لم يهتم بي أحد إلا بعد تواصل الكاتب الكويتي "فهد الشليمي" معي عبر بث مباشر
الفنان التشكيلي الجنوبي في عهد الاحتلال اليمني لم يجد شيئًا لا راتب ولا حتى داعم وفي الأخير صفينا بالشارع
اهتموا بتاريخ الجنوب ومعالمه حتى لا تغيب وتندثر
يُعد الفن التشكيلي في اليمن بيئة خصبة لاستيعاب التجارب الثقافية ، غير أن غياب الاهتمام به أحدث عرجا في المسيرة الثقافية، ناهيك عن ثقافة المجتمع التي مدت من غربة هذا الفن وجعلته يعيش بعيداً عن العائلة الثقافية كأحد أهم أفرادها، الأمر الذي يحتم ضرورة تسخير الإمكانيات والاحتياجات، حتى يتمكن هذا الفن من إقناع المجتمع والوسط الثقافي بأنه مكون أساسي في ثقافة المجتمع وجزء من البيئة التي يعيش فيها الإنسان.. (4مايو) التقت بالفنان "محمد بن إسماعيل" الذي يعد من أوائل الفنانين في المجال الإبداعي، وأُشيد به وبأعماله من قبل الكثير من الشخصيات في الداخل والخارج، حيث تم مؤخرا تكريمه من قبل رئيس الجمعية الوطنية اللواء الركن/ أحمد سعيد بن بريك ؛ وأجرينا معه الحوار التالي..
•حدثنا عن نفسك، ومتى كانت بداية ظهور هذه الحرفة والموهبة لديكم؟ وبماذا نميتموها?
اسمي محمد عبد الله محمد بن إسماعيل السقاف، من مواليد مدينة الشحر محافظة حضرموت عام (1953م)، درست إلى المرحلة المتوسطة. بداية عملي كانت في السبعينات ، عملت بتعاونية النجارين في (73 إلى عام 1985م)، كنت أعمل تصميمات أثاث ذات جمال، وصقلت موهبتي أكثر هناك، حيث برزت منذ الصغر ، وهي موهبة من الله سبحانه وتعالى وهبني إياها وعمري تقريبا (8 سنوات)، في السابق لم تكن هناك إمكانيات فكنا نستخدم أدوات بسيطة (كراتين) نعمل على قصها بأمواس الحلاقة، أما الغراء كنا نستخدم الدقيق الأبيض نحط فيه ماء ونخلطه على النار حتى يصبح مثل الغراء، ومن ثم نقوم بتصميغ قطع الكراتين ونعمل منها المجسمات الفنية ، هذا قديما.
•من الذي قام بتشجيعك على التصميم والرسم وكان ملهمًا لك؟
لم يلهمني أحد ؛ جميع عائلتي كانت بعيدة عن الفن وذات طابع ديني، أنا الوحيد الذي سلكت سلوك الفن ولم يدعمني وقتها سوى ابن عمي الذي يعيش في المملكة العربية السعودية "السقاف طاهر بن إسماعيل".
•هل شاركتم بعروض داخلية وخارجية ومسابقات للتصميم والحرفية؟
شاركت في (2005م) بالمعرض الوطني في المكلا ، تحصلت فيه على شهادة تكريم من غرفة التجارة والصناعة في محافظة حضرموت، وفي عام (2006م) استُدعيت إلى صنعاء لتكريمي ؛ بسبب مشاركة أحد شباب حضرموت بقصر إمارة "آل بريك"، على ضوئها طلبنا وزير الثقافة آنذاك "خالد عبد الله الرويشان" وسافرنا لصنعاء فأعجب بالقصر جدا. أما بالنسبة لعروض الخارج لم تأتيني أي عروض، غير عندما أتى "وفد عماني" في المشاركة بالمعرض فشاهدوا أعمالي وأعجبوا بها، فأعطوني عروضا للسفر وجنسية وراتب ؛ ولكن رفضت، حتى وإن بلدي جارت عليّ، سأظل فيها ؛ وطني لا يباع..
•هل قمت بدورات تطويرية؟
أبدًا .. هذه موهبة من الله، حتى إن طلاب الجامعات والدراسات سواء الذين درسوا في الخارج أو الداخل، يأتوا إلي يسألوني عن أمور يجهلونها، أنا لدي موهبة مكتملة من الله سبحانه وتعالى.
•كيف ترى اهتمام السلطة المحلية لموهبتك وللمواهب الإبداعية الأخرى؟
مشكورين ؛ ولكن لم يأتِ يوم يطلبوني بعمل أو يهتموا بموهبتي، بالرغم أن لي فضل كبير ، وعملي يشهد لهم في متحف الشحر، حيث قمت بتصميم مجسم كامل متكامل لمدينة الشحر ، طبعا عملت عملية جراحية قبل عدة أشهر ولم يأتِ أحد للاطمئنان أو حتى السؤال عليّ ، لا من المحافظة ولا من ديوان الثقافة، تطلبني السلطة المحلية فقط وقت المناسبات والأعياد الوطنية إذا لدي شيء جاهز.
•ما شعورك وأنت تتكرم من قبل اللواء/ أحمد سعيد بن بريك رئيس الجمعية الوطنية بعد إهدائك له تصميم قصر "آل بريك"؟
أقدم شكري للواء الركن/ أحمد سعيد بن بريك في استدعائي إلى العاصمة عدن من أجل تكريمي على إبداعاتي الفنية المشهود لها – حد وصف اللواء – وقال لي: "سندعمك بالنواقص المحتاج إليها في فنك".
وقال اللواء/ أحمد سعيد: " نريد التاريخ هذا أن يحتفظ لجميع الدور التاريخية والثقافية التي اندثرت ؛ بسبب الأمطار وعوامل التعرية". وقصر أمارة "آل بريك" الذي أهديت نسخة منه إلى اللواء تم وضع حجر أساس ترميمه من قبله عندما كان محافظ حضرموت والذي بعهده عرفت المحافظة الازدهار، والآن بدأ اللواء/ فرج البحسني باستكمال ترميم القصر بعدة مراحل كونه قصر كبير.
كما أشكر اللواء/ فرج البحسني، وعبر صحيفتكم أناشد المسؤولين بأن يحافظوا على طابع لون مدرسة "مكارم الأخلاق القديمة" الذين قاموا بترميمها، مدرسة أخرجت وزراء وقيادات كبرى وكوادر.
•هناك العديد من الكتاب العرب يساندون قضية الجنوب.. السؤال لماذا اخترت أن تهدي المجسم التاريخي لقصر "آل بن بريك" للكاتب الكويتي فهد الشليمي؟
فهد الشليمي كاتب وصحفي معروف ورجل يقول كلمة الحق ؛ أنا لم أسمع عن غيره مثله ، أقرأ له وأتابعه رجل يقول كلمة الحق، لذا أهديته أفضل قصر عندي، وعند استلامه قام بشكري في بث مباشر وعبر عن رأيه بفني، فلولا الأستاذ/ فهد الشليمي، لما أحد عرفني واستدعاني إليه، وما أشار إليه "فهد الشليمي" فخر لنا وفخر "لآل بريك"، كما أن الشيخ "هاني بن بريك" عند سماع كلمة الأستاذ/ فهد الشليمي قدم لي الشكر، وقال لي: "رح نساعدك حتى تبرز موهبتك".. وحقيقة لم يهتم بي أحد إلا بعد اتصال الأستاذ/ فهد الشليمي.
•ما أهمية قصر "آل بريك" الذي أهديته للكاتب الكويتي فهد الشليمي وللواء أحمد سعيد بن بريك؟
قصر الحاكم ؛ كان هو كل الدوائر الحكومية آنذاك قبل السلطة القعيطية.
•أستاذ محمد عبد الله ، صف لنا الفنان التشكيلي الجنوبي في عهد الاحتلال اليمني؟
لا شيء!.. ماذا عملوا لنا، لا شيء، أنا ليس لدي راتب ولم أجد دعما من أي مكان، إذا بعت عملا فنيا لي أوفر منه قوتي وقوت عائلتي، لكن للأسف لا توجد سياحة في بلدنا، أنا كنت أعمل في تعاونية النجارين إلى عام (85م)، ثم أخذت منهم من تحولوا إلى التربية، ومنهم إلى الشارع، وأنا من ضمنهم من عام (85م)، وأنا بدون راتب.
•ما أهم الأعمال الفنية التي قمت بها أستاذ محمد ابن إسماعيل؟
أنا مثلا أعمل كثيرا من الأعمال الفنية التاريخية ؛ خوفا من أن يضيع التاريخ علينا وأقوم بالاحتفاظ بها ، لكن كل من رآها من المسؤولين لا يقومون بالدعم الكافي، اللواء/ أحمد سعيد بن بريك مشكورا وعد أننا سنعمل معرضا على مستوى المحافظات الجنوبية، وأنه يجب الحفاظ وتوثيق كل ما هو مهم وأثري في القريب العاجل. لدي أعمال كثيرة ، حاليا أقوم بعمل مجسم مدينة أخرى للشحر تعود أهميتها إلى قبل قصر "آل بريك" تحكي ما قبل (1500عام)، وكانت في عهد الكندي تاريخ عريق لمدينة أقدم من الشحر إلى عام (65م)، وأيضا لدي أعمال فنية تاريخية منها: سدة الخور، وسدة العيدروس، ومدينة الشحر كاملة مع السور، وكذا قصر ناصر، وقصر سيئون، إلى جانب مدينة شبام مصغرة، وحصن الغويزي،ومجسم مفصل لجامع المحضار في تريم، بالإضافة إلى قصر السلطان القعيطي التي اندثرت معالمه، ومبنى الباغ الذي هو عبارة عن مدرسة دينية وثقافية ومزرعة كان السودانيون يأتون ليدرّسوا فيها ، أيام المنهج السوداني اسمه "بخت الرضا" المدرسون كانوا سودانيين، وكانوا يقسمون الطلاب إلى عدة منازل التي هي عبارة عن جروبات جروب مثلا للثقافة وجروب للزراعة، وكانت أنشطة مسائية وعصرية، العصرية للرياضة والمسائية للثقافة وعليه سور كبير، كل مدينة في حضرموت لها ريفها، كل الخضار فيها حتى اللبان يزرع فيها ، يأتي الصوماليون للبحث عن (70 شجرة) أعمال كثيرة فنية تاريخية لا يتسنى الوقت لذكرها جميعا.
•كلمة أخيرة تود أن تختم بها لقاءنا الفني؟
أولا أجدد شكري للمجلس الانتقالي الجنوبي وعلى رأسهم اللواء الركن/عيدروس قاسم الزبيدي، واللواء الركن/ أحمد سعيد بن بريك الذي استدعاني وكرمني، وكذا الشيخ/ هاني بن بريك، ولا أنسى الكاتب الكويتي الأستاذ/ فهد الشليمي، أوصل رسالتي لهم : اهتموا بتاريخ الجنوب وبمعالمه التاريخية، لا نريدها تغيب عن الأنظار وتندثر، عندها لن يتسنى للأجيال القادمة معرفة تاريخنا الجنوبي العريق، وأن يقوموا بالاهتمام بالموهوبين، والفنانين التشكيليين، فهناك مواهب عدة مدفونة لا يعلم أحد بها، فأرجو الاهتمام ومساعدتهم بالتطور أكثر، نحن الفنانون التشكيليون حقوقنا مهضومة حتى النقابة لا تعمل لنا شيئا..
للتواصل مع الفنان التشكيلي/ محمد بن إسماعيل على الرقم (733629384).
