الكهرباء.
كما أعلنت تركيا عن حزمة استثمارات تشمل تطوير الطرق والمناطق الاقتصادية الخاصة، في خطوة تشير إلى تحوّل من التنافس إلى التكامل الإقليمي في الملف السوري.
ما بعد العزلة
رغم الانفتاح المتسارع، يدرك الرئيس السوري أن طريق إعادة بناء الدولة لن يكون سهلاً، فالتحديات تمتد من إعادة دمج الفصائل المسلحة وضمان الأمن الداخلي، إلى معالجة قضايا المهجّرين وإعادة الإعمار المتوازن. كما تبقى الحاجة قائمة إلى شراكات دولية تضمن استقرار الاقتصاد والقطاع المصرفي، وتفتح الباب أمام عودة الاستثمارات الأوروبية لاحقاً.
ويرى مراقبون أن مسيرة أحمد الشرع تمثل نموذجاً لتحوّل استثنائي في التاريخ السياسي العربي المعاصر، من ساحات الصراع إلى طاولة الدبلوماسية، في مشهد يعكس قدرة دمشق على التجديد حين تتغلب البراغماتية على الجمود.