4 مايو/ تحليل/ د . يحيى شايف ناشر الجوبعي
أ-المقدمة :
يشهد الجنوب المحرر ولاسيما في المرحلة الراهنة تصاعد ظاهرة خطيرة ومضللة تتمثل في ما يسمى بـالمقاومة الإرهابية التي تقودها كل من جماعة(الحوثي ذات الارتباط الإيراني - العماني) وجماعة (الإخوان ذات الامتداد القطري-التركي) تحت غطاء ما يسمى بالمقاومة الوطنية الجنوبية لتحرير الجنوب ؛ في الوقت الذي الجنوب قد تحرر منها في العام ٢٠١٥م وبهذا تكون قد كشفت عن حقيقتها الهادفة إلى (إعادة احتلالها للجنوب) متناسية الحقيقة العلمية الموسمة بأن (المحرر لا يحرر) مما جعلها تلجاء إلى التستر بهدف تمرير مخططاتها المكشوفة إلا أن الأقدار قد فضحتها من خلال التصريحات المعادية للجنوب من قبل بعض عناصرها المأجورة والمغرر بها عبر منصاتها الإعلامية (الحوثية والإخوانية) نحو تصريحات كل من المدعو (أمجد خالد) والمدعو (عادل الحسني) وغيرهما ، مستغلين حالة الانفتاح السياسي والديمقراطي التي يعيشها الجنوب بعد التحرير ، مما جعلهم يكشفون عن وجههم الحقيقي ولاسيما بعد أن أسقطت الوقائع كل الأقنعة التي كانت تغطي هذا التنسيق المشبوه .
1- أهمية الدراسة :
تبرز أهمية هذه الدراسة في تناولها واحدة من أخطر الظواهر الإرهابية والسياسية المعاصرة ، وهي ظاهرة تحالف الجماعات الإرهابية الحوثية والإخوانية تحت غطاء ما يسمى بالمقاومة الزائفة ، مما يشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الجنوبي وللاستقرار السياسي والاجتماعي في الجنوب.
كما تكمن أهمية البحث في كشف آليات التلاعب بالمفاهيم الوطنية ، وتوضيح كيفية استخدام مصطلح المقاومة لتبرير محاولات إعادة الاحتلال، وتحليل تأثير هذا الخطاب التضليلي على الوعي الجمعي الجنوبي ومسار مشروع الدولة الجنوبية المستقلة
2- أهداف الدراسة
ترمي هذه الدراسة إلى تحقيق الأهداف الآتية :
أ- تحليل الخطاب الإرهابي المشترك بين الحوثيين والإخوان الذي يتخفّى خلف شعارات المقاومة والتحرير .
ب-الكشف عن الأساليب السياسية والإعلامية التي تستخدمها هذه الجماعات لتوظيف مفهوم المقاومة لخدمة مشاريعها الإرهابية .
ج-توضيح أبعاد التناقض بين الخطاب الذي يدعي إلى الدفاع الواقعي عن التحرير وبين الخطاب الذي يسعى إلى الهيمنة وإعادة الاحتلال .
د- دراسة تأثير هذا الخطاب المضلل على الوحدة الوطنية الجنوبية واستقرارها .
هـ- تقديم رؤى فكرية ومؤسساتية لتحصين المجتمع الجنوبي من محاولات الاختراق الإرهابي (الحوثي والإخواني) .
3- أسباب اختيار الموضوع :
اختير هذا الموضوع للأسباب الآتية :
أ- الحاجة الملحّة لتوعية النخبة والمجتمع الجنوبي بخطورة الخطاب الإرهابي المقنّع الذي يدعو لتحرير الجنوب المحرر فعليا .
ب- ندرة الدراسات الأكاديمية التي تناولت ظاهرة التحالف (الحوثي-الإخواني) من منظور علمي ومنهجي .
ج- تزايد النشاط الإرهابي الإعلامي والسياسي داخل بعض المناطق الجنوبية من خلال وكلاء محليين مرتبطين بالمشروع الحوثي والإخواني .
د- التمييز الضروري بين المقاومة الوطنية المشروعة التي تحمي الوطن ، وبين المقاومة الإرهابية الزائفة التي تستهدف الوطن وتبرّر احتلاله مجددًا.
4- مشكلة الدراسة :
تتمثل مشكلة الدراسة في التناقض الجوهري بين الخطاب الإرهابي المزيّف الذي يرفع شعارات المقاومة والتحرير ،وبين الممارسة الفعلية التي تسعى إلى إعادة احتلال الجنوب المحرر وتسليمه لقوى الإرهاب اليمنية (الحوثية منها والإخوانية) .
وتنبثق عن هذه المشكلة الأسئلة الآتية :
أ- كيف توظّف الجماعات الإرهابية (الحوثية والإخوانية) مفهوم المقاومة لخدمة مشاريعها التوسعية ؟
ب- ما الأبعاد السياسية والفكرية لخطاب ما يسمى تحرير الجنوب في هذا السياق الإرهابي ؟
ج- ما تأثير هذا الخطاب على الوعي الجمعي والمزاج السياسي في الجنوب ؟
د- كيف يمكن للمجتمع الجنوبي مواجهة هذا التوظيف الخطير للمفاهيم الوطنية ؟
5- فرضيات الدراسة
تنطلق الدراسة عبر مجموعة من الفرضيات ، أهمها :
أ- إن ما يسمى بالمقاومة الوطنية التي ترفعها الجماعات الحوثية والإخوانية ليست حركة تحرر وطني ، بل غطاء لإعادة احتلال الجنوب .
ب- إن مفهوم المقاومة في خطاب هذه الجماعات تم تحريفه أيديولوجيًا لخدمة مشاريعها الإرهابية .
ج- إن بعض الجماعات والشخصيات التي تتبنى هذا الخطاب داخل الجنوب تعمل كأذرع تمويلية وإعلامية لقوى الإرهاب (الحوثية والإخوانية).
د- إن هذا الخطاب يسهم في تشويش الوعي الجنوبي وتأخير تحقيق الاستقلال الكامل للدولة الجنوبية.
هـ- إن تحصين الجنوب من هذه الحرب الفكرية يتطلب بناء وعي وطني ومؤسسي متكامل .
6- منهج الدراسة
اعتمدت الدراسة على المنهج التحليلي الوصفي المقارن من خلال تحليل الخطاب الإرهابي المشترك بين الحوثيين والإخوان ، وتفكيك بنيته الفكرية والسياسية والإعلامية ، مع مقارنته بمفهوم المقاومة الوطنية المشروعة ، وذلك في سياقه التاريخي والسيادي ، بهدف تبيان الفارق بين المقاومة التي تحرر الوطن والمقاومة التي تحتل الوطن .
ج-المدخل :
سيُركّز هذا المدخل على تطور النضال الجنوبي ضد قوى الاحتلال منذ ١٩٩٤م ، مع توضيح كيف تحوّل الإرهاب (الحوثي - الإخواني) إلى مرحلة تحالف علني لإعادة احتلال الجنوب بوسائل جديدة تحت شعار المقاومة.
مع التأكيد على أن الشعب الجنوبي قد دفع ثمن حريته واستقلاله غاليًا منذ احتلاله من قبل القوات اليمنية بكل أشكالها الإرهابية في ٧ يوليو عام ١٩٩٤م .إذ لم تكتف تلك القوى بعملية إقصاء وتهميش الجنوبيين ونهب ثرواتهم بل عمدت إلى الطمس المنظّم لهويتهم من خلال محو كلما هو جنوبي بهدف إزالتهم من الوجود كليا.
ورغم كلما حصل من قمع ممنهج للجنوبيين طيبة اكثر من ثلاثة عقود من الزمن إلا أن المقاومة الجنوبية الشرعية لم ولا ولن تُكسر إرادتها ، إذ برزت منذ منتصف التسعينات حركات سلمية ومقاوماتية أبرزها حركة حتم لتقرير مصير الجنوب بالكفاح المسلح برئاسة الأخ الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي والتي سرعان ما تطورت إلى انفجار ثورة الحراك الجنوبي السلمية عام ٢٠٠٧م ، التي عبّرت عن الرفض الجنوبي القاطع للاحتلال وطالبت باستعادة الدولة الجنوبية المستقلة بهوية مدنية حديثة دافعة بمئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمسرحين والمنفيين والمقصيين والمغيين .
ومع اندلاع عاصفة الحزم عام ٢٠١٥م ضد المشروع الحوثي الإيراني وحلفاؤه الإخوانيين نهض الشعب الجنوبي الثائر عبر مقاومته المسلحة والسلمية جنبًا إلى جنب مع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة .
وخلال أشهر قليلة ، تمكنت المقاومة الجنوبية من تحرير محافظات الجنوب المحرر من الاحتلال الحوثي المتخادم مع قوى الإرهاب الإخوانية وغيرها.
وبذلك انتقل الجنوب من مرحلة الاحتلال إلى مرحلة التحرير والبناء ،
غير أنّ تحالف قوى الإرهاب (الحوثية والإخواني) لم تتوقف عند هزيمتها العسكرية ، ولاسيما بعد أن فشلت مرتين في محاولة احتلالها للجنوب عسكريا ، مما جعلها تحاول الآن وللمرة الثالثة في إعادة احتلالها للجنوب ولكن بأسلوب جديد قوامه الاختراق الإعلامي والسياسي والفكري بوسائل ناعمة عبر غطاء جنوبي من خلال الترويج لشعارات زائفة تحمل اسم المقاومة الوطنية لتحرير الجنوب ، بينما هدفها الحقيقي هو إعادة احتلالها للجنوب المحرر
مستغلة لغة العاطفة الوطنية والدين ، ومتخفية وراء خطاب إعلامي مخادع هدفه نشر الفوضى ، وضرب الثقة بين القيادة والمجتمع الجنوبي بهدف خلخلة الجبهة الداخلية.
إن هذه الظاهرة الجديدة تمثل أخطر مراحل الحرب على الجنوب ، إذ لم تعد حربًا بالسلاح وحسب،بل حرب عقول ومفاهيم ، بهدف تفكيك الهوية الوطنية الجنوبية ، واستهداف الحامل السياسي للمشروع السيادي للجنوب ممثلا بالمجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الأخ الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي والقائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي كما يحاولون خلق أزمة ثقة بين الشعب الجنوبي والقوات الجنوبية المسلحة والأمن بهدف تشويش وعي الأجيال الجنوبية الشابة.
ولذلك فإن مواجهة هذه المقاومة الإرهابية لا تكون بالسلاح وحده ، بل تتطلب مقاومة فكرية وإعلامية ومؤسسية تُعيد الاعتبار للحقيقة ، وتكشف الأقنعة عن كل من يحاول استغلال اسم المقاومة المزيفة لتمرير مشروع احتلال جديد للجنوب ،بأدوات مختلفة.
ج- تحليل نقاط البحث
أولًا: الإطار المفاهيمي والسياسي للمقاومة الإرهابية :
برعت الجماعات الإرهابية - الحوثية والإخوانية في تحريف المفاهيم الوطنية وتوظيفها بما يخدم مشاريعها التوسعية ، مستخدمة أدوات الدين والسياسة والإعلام لتبرير عدوانها على الجنوب ،
ففي الفكر السياسي الحديث ، تُعدّ المقاومة فعلًا وطنيًا مشروعًا يعكس حق الشعوب في التحرر من الاحتلال ،لكن هذه الجماعات عمدت إلى قلب المفهوم رأسًا على عقب ، فحوّلت المقاومة من وسيلة للتحرر إلى أداة للهيمنة ، ومن رمز للكرامة إلى شعارٍ للاحتلال .
لقد أعادت هذه الجماعات إنتاج مفهوم المقاومة في خطابها السياسي لتغطي به أهدافًا أيديولوجية إرهابية ، فالحوثي يستخدم شعار مواجهة العدوان لتبرير عدوانه ، والإخوان يرفعون راية الدفاع عن الشرعية لتبرير تدخلاتهم .
وفي الواقع ، فإن ما يجمع هذه القوى هو مشروع واحد : تدمير الجنوب والسيطرة عليه مجددًا عبر أدوات جديدة .
هذا التلاعب بالمفاهيم يُعدّ جريمة فكرية وسياسية ، لأنه يستهدف وعي المجتمع الجنوبي ويشوّه رموز نضاله ومفاهيمه السيادية .
إن تفكيك هذا الخطاب يُعدّ ضرورة وطنية لبناء وعي جنوبي نقدي قادر على التمييز بين المقاومة التي تحمي الوطن ، وتلك التي تستخدم شعارات التحرير لتبرير احتلاله مجددًا .
ثانيًا: المقاومة الإرهابية بغطاء جنوبي بين التوظيف السياسي والاختراق التنظيمي
بعد أن فشلت الجماعات الإرهابية الحوثية والإخوانية في السيطرة على الجنوب عسكريًا عام ٢٠١٥م ، لجأت إلى الاختراق السياسي والإعلامي والتنظيمي ، مستعينة بأذرع محلية تتحدث بلسان جنوبي ولكنها تعمل لحساب قوى الإرهاب .
فقد بدأت هذه الجماعات بتجنيد شخصيات وأطراف محلية - بعضها يحمل خلفيات أمنية أو إعلامية - لتشكيل ما يُعرف بـالمقاومة الوطنية الجنوبية، وهي في حقيقتها واجهة إرهابية موحدة لتقويض مشروع الجنوب المستقل ، إذ
تتمثل أدوات هذا الاختراق في :
١-تمويل مباشر وغير مباشر من أجهزة استخبارات حوثية وإيرانية وإخوانية وقطرية وعمانية .
٢-تضليل إعلامي واسع عبر قنوات ومواقع وصفحات إلكترونية تتبنى الخطاب الجنوبي ظاهريًا ، لكنها تهاجم مؤسسات الجنوب الشرعية وتدافع عن الحوثيين والإخوان ضمنيًا .
٣-استقطاب بعض القيادات المحلية عبر المال أو المناصب أو الابتزاز السياسي لإحداث انقسام داخلي .
هذه الأدوات تمثل شكلًا جديدًا من الاحتلال الناعم ، الذي يستهدف تفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي الجنوبي من الداخل ، دون الحاجة إلى حرب تقليدية .
إن إدراك خطورة هذا التغلغل يتطلب وعيًا مؤسسيًا متكاملًا ، وقدرة على التفريق بين الحراك الوطني الصادق وبين التحركات المأجورة التي تعمل لمصلحة الإرهاب الحوثي - الإخواني .
ثالثًا: آثار الخطاب الإرهابي المزدوج على المشروع الوطني الجنوبي .
يُعدّ الخطاب المزدوج الذي تتبناه الجماعات الإرهابية (الحوثية والإخوانية) أخطر أسلحتها في الحرب على الجنوب، إذ يجمع بين شعارات وطنية جذابة وممارسات عدوانية خفية .
فهو خطاب يرفع راية المقاومة والتحرير لكنه عمليًا يسعى إلى تفكيك الوعي الوطني الجنوبي وإضعاف ثقته بقيادته ومشروعه السياسي .
١-على المستوى الاجتماعي : تعمل هذه الجماعات على نشر الفتنة بين المكونات الجنوبية ، عبر بث الشائعات والدعاية الطائفية والمناطقية مستهدفة ضرب اللحمة الوطنية .
٢-على المستوى الفكري والإعلامي : تستغل وسائل الإعلام وشبكات التواصل لبث رسائل مشوشة تحاول خلط المفاهيم ، فتصوّر الإرهاب على أنه مقاومة، والمقاومة الحقيقية على أنها تمرد أو انفصال .
٣-على المستوى السياسي : تهدف إلى إرباك القرار الجنوبي ، وإعاقة بناء مؤسسات الدولة ، ودفع الجنوب نحو الفوضى التي تسمح لقوى الإرهاب بالعودة من بوابة التحالفات الوطنية المزيفة .
إن هذا الخطاب يمثل حربًا ناعمة تُشنّ على وعي المجتمع الجنوبي ، ومواجهته تتطلب بناء خطاب وطني مضاد قائم على التنوير وكشف التناقضات ، وتحويل المقاومة الفكرية إلى جبهة موازية للدفاع عن السيادة الجنوبية .
رابعًا: المقاومة الوطنية الخالصة - من المفهوم إلى الممارسة :
في سياق مواجهة هذه الفوضى المفاهيمية، تبرز الحاجة إلى إعادة تعريف المقاومة الجنوبية على أسس وطنية خالصة تميّز بين المقاومة التي تحرر والمقاومة التي تبرر الاحتلال .
فالمقاومة الجنوبية الأصيلة هي تلك التي تستمد مشروعيتها من إرادة الشعب الجنوبي ، وتعبّر عن تطلعاته في الحرية والسيادة والاستقلال ، بعيدًا عن التبعية لأي مشروع معادي . ولتحقيق ذلك ، يجب على القيادة الجنوبية والمؤسسات الوطنية القيام بالآتي :
١-إعادة صياغة المفهوم الوطني للمقاومة ليكون قائمًا على المبادئ السيادية لا على الولاءات الحزبية أو الطائفية.
٢-التحول من منطق الصراع العسكري إلى منطق البناء الوطني ، لأن المرحلة الراهنة تتطلب تعزيز المؤسسات السياسية والأمنية والاقتصادية القادرة على حماية الجنوب من الاختراق .
٣-بناء جبهة فكرية موحدة تواجه الفكر الإرهابي بالوعي ،وتغرس قيم الانتماء والهوية الجنوبية في الأجيال الجديدة .
٤-تعزيز ثقافة الدولة المدنية والحوكمة الرشيدة ، لأن الاستقرار المؤسسي هو السلاح الأقوى في مواجهة مشاريع الفوضى والإرهاب .
إن التحول من مقاومة التحرير إلى مقاومة البناء يمثل نقلة استراتيجية في الفكر الجنوبي الحديث ،ويؤكد أن الدفاع عن الجنوب لم يعد بالسلاح وحده ، بل بالعلم والوعي والسياسة والموقف ، لأن معركة اليوم هي معركة وعي بامتياز .
د- النتائج :
من خلال التفسير والتحليل والتأويل تمكنت الدراسة من الوصول إلى النتائج الآتية :
١-تحالف الإرهاب ضد الجنوب أصبح حقيقة علنية ؛ فالجماعات الحوثية والإخوانية رغم اختلاف شعاراتها الظاهرية ، توحّدت في الهدف والممارسة :وصولا إلى إعادة احتلال الجنوب المحرر تحت مسمى المقاومة الوطنية، في تحالف يعبّر عن وحدة المشروع ضد الجنوب لا من أجله .
٢-المقاومة الإرهابية (الحوثية والإخوانية) حوّلت المفهوم الوطني إلى أداةٍ للغزو ؛ إذ لم تعد المقاومة في خطابهم فعلًا تحرريًا ، بل غطاءً سياسيًا وإعلاميًا لتبرير التدخلات الإرهابية ، بما يجعلها مقاومة ضد الوطن وليست من أجله .
٣-الخطاب الإرهابي الجديد يمثّل شكلًا من أشكال الحرب الناعمة ؛ حيث لم يعد الاحتلال يأتي بالدبابات ، بل عبر المال ، والإعلام ، والرموز المخدوعة ، التي تروّج للأكاذيب وتبث الشك في صفوف الجنوبيين .
٤-بعض المجموعات والشخصيات التي ترفع شعار المقاومة الجنوبية انحرفت عن مسارها الوطني ، وتحولت إلى أدوات تمويلية أو إعلامية لقوى الإرهاب ، تهاجم مؤسسات الجنوب وتبرر العدوان بحجة التصحيح أو التحرير .
٥-الحرب على الجنوب اليوم هي حرب وعي قبل أن تكون حرب سلاح ؛ إذ يسعى الإرهاب إلى احتلال العقول عبر الشائعات والدعاية الدينية والسياسية ، لزرع الشك والانقسام وإضعاف الثقة بين القيادة والشعب .
٦-المشروع الوطني الجنوبي يواجه حربًا مركبة:عسكرية ، إعلامية، فكرية، وسياسية ، كلها تستهدف ضرب الثقة بالهوية الجنوبية وتقويض حلم الدولة المستقلة ، مستغلة اي إحداث قد تؤدي إلى الفوضى والانقسامات بهدف إرباك مسار الاستقرار .
٧-السكوت عن الاختراق الداخلي أخطر من العدوان الخارجي ، لأن الجماعات الإرهابية لا تعود إلى الجنوب كعدو واضح ، بل كـشريك مزيف ، يستخدم شعارات الجنوب لتدميره من الداخل .
٨-التحالف (الحوثي-
الإخواني) لا يمتّ بصلة للمشروع الوطني سواء الجنوبي أو اليمني ولا حتى المشروع العربي ، بل هو امتداد لمشروع إرهابي خارجي (شيعي - إخواني ) ، يسعى لتغيير هوية الجنوب العربي واستبدالها بهوية مذهبية متطرفة تتناقض مع قيم التسامح والتعايش العربية .
٩-الاختراق الإعلامي الممنهج الذي تمارسه هذه الجماعات أدّى إلى إرباك بعض الفئات الجنوبية غير الواعية بخطورة الحرب النفسية، فصار البعض ضحية للتضليل الإعلامي الذي يجمّل الإرهاب ويشوّه المقاومة الحقيقية .
١٠-الجنوب بحاجة إلى مقاومة فكرية وثقافية جديدة ؛ مقاومة تعيد تعريف المفاهيم الوطنية، وتحصّن الوعي الشعبي من التضليل ،لأن المعركة اليوم ليست فقط على الأرض ، بل في القلوب والعقول .
١١-التحالفات الإرهابية الجديدة (الحوثية والإخوانية)تشكّل خطرًا مضاعفًا ، لأنها تجمع بين خبرة الحوثي في الحرب ، وأساليب الإخوان في الاختراق ، وهو ما يجعلها أخطر من أي تهديد سابق .
١٢-حقق الرئيس الزبيدي بتشكيله المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسته وفقا والتفويض الشعبي الجنوبي نصرا مؤزرا في إيجاد حامل سياسي للمشروع السيادي الجنوبي تلتف حوله الأغلبية الساحقة من الجنوبيين ؛ مما عزز من وحدة الجبهة الداخلية الجنوبية ولاسيما بعد مؤتمر الحوار الجنوبي الجنوبي الذي أنجز ميثاق الشرف الجنوبي العظيم.
هـ- التوصيات
١-إعادة ترسيخ المفهوم الحقيقي للمقاومة الجنوبية بوصفها حركة وطنية خالصة هدفها الدفاع عن السيادة والكرامة والحرية الجنوبية ، لا أداة بيد جماعات الإرهاب (الحوثية والإخوانية) لتحقيق مكاسب سياسية أو مالية أو مذهبية .
٢-تعزيز الوعي المجتمعي الجنوبي من خلال إدماج مفاهيم الأمن الفكري في المناهج الدراسية والبرامج الجامعية والإعلامية ، لتوضيح خطر التلاعب بالمفاهيم الوطنية واستخدام المقاومة كشعار للاحتلال .
٣-تفعيل الدور الثقافي والإعلامي الوطني عبر دعم الأكاديميين والكتّاب والإعلاميين والمفكرين الجنوبيين لإنتاج خطاب تنويري مضاد يفضح التناقضات في خطاب الحوثيين والإخوان ، ويكشف حقيقتهم كجماعات إرهابية لا وطنية .
٤-إطلاق حملات توعية شعبية منظمة تحت شعارات مثل (احمِ وعيك لتحمي وطنك)، بهدف تحصين المجتمع من الدعاية الإرهابية المموّلة التي تعمل على تشويه الهوية الجنوبية وتشكيك الناس في مشروعهم الوطني .
٥-توحيد الصف الجنوبي سياسيًا وميدانيًا ، لأن الجماعات الإرهابية لا تجد طريقها إلى الجنوب إلا عبر الانقسامات الداخلية ، فالوحدة الوطنية هي السلاح الأقوى ضد الاختراق .
٦-دعم الإعلام الجنوبي الحر والمستقل ليكون منبرًا للمقاومة الفكرية، ينشر الوعي ويواجه التضليل بحقائق موثقة ، ويقدّم صورة الجنوب القوي المتماسك في وجه التحالفات الإرهابية .
٧-رصد ومراقبة قنوات التمويل المشبوهة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية لاختراق الجنوب ، وتجفيف منابع الدعم المالي والإعلامي التي تغذي الخطاب المعادي من داخل الأراضي المحررة .
٨-إطلاق استراتيجية أمنية-إعلامية موحدة لمواجهة الحرب النفسية والإعلامية التي تشنها الماكينة الإرهابية ، من خلال تحليل الشائعات وتفنيدها سريعًا ، وبناء شبكة معلوماتية موثوقة ومفتوحة للجمهور .
٩-تفعيل القوانين الوطنية بحق كل من يثبت تورطه في التعاون مع الجماعات الإرهابية أو دعمها أو الترويج لها، لأن التساهل مع الخيانة يفتح الباب أمام تمدد الإرهاب داخل الجسد الجنوبي .
١٠-إشراك العلماء والشخصيات الاجتماعية والدينية المستقلة في فضح الطابع الطائفي والمذهبي للمشروع الحوثي والإخواني ، وتأكيد الهوية العربية والإسلامية الوسطية للجنوب .
١١-تعزيز الثقة بين القيادة والشعب الجنوبي عبر التواصل المباشر والشفافية في القرارات والسياسات ، لأن الجماعات الإرهابية تعتمد على تشويه العلاقة بين الحاكم والمحكوم لزرع الفتنة والانقسام .
١٢-إطلاق منتديات فكرية وبحثية دورية داخل الجنوب لمناقشة مفاهيم المقاومة والإرهاب والهوية الوطنية ، وتأسيس مراكز دراسات متخصصة لمتابعة التطورات الفكرية والتنظيمية للجماعات الإرهابية .
١٣-تشجيع المصالحة الوطنية الجنوبية وتجاوز الخلافات السياسية والمناطقية بين المكونات الجنوبية ، لأن كل تقارب وطني يمثل ضربة مباشرة لمشروع الإرهاب الذي يقوم على التفكيك والتناحر .
١٤-تبنّي خطاب وطني عقلاني ومسؤول في الإعلام والسياسة ، يبتعد عن الانفعال ، ويعكس وعي الجنوب بمصيره ، ويقدّم صورة الدولة القادمة التي تُبنى على قيم العدالة والسيادة والمواطنة.
١٥-الانتقال من مقاومة البقاء إلى مشروع البناء ، من خلال التركيز على التنمية ، وإعادة الإعمار ، والحوكمة الرشيدة ، لأن قوة الدولة المدنية الحديثة هي الضمان الحقيقي لمواجهة الإرهاب .
١٦-التأكيد على أهمية الالتفاف الشعبي حول الحامل السياسي الجنوبي ممثلا بالمجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الأخ الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي لما لذلك من أهمية في تعزيز وحدة النسيج الاجتماعي الجنوبي وصولا إلى استعادة الدولة بحلتها الجنوبية الجديدة .
و- الخاتمة :
لقد أثبتت مسيرة النضال الجنوبي الممتدة منذ عام ١٩٩٤م حتى اليوم وما بعده أن إرادة الشعوب لا تُهزم مهما تغيّرت أدوات الاحتلال .
فقد تحرر الجنوب من قبضة الغزو العسكري مرتين ، لكنّه اليوم يواجه غزوًا من نوعٍ آخر ؛ غزوًا فكريًا وإعلاميًا تقوده جماعات الإرهاب الحوثية والإخوانية ، تحت مسمياتٍ جديدة وشعاراتٍ وطنية مزيفة.
إن ما يُسمّى اليوم بـالمقاومة الوطنية الجنوبية ليس سوى غطاء تحالفي إرهابي يسعى لإعادة احتلال الجنوب المحرر وتسليمه مجددًا لقوى الاحتلال اليمني التي لفظها شعب الجنوب بدماء أبنائه وتضحيات شهدائه .
وما يجري اليوم من محاولات لإحياء هذه الجماعات تحت لافتة التحرير هو امتداد لمشروع الاحتلال القديم بثوبٍ جديد ، بعد أن انكشف القناع وسقطت الشعارات.
لقد خلص البحث إلى أن الخطر الحقيقي على الجنوب لم يعد في جبهات القتال فحسب ، بل في جبهات الوعي والإعلام والسياسة ، حيث تعمل هذه القوى على تشويه المفاهيم الوطنية ، وتحويل المقاومة من فعل تحرري إلى وسيلة لإعادة إنتاج الاحتلال .
كما أثبتت النتائج أن التحالف الإرهابي الحوثي-الإخواني أصبح منظومة واحدة متكاملة تتبادل الأدوار وتستخدم أدوات محلية مأجورة لتمرير مشروعها التخريبي داخل الجنوب
إن مقاومة هذا المشروع لا تكون بالرد العسكري وحده ، بل تحتاج إلى مواجهة فكرية وثقافية عميقة تُعيد بناء الوعي الجمعي الجنوبي ، وتحصّنه من التضليل الإعلامي ، وتعيد تعريف معنى المقاومة بوصفها فعلًا وطنيًا صادقًا لا يُباع ولا يُشترى .
كما أن ترسيخ الوحدة الوطنية الجنوبية ، وتعزيز مؤسسات الدولة ، وتفعيل الرقابة الأمنية والإعلامية ،يمثل الطريق الأمثل لحماية مكتسبات التحرير من مؤامرات الإرهاب الجديدة .
إن الجنوب اليوم يقف أمام مرحلة تاريخية فاصلة : فإما أن ينتصر بوعيه وإرادته ويُكمل مشروع دولته المدنية الحديثة ، وإما أن يسمح لأدوات الإرهاب أن تعيد احتلاله باسم المقاومة .
لكن التاريخ والجغرافيا والنضال الطويل تؤكد أن شعب الجنوب الذي كسر القيود بالأمس لن يسمح بعودتها اليوم ، وأن المقاومة الحقيقية ستظل دائمًا تلك التي تحمي الأرض والعقل والهوية من كل أشكال الإرهاب والاحتلال .
وأن المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الأخ الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي لن يسمح للقوى الإرهابية(الحوثية والإخوانية) في المساس بالحق السيادي للجنوب مهما كانت التضحيات .
باحث أكاديمي ومحلل سياسي.